هل يطيح خلاف جنيف بالتمثيل الكردي من المعارضة السورية؟

هل يطيح خلاف جنيف بالتمثيل الكردي من المعارضة السورية؟

01 ابريل 2017
يريد المجلس إظهار نفسه كمدافع عن الأكراد(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت الساعات الأخيرة من مفاوضات جنيف تطوراً لافتاً، تمثّل في إعلان ممثلي الأكراد في وفد المعارضة تعليق مشاركتهم في أعمال الوفد والمفاوضات، فضلاً عن تعليق مشاركتهم في عضوية الهيئة العليا للمفاوضات. وجاءت هذه الخطوة من قِبل ممثلي المجلس الوطني الكردي إثر رفض الهيئة العليا للمفاوضات تسليم المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا مذكرة أعدها المجلس تطالب بإضافة حقوق الأكراد كبند مستقل في الورقة التي سلمها دي ميستورا إلى الوفود المشاركة في الجولة الخامسة من مفاوضات جنيف.
وتشير هذه الخطوة إلى أزمة مزدوجة تعاني منها ظاهراً العلاقة بين المعارضة السورية وممثلي الأكراد فيها، والذين لا تتطابق رؤيتهم دائماً مع رؤية ممثلي المعارضة بشأن النقاط الرئيسية الخاصة بحل الصراع في سورية. لكن جوهر الأزمة مصدره الأساسي العلاقات الكردية-الكردية، إذ تعاني الفصائل الكردية التي اختارت منذ البداية التنسيق مع المعارضة بشأن مستقبل البلاد، من أزمة في علاقاتها مع بقية القوى الكردية التي اختارت التنسيق مع القوى الدولية، وتعيش هذه الأيام ذروة "نجاحاتها" بسبب الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة وروسيا وبقية المجتمع الدولي تحت يافطة محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). هذا الأمر جعل هذه القوى صاحبة الصوت الأقوى في ادعاء تمثيل الأكراد في سورية، بينما ينحسر دور القوى "المعتدلة" التي ارتبطت بالمعارضة السورية.
وفي هذا الإطار، قال عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري، رياض الحسن، إن "المجلس الوطني الكردي في حال لا يحسد عليها، وهو يرفع صوته اليوم كي يُظهر أنه هو المدافع عن الأكراد والممثل الحقيقي لهم وليس حزب الاتحاد الديمقراطي".
وكان فؤاد عليكو، أحد ممثلي المجلس الوطني الكردي، وعضو وفد المعارضة المفاوض، قال بعد قرار التعليق إن الهدف منه هو توجيه رسالة "تأكيد حقوق الأكراد ووجودهم في جنيف رداً على الأصوات التي تدّعي عدم تمثيل المكون الكردي"، موضحاً أن الهيئة العليا "طلبت تأجيل نقاش الموضوع، لكننا أصررنا على موقفنا كي لا نؤكد صحة الادعاءات".
وأوضح الحسن، والذي تحدث لـ"العربي الجديد" قبيل لقاء كان مقرراً أن يجمعه مساء أمس الجمعة مع ممثلي الأكراد في وفد المعارضة في جنيف، أن "بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف السوري وثيقة موقّعة والائتلاف ملتزم بها، لكن المشكلة مع وثيقة الهيئة العليا للمفاوضات"، مشيراً إلى أن الهيئة لا تعارض البحث في الموضوع، وهي قالت إن الوثيقة قابلة للتعديل دائماً، لكن في الوقت المناسب، وليس أثناء جولة تفاوضية. وأضاف الحسن أن المجلس الوطني الكردي أرسل رسائل عدة طلب فيها تعديل الوثيقة، لكن الهيئة كان صعباً عليها فتح النقاش حول هذا الأمر بسبب عدم وجود أصوات كافية لتمرير التعديلات.
من جهته، أوضح رئيس وفد المعارضة في جنيف، نصر الحريري، أنه "كانت هناك رغبة من المجلس الوطني الكردي بإدراج بند خاص عن القضية الكردية، وكانت النقاشات مع الهيئة العليا للمفاوضات، وتم إرجاء الموضوع حتى يجري اجتماع الهيئة العليا في الرياض بعد انتهاء جولة التفاوض في جنيف".
وأعرب الصحافي الكردي آلان حسن، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن تعليق المجلس الوطني الكردي مشاركته في الهيئة العليا للمفاوضات "جاء بسبب ضغوط الشارع الكردي السوري الذي اتّهمه مراراً بالتنازل عن ثوابته في المطالبة بفيدرالية كردية في سورية، والذوبان في مطالب المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف، وخفض سقف مطالبه مقابل تقدُّم مشروع منافسه الكردي حزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب، الذين باتوا يسيطرون على مساحات واسعة من الأرض، وأعلنوا عن إدارات ذاتية في تلك المناطق، وقدّموا مشروعاً فيدرالياً لمستقبل سورية".
وأضاف حسن أن "كل ذلك دفع المجلس الوطني الكردي لدقّ ناقوس الخطر حول مدى تمثيله للشارع الكردي السوري، ورفع من سقف مطالبه لهيئة المفاوضات، وطلب إدراج عبارة أن المجلس الوطني الكردي هو الممثل الشرعي والوحيد للأكراد في سورية، وهذا المطلب قُوبِلَ بالرفض من معظم أعضاء الهيئة".
وحول مستقبل تمثيل الأكراد في مؤسسات المعارضة، رأى حسن أن هذا يعتمد على تطورات الأحداث في الساحة الكردية في سورية، "فكما هو معلوم هناك وساطات للتقارب بين الأحزاب الكردية الرئيسية في سورية، وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية، التي تريد كسب أكراد سورية إلى جانبها في أي تسوية سوريّة مقبلة، وفي حال فشل تلك المهمّة فإن المجلس الوطني الكردي سيعود إلى موقعه في الهيئة العليا للمفاوضات مقابل تقدير أكبر لدوره، ليحافظ على موقع له في تمثيل الأكراد في سورية".


والمعروف أن المجلس الوطني الكردي هو الجهة الكردية الأبرز التي لديها تمثيل في المعارضة السورية، وتحديداً في الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات، وفي المجلس الوطني السوري قبل ذلك، فضلاً عن وجود ممثلين للأكراد في هيئة التنسيق الوطنية التي مقرها داخل سورية.
وتأسس المجلس الوطني الكردي في أربيل في العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2011. وكانت المنظمة تتكون أساساً من 11 حزباً كردياً سورياً، ولكن أصبح هذا العدد 16 في وقت لاحق. وبرز الاختلاف الرئيسي بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني السوري في منهج معالجة مشكلة اللامركزية، مع ضغط المجلس الوطني الكردي لاستقلال المناطق الكردية، في حين رفض الائتلاف الوطني السوري أي شيء بخلاف اللامركزية الإدارية. وكان هناك خلاف بشأن معنى اللامركزية منذ عهد المجلس الوطني السوري عام 2012. وفي حين سعى المجلس الوطني الكردي إلى تحقيق اللامركزية "السياسية"، وهو ما يعني حكماً ذاتياً رسمياً، رفض المجلس الوطني السوري آنذاك التفاوض حول كل ما يتجاوز اللامركزية "الإدارية".
وتطور الخطاب السياسي للمجلس الوطني الكردي، بين مؤتمره التأسيسي الأول إلى المؤتمر الثالث، إذ طالب في الأول بـ"دولة ديمقراطية برلمانية تعددية تضمن الحقوق القومية للشعب الكردي، وأن يتم ضمان الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كمكون رئيسي، وأن الشعب الكردي في سورية هو شعب أصيل، يعيش على أرضه التاريخية"، بينما تبنّى في المؤتمر الثالث في يونيو/حزيران 2015 الفيدرالية صراحة، منادياً بـ"بناء دولة اتحادية (فيدرالية) ذات نظام ديمقراطي برلماني تعددي يتساوى الجميع فيها بالحقوق والواجبات".
وفي 7 سبتمبر/أيلول 2013 وقّع ممثلون عن المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني السوري بعد فشل كل محاولات العمل مع حزب "الاتحاد الديمقراطي"، وثيقة مشتركة تتضمن "الاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزءاً أساسياً من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية". ونصّت الوثيقة أيضاً على "أن الائتلاف يرى أن سورية الجديدة ديمقراطية مدنية تعددية، نظامها جمهوري برلماني يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية"، وهو ما اعتُبر تراجعاً من المجلس الكردي عن طرحه بشأن صيغة الدولة الاتحادية.
أبرز أحزاب المجلس الكردي في سورية هي الحزب "الديمقراطي الكردي" (البارتي)، جناح عبد الحكيم بشار، والحزب "اليساري الكردي" برئاسة محمد موسى محمد، وهو حزب علماني، وحزب "اليكيتي" الكردي برئاسة ابراهيم برو، وحزب "آزادي"، وأحزاب أخرى متشابهة من ناحية التسمية ومنشقة عن بعضها البعض.
وفضلاً عن المجلس الوطني الكردي، تنتظم بقية الأحزاب في إطارين آخرين، وهما المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سورية، ويضم حزبي "الوحدة الديمقراطي" الكردي برئاسة محيي الدين شيخ آلي، والحزب "الديمقراطي التقدمي" الكردي برئاسة عبد الحميد درويش. والإطار الثالث يدور في فلك حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يقوده حالياً صالح مسلم، وأعلن عن الإدارة الذاتية لأكراد سورية في عام 2014، وهو يستحوذ تقريباً اليوم على الساحة الكردية بسبب التشكيلات العسكرية التي بناها، والدعم الدولي الذي يتلقاه.