عثرات تهدد التعاون السوداني الأوروبي للحد من الهجرة

عثرات تهدد التعاون السوداني الأوروبي للحد من الهجرة

02 يوليو 2016
يُعتبر السودان معبراً أساسياً للمهاجرين (ألبير غونزاليز فران/فرانس برس)
+ الخط -
فصل جديد من التعاون الاستخباراتي بين السودان وبريطانيا وإيطاليا بدأ أخيراً لكن لم تكتمل حلقاته، عقب نشر تقارير تؤكد فشل العملية الاستخباراتية الثلاثية التي أسفرت عن إلقاء القبض على من قيل إنه رئيس أكبر عصابة إجرامية تعمل بالاتجار في البشر، عبر تنسيق أمني عالي المستوى بين الدول الثلاث. إذ اتضح بعد تسليم المتهم إلى إيطاليا مطع الشهر الماضي، أنه ليس الشخص المقصود وأن الأمر لم يكن سوى تشابه في الهوية، بينما المتهم الأساسي هرب في اللحظات الأخيرة بعد تسرب معلومات حول المهمة.
ونشط الاتحاد الأوروبي خلال الفترة التي أعقبت سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وانتشار الفوضى في ليبيا، في حراك لمحاربة عملية الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا، وبدأ في التركيز أكثر على دولة السودان باعتبارها تمثّل واحداً من أكبر المعابر لتلك العملية.  وقبل نحو عامين وقّع الاتحاد الأوروبي مع الخرطوم على اتفاق للحد من الهجرة العكسية، كما عُقد مؤتمر دولي في السودان للقضية نفسها.
وقبل أن تمضي 24 ساعة على البيان المشترك الذي أصدرته الداخلية السودانية والسفارتان البريطانية والإيطالية في الخرطوم في شهر يونيو/حزيران الماضي لإعلان نجاح عملية اعتقال الإريتري ميريد يهديقو مدهاني، باعتباره أكبر رئيس لعصابة تعمل في الاتجار بالمهاجرين، جاءت تقارير لتنسف ما جاء في البيان وتلحق الفشل بالعملية. وكانت محطة إذاعية تبث في السويد نقلت تأكيدات تنفي صلة الإريتري المعتقل بقضايا الاتجار وتدفع بدلائل تؤكد صدقها. وسارعت السلطات الإيطالية والبريطانية للتحقيق في صحة تلك الادعاءات وعقدت سفارتا بريطانيا وإيطاليا اجتماعاً مع المسؤولين السودانيين في الخرطوم لبحث الملف. ووفق شهود عيان فإن السلطات السودانية اعتقلت بدل الشخص المطلوب، شاباً إريترياً يُدعى مدهاني تيسفا مريم قبل أسبوعين من تسليمه، في أحد المقاهي بمنطقة الديم جنوبي الخرطوم. وذكر مقربون من الرجل أنه وصل إلى الخرطوم منذ ما يزيد عن العام من إريتريا وكان يحاول الهجرة إلى أوروبا. ووفقاً للبيان الثلاثي السوداني البريطاني الإيطالي، فإن عملية القبض على مدهاني تمت بتعاون بين الشرطة ووزارة العدل السودانية ووكالة المملكة المتحدة الوطنية ونيابة باليرمو الإيطالية، وأكد أن عصابة مدهاني هي المسؤولة عن وفاة 356 شخصاً ماتوا في السفينة التي غرقت بالقرب من جزيرة لامبيدوزا عام 2013.
وذكر البيان أن عملية التوقيف تمت بأدلة قوية جمعتها السلطات الإيطالية للدور المحوري لمدهاني في عملية الاتجار بالمهاجرين، مشيراً إلى أن الرجل عمل منذ 2013 على نقل مئات الأشخاص عبر البحر المتوسط إلى أوروبا. وأفاد البيان أن التهم الموجّهة إليه هي التخطيط لصالح إحدى أكبر العصابات الاجرامية التي تعمل في تهريب البشر عبر الصحراء الكبرى والبحر المتوسط في منطقة وسط أفريقيا وليبيا، فضلاً عن تورطه بترتيب الرحلات.


ويرى مراقبون أن هذه القضية من شأنها أن تقود الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في تعاونه مع الخرطوم في ما يتعلق بقضايا الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن تأثيرها المباشر على التعاون بين لندن وروما، معتبرين أنها فضحت التسرع السوداني في إثبات جدية التعاون مع الاتحاد الأوروبي للاستفادة اقتصادياً وسياسياً من الخطوة، لا سيما بعد إعلان الخرطوم أكثر من مرة تحسن علاقتها بالاتحاد الأوروبي.
لكن آخرين يعتقدون أن لا تأثيرات سلبية على الخرطوم باعتبار أن دورها اقتصر على التنفيذ وفق المعلومات الاستخباراتية التي تتلقاها، إذ إن لندن وروما تقومان بالدور الاستخباراتي الأكبر، فيما الخرطوم مجرد منفّذ، إضافة إلى أن لا غنى للاتحاد الأوروبي عن التعاون مع السودان في الملف باعتباره يشكّل معبراً رئيسياً لتلك التجارة. وكانت السلطات السودانية بدأت منذ مايو/أيار الماضي حملة في مواجهة الإريتريين والإثيوبيين المقيمين في العاصمة، وسبق أن اشتكى عدد منهم من مداهمة منازلهم والتأكد من هوياتهم، الأمر الذي كان بمثابة انطلاقة للبحث عن المتهم الحقيقي بقضية تهريب المهاجرين.
ويرى المحلل السياسي عبدالمنعم أبو إدريس أن أي تعاون للسودان مع الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، سيكسبه مزيداً من ثقة القوى الغربية لا سيما بعد تحسن العلاقات نسبياً خلال الفترة الأخيرة بين الطرفين، كما سيكون له أثر اقتصادي إيجابي على الخرطوم. ويؤكد أنه في حال ثبت أن الشخص الذي سُلّم لروما لم يكن المطلوب، فإن ذلك سيمثّل خطأ مشتركاً للدول الثلاث، وستكون له تأثيرات على التعاون الأمني بينها مستقبلاً، مستبعداً أن يكون لذلك أثر سياسي كبير على السودان أو على التعاون في ملف الاتجار بالبشر.
أما مدير مركز الدراسات الأفريقية لحقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي ناصر سلم، فيقول إن التعاون السوداني الأوروبي في الملف بدأ بمقترح أوروبي بدعم القوات السودانية لضبط المناطق الحدودية مع إريتريا وإثيوبيا، فضلاً عن نشر الاتحاد الأوروبي قوات قريبة من السواحل الليبية وشروعه في عمليات استخباراتية لضرب المهربين، ولاسيما أن تلك التجارة حققت أرباحاً كبيرة للمهربين منذ بداية الصراع في ليبيا. ويصف العملية الأخيرة لتوقيف المطلوب بتهريب المهاجرين بالفاشلة، ويرى أنها لو نجحت لكانت ستقوّي علاقة السودان بالاتحاد الأوروبي وتجعل منه دولة فاعلة في هذا الملف، ولكنه يستبعد أن تؤدي العملية إلى انعكاسات سلبية على السودان لأن الأخير عمل وفق معلومات تسلّمها من بريطانيا وإيطاليا.
ويسعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لدعم استقرار الوضع السياسي السوداني الداخلي، حتى يتسنى للخرطوم القيام بمهام كبيرة فيما يتصل بمكافحة الاتجار بالبشر والإرهاب بصورة عامة، لاسيما في دول الاقليم. وجددت الدول الأوروبية والولايات المتحدة تحركات ومارست ضغوطاً قوية خلال الفترة الأخيرة على الأطراف السودانية المتنازعة لفك الجمود عن ملف الحوار الوطني الذي لا زال متعثراً على الرغم من مرور ما يزيد عن عامين على إطلاقه. وتحاول تلك الدول إقناع الحركات المسلحة الدارفورية و"الحركة الشعبية-قطاع شمال" فضلاً عن الأحزاب المعارضة وبينها حزب الأمة، التوقيع على خارطة الطريق التي اقترحتها الوساطة الأفريقية ووقّعتها الحكومة السودانية بشكل منفرد، تمهيداً لإشراك تلك القوى في الحوار.