"أبو غريب".. هنا وُلد "جهاد" الأخوين كواشي

"أبو غريب".. هنا وُلد "جهاد" الأخوين كواشي

21 يناير 2015
راقبت السلطات الفرنسية الأخوين كواشي لثلاث سنوات (getty)
+ الخط -
لا تزال أوروبا والولايات المتحدة بأجهزتهما الحكومية وصحافتهما المستقلة ومراكز أبحاثهما، تسبر أغوار الأسرار المحيطة بحياة منفذي هجمات باريس، الأخوين الجزائريين يتيمي الأبوين منذ الصغر، شريف وسعيد كواشي، علّ ذلك يتيح للدول الغربية معرفة ما إذا كان لليتم والشعور بالقهر والظلم الاجتماعي دور في انتحارهما بتلك الطريقة، ودوافعهما النفسية والشخصية والسياسية والعقائدية التي قادتهما إلى هجمات باريس، وقد تقود أشخاصاً آخرين إلى عمليات مماثلة في مدينة غربية.

وإضافة إلى ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية عن وقائع دفن الأخوين كواشي في مكانين متباعدين، وفي ظروف غير طبيعية، ركّزت الدوائر الأميركية والبريطانية وغيرها، على حياة الأخوين والظروف المحيطة بنشأتهما والمؤثرات السلبية التي قادت إلى فعلتهما. ويبدو أن نتائج التحقيقات في شأن هجمات باريس، وخلاصات التحري والبحث في حياة منفذيها من الجهات الرسمية، قد وجدت طريقها إلى الصحف الكبرى في أوروبا وأميركا، إن لم تكن هذه الصحافة نفسها قد توصلت إلى حقائق ومعلومات استفاد منها المسؤولون الحكوميون في أوروبا وأميركا على حد سواء. وتفيد معلومات هذه الدوائر بأن والدي شريف وسعيد كواشي هاجرا من الجزائر إلى فرنسا في السبعينيات ليولد الطفلان في باريس عامي 1980 1982.

وتُوفي والدهما عندما كانا طفلين. وعندما وصل شريف وسعيد الثانية عشرة والرابعة عشرة من عمريهما في 1994، تُوفيت والدتهما بعد صراع مع مرض عضال، فأُرسل الولدان إلى ملجأ للأيتام. وقضيا مع شقيقهما الثالث وشقيقتهما الصغرى الفترة الممتدة بين عامي 1994 حتى 2000 في مركزٍ للأحداث.

وعند خروج الأشقاء من المركز، أكّد رئيس المركز جاهزيتهم للاندماج في المجتمع، موضحاً أنهم لم يتسببوا، يوماً، في أي إزعاج لمن حولهم، بل وأظهر ثلاثة منهم حباً للدراسة، بخلاف شريف، الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم شهيراً، وبالفعل حصل فيما بعد على شهادة مدرس ألعاب رياضية.

وتفيد التحريات أنّ الأخ الأصغر، شريف، كان أكثر عدوانية من سعيد، وأنّ الرقابة الفرنسية كانت تركز عليه بشكل أكبر من أقرانه ومن أخيه. ومن أبرز المعلومات التي تم جمعها عن حياة شريف، ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز، في طبعتها الأسبوعية الخاصة، ليوم الأحد، عن أن صور تعذيب وإذلال الجنود الأميركيين لسجناء أبو غريب في العراق كانت بمثابة الشرارة الأولى المؤثرة في نهج شريف كواشي، وهو في الثانية والعشرين من عمره، حين كان يعمل على توصيل طلبات البيتزا.

ولم تخف الصحيفة الأميركية، أنها استقت معلوماتها من آلاف الصفحات من الوثائق القانونية، ومحاضر الاستجوابات، وملخصات من تسجيلات لمكالمات هاتفية ورسائل ومحتويات مستقاة من أجهزة الكمبيوتر، التي كان يستخدمها شريف وسعيد كواشي ومتهمون آخرون. وبحسب المعلومات المشار إليها، فإن شريف كواشي اتخذ قراراً أوليّاً بضرورة التوجه إلى قتال الولايات المتحدة، على أن يحدد الوقت والمكان المناسبين في وقت لاحق. وكخطوة أوليّة، بدأ في تعلم الرماية بطريقة افتراضية مثيرة للضحك عن طريق رسومات لبندقية كلاشينكوف، زوده بها أحد المدربين المفترضين على شبكة الإنترنت.

وما بين محطة التأثر الأولى بما حدث في سجن أبو غريب، وتنفيذ هجمات باريس، كان هناك فارق زمني مدّته عقد كامل. وشكّلت هذه الفترة الزمنية المحطة الأهم، التي سعت الأجهزة الغربية إلى دراستها، بغرض معرفة الظروف التي تطورت فيها رحلة الأخوين من الغضب الطبيعي إلى تنفيذ عملية هجمات برباطة جأش ولا مبالاة.

وكانت نقطة التحول الثانية في مسيرة الأخ الأصغر شريف نحو الإرهاب في عام 2005، حين قبضت السلطات الفرنسية عليه، وهو يحاول السفر إلى العراق للجهاد، وأمضى 20 شهراً في السجن. وهناك كانت الطامة الكبرى، حيث وفرت السلطات الفرنسية لشريف ما لم يكن يحلم به، وهو الالتقاء في السجن بجمال بقال، الرجل الذي أرسله إلى باريس لتكوين خلية إرهابية تهاجم المصالح الأميركية في فرنسا. وهكذا أصبح شريف معاوناً لبقال. كما تسنى لشريف في السجن تكوين صداقة مع أحد اللصوص المدانين ويدعى آمدي كوليبالي، الذي تولى، في وقت لاحق، تنفيذ هجوم أسفر عن مقتل ضابطة شرطة، ومحاصرة متجر يبيع الأطعمة الخاصة بالمتدينين اليهود.

وفي عام 2011، مع انطلاقة الثورات العربية، سافر سعيد كواشي إلى اليمن غير أن مصادر أميركية وأخرى أوروبية أعربت عن اعتقادها بأنّ الذي سافر هو شريف، مستخدماً جواز سفر أخيه سعيد، وخلال رحلته إلى اليمن تدرّب على استخدام مختلف أنواع الأسلحة، بحسب مصادر أميركية.

وتقول مصادر أمنية يمنية إنّها كانت على علم بوجود أحد الأخوين كواشي في أحد معاهد تعليم اللغة العربية بصنعاء، مشيرة إلى أنه كان يرتدي الملابس على الطريقة الغربية ويلعب الكرة مع أطفال الحي، الذي كن يسكن فيه في صنعاء القديمة، ويتجنب تربية لحيته أو الظهور بمظهر السلفيين.

أما المصادر الأميركية، فتروي أن شريف تلقى التدريب في معسكرات القاعدة في اليمن، وتلقى حوالي عشرين ألف دولار من "القاعدة" هناك. كما تشير المعلومات إلى أن الأخوين كواشي تعرضا للرقابة الدائمة في فرنسا لأكثر من ثلاث سنوات، ولكنها لم تسفر عن شيء. وقررت لجنة الإشراف أن المراقبة لم تعد ذات جدوى، وجرى إيقاف مراقبتهما بالفعل منتصف العام الماضي، في وقت كانت فيه السلطات مرهقة في متابعة مئات الشبان المسلمين من المسافرين ذهاباً وإياباً إلى سورية للجهاد.

وفي الوقت الذي لم يكن الشقيق الأكبر سعيد (34 عاماً) يثير الاهتمام أو الشكوك قبل ضلوعه في الهجوم الإرهابي على أسبوعية "شارلي إيبدو"، فإن شريف (32 عاماً) لم يكن يخفي ميوله للعنف، وكان يجاهر بالحديث عن تحطيم محلات اليهود في فرنسا والتعرّض لهم في الطرقات.

وأشارت بعض المصادر إلى أن المواد التي عثر عليها على الحاسوب الخاص بشريف كواشي في عام 2010 أثناء الاشتباه به في قضايا أخرى، كان ينبغي أن تطلق جرس الإنذار. ومن بين الوثائق التي أدرجت في وثائق المحكمة، وثيقة تحمل عنوان "عملية النحر". وتصف خطة مشابهة تقريباً لما حدث بعد ذلك بما يقارب الخمس سنوات.

وتصفت وثيقة أخرى الفتوى ضد الروائي، سلمان رشدي، بأنّها "مبررة تماماً". كما ورد فيها تبريرات لقتل كتاب وصحافيين فرنسيين بحجة التجديف والإساءة للأديان. ومن بين المواقع التي كانت تستهوي شريف كواشي موقع التوحيد والجهاد الذي أطلقه أبو محمد المقدسي.