الجزائر: كيف يعين وزراء من دون العودة لملفاتهم القضائية؟

أزمة وزير السياحة الجزائري: كيف يعين وزراء من دون العودة لملفاتهم القضائية؟

30 مايو 2017
غموض حول كيفية انتقال السلطة بعد بوتفليقة(بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -

صدمة سياسية حادة أصابت الرأي العام في الجزائر، الأحد الماضي، بعد إقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لوزير السياحة مسعود بن عقون، بعد ثلاثة أيام من تعيينه في الحكومة، على خلفية ملفه القضائي الأسود ووجود أحكام قضائية صادرة ضده. لكن هذه المبررات لم تكن كافية لتهدئة الرأي العام الذي بات أكثر تخوفاً على الوضع السياسي في الجزائر، تزامناً مع حالة الغموض السائدة في أعلى هرم الدولة.

لم تمض أكثر من 72 ساعة على تعيينها، حتى كانت حكومة عبد المجيد تبون تتلقى ضربة سياسية وإعلامية، بعد الكشف عن إقالة وزير السياحة الجديد. وعدا بيان الإقالة المقتضب، لم تقدّم الرئاسة ولا الحكومة الجزائرية أية توضيحات عن خلفيات وملابسات هذه الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، ولم تعلّق على كمّ هائل من التساؤلات والمخاوف السياسية والشعبية التي برزت. تساؤلات عن طبيعة اختيار الوزراء وتعيينهم من دون العودة إلى ملفاتهم الشخصية وسيرهم الذاتية وملفاتهم الأمنية والقضائية، ومستوياتهم العلمية والكفاءة والقدرة على تسيير القطاعات الوزارية الخدماتية، وما إذا كانت هذه القضية جزءاً من تداعيات الارتباك السياسي الذي تعيشه الجزائر منذ خمس سنوات، تزامناً مع الغياب المستمر لبوتفليقة عن المشهد العام منذ إبريل/ نيسان 2013، تاريخ إصابته بجلطة دماغية استدعت مكوثه في مستشفى في باريس لمدة 81 يوماً. كما أن بوتفليقة لم يخاطب الشعب منذ مايو/ أيار 2012، ما دفع بالعديد من التقارير والتسريبات إلى الحديث عن تعدد مصادر القرار في هرم السلطة وتدخّل محيط بوتفليقة في القرارات الدستورية، والحديث عن تداعيات تفكيك جهاز الاستخبارات منذ سبتمبر/ أيلول 2015، والذي كان يتكفل بإنجاز التحقيقات الاستباقية للمسؤولين المرشحين لتولي مناصب حكومية وإدارية عليا قبل تعيينهم، من دون إسناد هذه المهام إلى أجهزة أمنية أخرى.

وبقدر ما يعتبر مراقبون أن الحادث الأول من نوعه، يضاف إلى سلسلة مشاهد كاريكاتورية باتت تلخص المشهد السياسي في الجزائر وتدني مستوى القابلية للتعيين الحكومي، واقتسام الحقائب الوزارية والحكومية على أساس حزبي أو مناطقي من دون اعتبار الحاجة الجدية للقطاعات الوزارية والخدماتية وفق تخطيط محكم، بقدر ما أفرز حالة من التخوّف الجدي بشأن الوضع السياسي للبلاد ومستويات التخبط التي تعيشها المؤسسة الحاكمة في الجزائر.
وبحسب الباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، فإن حادثة تعيين وإقالة وزير السياحة، هي مؤشر خطير على تحلل الدولة وانهيار مؤسساتها. وعبّر عن تخوفه من هذا الوضع على مستقبل البلاد، قائلاً: "لم أشعر بخوف على وضع البلد، كما انتابني بعد سماعي إقالة وزير السياحة الجديد بالطريقة التي تمت بها، خوف لم أعش ما يشبهه إلا خلال سنوات الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي"، معتبراً أن "هذه الحادثة الخطيرة تُبيّن بشكل جلي أن ما كان الجزائريون خائفون منه منذ سنوات لم يعد احتمالاً وارداً بل حقيقة مرة ماثلة أمام أعينهم".
وأشار جابي إلى مستوى التخبّط السياسي الخطير الذي بلغته المؤسسة الرسمية في الجزائر، لافتاً إلى أن "أهم مركز قرار سياسي كالرئاسة، بات يعرف هذا المستوى من التخبّط، لدرجة تعيين وزير لساعات، يُبعد بعدها، ليقدّم للرأي العام كصاحب سوابق خطير، ناهيك عن أن رئيس حكومة يقوم بمشاورات لتشكيل حكومة لنكتشف أنه ليس رئيس الوزراء المعيّن كما يحصل في أي نظام سياسي"، مضيفاً: "كما نرى تعيينات غاية في الغرابة، يُثبّت فيها صاحب المستوى الابتدائي في وزارة سيادية، ويُبعد من قيل لسنوات إنه مهني وصاحب تجربة".


عدد من الأحزاب السياسية المعارضة وجدت في الحادثة مناسبة لتأكيد مواقفها وإعطائها صدقية أكبر. واعتبر المتحدث باسم حركة "مجتمع السلم" نصر الدين حمدادوش، أن إنهاء مهام وزير السياحة "دليل واضح على قمة العبثية في التعيين في مناصب المسؤولية العليا للدولة، وعنوان لحالة التحلل والإفلاس في تحمّل المسؤولية السياسية في البلاد، ودليل على غياب مؤسسات الدولة والأجهزة المختصة في كشف الفضيحة قبل وقوعها، وعلى حالة الترهّل العامة التي تعاني منها الجزائر".
وأشار حمدادوش إلى أن حركة "مجتمع السلم" سبق أن نبّهت إلى هذه المآلات مسبقاً، مؤكداً أن "من حق الرأي العام أن يعرف ما هي المعايير الحقيقية في تعيين وتنحية الوزراء في الحكومة، فيما البلاد وأحزاب الموالاة نفسها تزخر بالكفاءات والقيادات النزيهة، ومن يمثّلون الوجه المشرّف للحكومة والدولة الجزائرية".
من جهته، اعتبر المتحدث باسم حزب "العمال" اليساري جلول جودي، أن "العلبة السوداء للدولة الجزائرية أخفقت في اختياراتها، وهذه أول ضريبة قاسمة للحكومة الجديدة".
لكن وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية الموالية للسلطة، حاولت توجيه الأنظار إلى حزب "الحركة الشعبية الجزائرية" الذي يقوده وزير التجارة السابق عمارة بن يونس، وتحميله مسؤولية الحادث عبر ترشيح كادر لديه سوابق قضائية وتقديمه لمنصب وزير، في إطار حصة الحزب بمقعد واحد في الحكومة الجديدة بعد انتخابات الرابع من مايو/ أيار الحالي، على الرغم من أن هذا المرشح لمنصب الوزارة، كان نفسه قد ترشح في هذه الانتخابات باسم الحزب كمتصدر لقائمته بولاية باتنة، شرقي الجزائر، وأخفق في الفوز بمقعده. واتهمت هذه القنوات رئيس الحزب بخيانة ثقة بوتفليقة.

ووصف المحلل السياسي مروان الوناس، محاولة وسائل الإعلام الموالية لبوتفليقة وضع القضية على عاتق الحزب، بـ"التضليل الإعلامي الواضح"، في إشارة إلى محاولتها إبعاد المسؤولية عن الرئاسة التي تسرعت في تعيين شاب عاطل من العمل ليس له أي سابق في العمل الإداري والسياسي في منصب وزير قطاع حيوي بالنسبة للجزائر كالسياحة، تعتزم الجزائر التعويل عليه لتعويض نقص مداخيل النفط، ومن دون احترام المعايير البروتوكولية والترتيبات الأمنية المعتادة في تعيين الوزراء والمسؤولين.

ليست هذه الحادثة التي وُصفت بالكاريكاتورية فقط ما يثير، بحسب التقارير المحلية والدولية، المخاوف من الوضع الراهن وأفق المستقبل في البلاد، لكن قضايا ومشاهد كثيرة تضع الجزائر في دائرة الغموض، كونه بصدد اجتياز أصعب المراحل في تاريخه، في ظل غموض كبير يسود الموقف داخل المؤسسة الرسمية، وغياب كلي لمعالم المؤسسة الحاكمة وقواعد الانتقال السلس للسلطة، خصوصاً أن الجزائر على أعتاب استحقاق رئاسي في ربيع 2019، لا تبدو معالمه قد اكتملت على صعيد المرشحين لخلافة بوتفليقة، أو رغبة الأخير في الاستمرار في الحكم لولاية رئاسية خامسة.