التونسيون في عيدهم الوطني: لن نخاف

التونسيون في عيدهم الوطني: لن نخاف

20 مارس 2015
مسيرات في الشوارع ضد الاعتداءات (الأناضول)
+ الخط -

يبدو تزامن العيد الوطني في تونس مع العملية الإرهابية في متحف باردو، صدفة للبعض. غير أن الحقيقة مخالفة، لأن منفذي العملية من تنظيم "داعش"، عمدوا إلى تنفيذ جرائمهم في مناسبات وطنية مهمة للتونسيين، إذ تم اغتيال النائب محمد البراهمي يوم عيد الجمهورية الذي يصادف 25 يوليو/تموز من كل عام، كما استهدفوا ذكرى انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول، في عملية بن عون وسط تونس التي قُتل فيها سقراط الشارني، الذي تتولى أخته حالياً منصب وزارة الدولة لشهداء وجرحى الثورة.

وكانت عملية باردو تستهدف بدورها ذكرى استقلال تونس عن فرنسا (20 مارس/آذار من كل عام)، فيما يؤدي إلى استنتاج قوي بوجود حرب رموز بين الإرهابيين والدولة التونسية. وفي حين يسعى الإرهابيون إلى استهداف هذه المناسبات لضرب المعنويات الوطنية للمواطنين التونسيين، من خلال عمليات تتم في مواقع رمزية فشلت كلها، باستثناء عملية باردو، أول من أمس، يسعى التونسيون بدورهم إلى استغلال ذات الرموز، لتحويل الخوف إلى تعبئة رمزية لمقاومة الأعمال الإجرامية.

وتُعتبر ردة فعل التونسيين على عملية باردو استثنائية بكل المقاييس، وربما أدت إلى عكس ما أراده الإرهابيون، من محاولة تخويف التونسيين، وتغيير نمط حياتهم وإيقاعها. وانطلقت ردة الفعل اللافتة مع بداية الهجوم نفسه، إذ تجمهرت أعداد كبيرة من المواطنين في محيط مجلس النواب والمتحف، وبدأت بالإحاطة بالسياح في المكان، وانتهت باستقبال الأمنيين الذين فوجئوا بحملة تصفيق وتشجيع بعد انتهاء العملية وقتل مسلحَين. وتواصلت المساندة المدنية في المستشفيات، حيث نُقل الجرحى، ما دفع بعدد كبير من السياح إلى التعبير عن دهشتهم وإعلانهم رغبتهم في العودة إلى تونس قريباً.

وانطلقت مسيرة تلقائية، مساء الأربعاء، في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة، وعاد النواب ليلاً إلى مجلسهم في باردو لعقد جلسة عامة استثنائية. وفي متحف باردو نفسه حيث سقط الضحايا، عقدت وزيرة الثقافة التونسية، لطيفة الأخضر، أمس الخميس، ندوة صحافية أكدت خلالها أنه سيتم إعادة فتح متحف باردو يوم الإثنين أو الثلاثاء المقبلين، مشددة على تأمين كل المؤسسات الثقافية والتراثية في كامل أرجاء البلاد، وتكوين خلية أمنية من مئات الحراس لحماية المواقع الأثرية.

اقرأ أيضاً: بعد هجوم باردو: تونس تدعّم أمنها بوجه "الإرهاب"

وبالتوازي، كانت تونس تشهد ظهر الأربعاء نفسه، انطلاق المباريات الرياضية في أكثر من مدينة، وكذلك أمس الخميس، فيما تتواصل المهرجانات الثقافية بشكل عادي، على غرار أيام قرطاج الموسيقية في قلب العاصمة تونس، ومهرجان القصور الدولي في مدينة تطاوين في الجنوب التونسي، وكذلك العروض المسرحية والسينمائية كما هي مبرمجة سابقاً. وأكد مدير "أيام قرطاج الموسيقية"، حمدي مخلوف، أن الفعاليات ستتواصل بحسب البرنامج المقرر مسبقاً، وأن المهرجان يتحدى الإرهاب بالثقافة والفن. وكان اللافت في ردة الفعل السياسية الحزبية إيجابية كبيرة أيضاً، إذ عبّرت كل الأحزاب والشخصيات عن ضرورة الاستناد إلى الوحدة الوطنية في مواجهة الإرهاب، وترك الخلافات جانباً، وتجاوز التجاذبات السياسية في هذه الفترة.

ورأى القيادي في حراك "شعب المواطنين" عدنان منصر، لـ"العربي الجديد"، أن "الوقت الآن للوحدة الوطنية ومقاومة الإرهاب".

كما أكد القيادي في حركة "النهضة"، النائب عبداللطيف المكي، أن أعضاء مجلس النواب "متّحدون وصامدون في مواجهة ظاهرة الإرهاب البغيضة، ويساندون قوات الجيش والأمن الوطنيين في حربهم على الإرهاب". من جهته، قال النائب عن "الجبهة الشعبية"، منجي الرحوي: "لن تكسروا شوكتنا، ولن تغيّروا حياة التونسيين". وكان تصريح رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، لافتاً في رسالته، إذ قال "لن تكسروا شوكتنا، ولن تنتصروا على وحدتنا، ولن تنتصروا على ثورتنا"، معتبراً أنه "لا يحق لأي إرهابي الانتساب إلى وطن السلم والثورة لتونس العزيزة".

أما الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، فأعلن في بيان على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، إرجاء اجتماع إطلاق حراك "شعب المواطنين" إلى تاريخ سيعلن عنه لاحقاً. ودعا المرزوقي إلى وضع الإرهاب خارج كل النزاعات الطبيعية بين قوى سياسية تشترك في الخيارات الديمقراطية المدنية، وألا يكون موضوع مزايدات حتى تكون الوحدة الوطنية الصماء أحسن ردّ عليه. كما طالب بالإسراع في تفعيل استراتيجية متكاملة لمواجهة آفة تهدد كل المجتمعات، وخصوصاً المجتمعات العربية والإسلامية، تجمع بين المواجهة العسكرية والأمنية والدعوة الدينية والتنمية الاجتماعية والثقافية والتعاون الإقليمي والدولي.

ولم تقتصر التحركات التونسية على التصريحات، إذ عُقد، مساء أمس الخميس، اجتماع ضم الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية لبحث المستجدات الجديدة. كما أعلن مسؤولون تونسيون أنهم يُعدّون لمسيرة دولية كبيرة، تضامناً مع تونس، لحشد الدعم الدولي في حربهم على الإرهاب، وحصد رد فعل عكسي على السياحة التونسية واقتصادها، فيما انطلقت بالتوازي حملة دولية كبيرة على صفحات التواصل الاجتماعي لمساندة السياحة التونسية، تحمل شعار "أنا باردو"، و"سأقضي الصيف في تونس".