قاعدة القيارة العراقية... ذراع واشنطن في المنطقة بدل أنجرليك؟

قاعدة القيارة العراقية... ذراع واشنطن في المنطقة بدل أنجرليك؟

05 اغسطس 2016
تخضع القاعدة لعملية تأهيل من قِبل الأميركيين (العربي الجديد)
+ الخط -

داخل أروقة مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وعدد محدود من القيادات العسكرية المقربة منه، يجري الحديث ومنذ أيام عن استمرار "تثبيت الأميركيين أرجلهم" في واحدة من كبرى القواعد الجوية العسكرية العراقية، وهي قاعدة القيارة الجوية الواقعة على بُعد 65 كيلومتراً جنوب الموصل، وذلك بعد وصول عشرات العسكريين الأميركيين إليها برفقة مهندسين وفنيين وعمال بناء، باشروا بأعمال ترميم القاعدة وإعادة تأهيلها مجدداً؛ وذلك بعد نحو شهر على تحرير القاعدة، كما تكشف مصادر لـ"العربي الجديد".
وتؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" من داخل مكتب العبادي، أن الأخير منح الضوء الأخضر للجيش الأميركي لاستخدام القاعدة كيفما يشاء في جهود محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من دون أن يحدد سقفاً زمنياً لبقاء الجيش الأميركي فيها.
وبحسب المصادر ذاتها، تستعجل القوات الأميركية بعمليات تأهيل القاعدة، وهي باشرت بتأهيل مدرجي الطائرات وقاعات المبيت ومرابض مبيت الطائرات في القاعدة، التي شكّلت نقطة فارقة في حياة العراقيين طيلة الأربعين سنة الماضية، إذ استخدمها العراق في حربه مع إيران، ومنها كانت تنطلق طائرات "ميراج" و"سوخوي" لقصف العمق الإيراني مثل عبادان وطهران، تبعها دور محوري في حرب الخليج الأولى. ثم منها تحركت كتيبة الصواريخ الثالثة لتقصف تل أبيب عام 1991، قبل أن تُدمر بشكل شبه كامل في الحرب الأخيرة التي انتهت باحتلال العراق عام 2003. لتعيد القوات الأميركية ترميمها واتخاذها قاعدة لها منذ العام 2004 ولغاية العام 2010، لتسلّمها إلى الفرقة الثانية بالجيش العراقي عقب انسحابها من العراق. وفي 11 يونيو/حزيران 2014، انسحب الجيش العراقي منها ليسيطر عليها تنظيم "داعش" بالكامل، بما فيها من أسلحة ومعدات عسكرية تُقدّر قيمتها بأكثر من مليار دولار، شملت عربات مصفحة ودبابات وكاسحات ألغام وأسلحة متوسطة وثقيلة ومعدات رصد جوي مختلفة.
ويقول عميد ركن عراقي لـ"العربي الجديد"، إن الولايات المتحدة قد تكون تخطط للتخلي عن قاعدة إنجرليك التركية بهذه الخطوة، فقاعدة القيارة مكان ممتاز للأميركيين وهو أقرب على ساحات المعارك في العراق وسورية، وأكثر قرباً من المنطقة العربية بشكل عام ومن الحدود الإيرانية مع العراق، موضحاً أن "القاعدة قد تكون مهيأة للعمل قبل نهاية العام الحالي وعمليات التأهيل لا تتحملها الحكومة العراقية بل كل النفقات على الأميركيين"، مؤكداً أن وحدة خاصة في الجيش العراقي يُسمح لها الدخول إلى القاعدة، فيما يُمنع دخول مليشيات "الحشد الشعبي" أو أي تشكيل أمني آخر إليها، مع استمرار عمليات تسوير وتعزيز محيط القاعدة.
وكان النائب العراقي حنين القدو، كشف في بيان، عن تخصيص الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 20 مليون دولار لتأهيل قاعدة القيارة، موضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية مهتمة كثيراً بإعادة إعمار القاعدة العسكرية، مشيراً إلى أن "اختيار القاعدة جاء لموقعها الاستراتيجي". وكان العبادي قد أعلن يوم السبت 9 يوليو/تموز الماضي، عن تحرير قاعدة القيارة، جنوب الموصل، من سيطرة تنظيم "داعش" بالكامل.
وقاعدة القيارة (قاعدة صدام الجوية سابقاً)، تقع على بعد 65 كيلومتراً جنوب الموصل ضمن حدود محافظة نينوى الحدودية مع سورية وتركيا، كما تبعد القاعدة 300 كيلومتر عن بغداد. أنشئت القاعدة في سبعينيات القرن الماضي من قبل شركة عسكرية يوغسلافية، وكانت من ضمن برنامج العراق العسكري الذي عرف حينها باسم الاستفادة من دروس الحروب العربية مع إسرائيل عامي 1967 و1973.
وتبلغ مساحتها 26 كيلومتراً وتتألف من مدرجين بطول 3505 أمتار و3596 متراً، وحوالي 33 حظيرة طائرات محصنة تنتشر في القاعدة، ويحيط بها سياج بقطر 20 كيلومتراً، ومع السياج حزام أخضر من الأشجار يحيط بالقاعدة لحجب الرؤية وضمان السرية. وتتسع القاعدة لنحو 50 طائرة مقاتلة بمختلف الأنواع، فضلاً عن أنها تتسع لنحو 5 آلاف جندي، وتحوي ثلاثة معامل لصيانة وتأهيل المقاتلات، فيما يوجد فيها مهابط دائرية خاصة للمروحيات القتالية، وتضم أبراجاً وتلالاً صناعية كانت تستخدم في نصب أجهزة الرصد والمراقبة الجوية العميقة.


ويوضح العقيد الركن محمد وادي الحمداني، العامل ضمن قوات الفرقة 15 بالجيش العراقي المرابط قرب الموصل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأميركيين يعملون بسرعة داخل القاعدة كأنهم في سباق مع الزمن أو على موعد مع شيء. ويضيف: "هم يأهلون الآن مدارج الطائرات ويستخدمون الإسمنت سريع التشكيل وجلبوا معدات ضخمة وبيوتاً جاهزة، ولا يسمح لغير المصرح لهم بالدخول"، مؤكداً أن أكثر من مسؤول عسكري أميركي زار القاعدة في الأسابيع الثلاثة الماضية.
ويشير إلى أن "الحديث عن أن الولايات المتحدة تريد تأهيلها وتجهيزها لأي طارئ فيما لو أغلقت قاعدة أنجرليك التركية"، موضحاً أن "المعلومات التي لدينا أنها ستكون قاعدة مشتركة للطائرات العراقية من طراز أف 16 التي اشترتها بغداد أخيراً من الولايات المتحدة"، لافتاً إلى أن "الطائرات الأميركية كانت تحتاج ما بين 20 إلى 25 دقيقة للوصول إلى هدفها في العراق ونحو 30 دقيقة للوصول إلى هدفها في سورية منطلقة من أنجرليك، لكن إذا انطلقت من قاعدة القيارة ستحتاج لأقل من خمس دقائق لضرب أهداف في العراق وأقل من 10 دقائق لضرب أهداف داخل سورية، وهذا سيوفر عليها الكثير من المال والجهد وصيانة الطائرات".
من جهته، يقول الخبير بالشأن العسكري العراقي والباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عبد الوهاب القصاب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قاعدة القيارة نقطة وعقدة مهمة جداً أنشأتها الحكومة العراقية قبل الاحتلال الأميركي، لضبط والسيطرة على المجال الجوي لشمال العراق بديلاً عن قاعدة فرناس، وهي قاعدة الموصل القديمة التي أضحت ضمن بلدية الموصل ولم تعد صالحة للاستخدام العسكري".
ويشير إلى أنه "بإمكان هذه القاعدة تأمين الإسناد الجوي بمختلف أنواعه للمحيط العراقي سواء في سورية أو تركيا أو إيران، وقد أثبتت كفاءتها إبان الحرب العراقية الإيرانية، حتى ضمّها ما يُعرف بالتحالف الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى منطقة حظر الطيران بين خطي عرض 36 شمالاً، حيث تقع القيارة، و34 جنوبا على مشارف قاعدة الرشيد الجوية"، مؤكداً أن "هذه القاعدة تؤمن كافة متطلبات العمل اليومي واللوجستي من سكن طواقم الطائرات والخدمات وعوائلهم".
ويعتبر أن "وجود الأميركيين في هذه القاعدة يعني أن العراق أصبح جزءاً من منظومة التحالف الغربي من دون أن ينضم إليه ومن دون أن يستفيد من مزاياه"، لافتاً إلى أن "اتخاذها بديلاً عن أنجرليك وارد جداً".
وحول ردة الفعل الإيرانية حول الخطوة، يقول إن "إيران أجبن من أن تقف بوجه مخططات كهذه، وسنسمع صراخاً لها ولأذنابها في العراق، لكن القرار فيما لو اتُخذ سينفذ"، مستدركاً بالقول إن هذه "الخطوة ترسخ أن العراق ما زال محتلاً، والقرار سيُتخذ رغماً عن إرادة العراقيين".
في المقابل فإن الموقف الأميركي عبّر عنه السفير الأميركي في بغداد ستيوارت جونز، الذي قال في تصريحات قبل أيام إن "قاعدة القيارة لن تكون بديلة عن أنجرليك لكن ستكون مركزاً للدعم اللوجستي". وأضاف أن "القوات الأميركية التي ستصل إلى العراق ستكون في هذه القاعدة بهدف تقديم الدعم اللوجستي"، مشدداً على أن "هذه القوات ليست قتالية وإنما تتألف من مهندسين ولوجستيين وفنيين".
وخلال الأيام القليلة الأخيرة، أطلق قادة وزعماء المليشيات والأحزاب الموالية لطهران، سيلاً من التصريحات التي تهاجم التواجد الأميركي في قاعدة القيارة، إذ اعتبر الأمين العام لمليشيا "بدر" هادي العامري والأمين العام لمليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، القوات الأميركية أنها هدف عسكري مشروع وسيتم التعامل معها كاحتلال، فيما أعلنت قيادات في التحالف الوطني أنها تنتظر توضيحات من رئيس الوزراء حول الموضوع، معربة عن رفضها للخطوة.
وإضافة إلى قاعدة القيارة الجوية، فإن واشنطن تمتلك قاعدتين غرب العراق، الأولى في الحبانية غرب الفلوجة، والثانية في قاعدة عين الأسد غرب الرمادي والقريبة من المثلث العراقي السوري الأردني، وكلاهما قاعدتان جويتان. كما تمتلك في أربيل بإقليم كردستان قاعدة ومعسكراً. غير أن قاعدة القيارة وفقاً لمصادر عسكرية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، تمثّل عقدة ربط بين بلدان مهمة، أبرزها إيران التي يمكن للطائرات أن تنطلق من القاعدة وتصل أولى المدن الإيرانية بأقل من 25 دقيقة، وهذا ما قد يفسر سبب انزعاج إيران وحلفائها في العراق.
وحول هذا الموضوع، يقول عميد متقاعد في الجيش العراقي لـ"العربي الجديد"، إن "قاعدة القيارة أصبحت ضمن خارطة التواجد الأميركي بشكل أو بآخر، لكن موضوع تحوّلها لبديل عن أنجرليك هو ملف سياسي بالدرجة الأولى، على الرغم من أن قاعدة القيارة العراقية أفضل عسكرياً لطيران التحالف الدولي أو الأميركي"، معتبراً أن هذا الموضوع "سيعتمد على تطورات وخطوات قد تتخذها أنقرة عقب الانقلاب الفاشل والموقف الأميركي من هذا الانقلاب".

المساهمون