زبائن عرب ومسلمون لتقنيات التجسس الإسرائيلية: البحرين والإمارات نموذجان

زبائن عرب ومسلمون لتقنيات التجسس الإسرائيلية: البحرين والإمارات نموذجان

20 أكتوبر 2018
أمام "أن أس أو" الإسرائيلية التي تنتج "بيغاسوس"(فرانس برس)
+ الخط -

لم تقف القيم الأخلاقية يوماً أمام ماكينة التجارة الإسرائيلية للموت والسلاح. وكان المسار الأسهل لخريجي الجيش الإسرائيلي، من الجنرالات الذين لم "تستوعبهم السياسة الحزبية"، هو تصدير السلاح لأنظمة القمع في مختلف أنحاء العالم، آخرها تزويد ميانمار بالسلاح الفتاك. ولا خلاف على دور دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ خمسينيات القرن الماضي، في أوج حروب الاستقلال والتحرر من الاستعمار، في دعم أنظمة الاستبداد والوقوف إلى جانب الدول الاستعمارية وتوظيف ذلك لصالحها. ومع التطور العلمي والتكنولوجي، تحولت تجارة الموت والسلاح الإسرائيلية إلى مجال جديد، بما يتماشى مع تطور العصر ومتطلباته، في مجال حرب "السايبر" والتجسس والتنصت. ولم تتردد دولة الاحتلال في بيع خبراتها ورجالها، من خريجي سلاح شعبة الاستخبارات ووحدة "السايبر" النخبوية لمختلف الدول، بما فيها دول عربية وأخرى إسلامية لا تقيم علاقات رسمية مع دولة الاحتلال، وفي مقدمة هذه الدول، كما يورد تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، البحرين والإمارات وإندونيسيا وماليزيا.

وتبيع الشركات، المسجلة في إسرائيل، وأشهرها شركة "أن أس أو"، الأجهزة المتطورة للمراقبة والرصد والتجسس، والأهم من ذلك برامج القرصنة والتجسس، مثل برنامج التجسس الأشهر "بيغاسوس"، الذي يمكّن الدول التي تشتريه من مراقبة هواتف الملاحقين والمعارضين، وتسجيل الاتصالات والمحادثات في الهواتف الذكية الخاصة بهؤلاء الأهداف وتحديد موقعهم بدقة، والقدرة على السيطرة، عبر هواتفهم الذكية، على حواسيبهم، وجعل كل نشاط لهم مكشوفاً للأجهزة الأمنية لدولهم، حتى وإن كانت أنظمة هذه الدول من أكثر الأنظمة قمعاً واستبداداً. ولعل أبرز ما يبينه تقرير "هآرتس" بهذا الخصوص أن هذه الشركات، بفعل المردود المالي الهائل لها، تتمتع بسرية وبحماية من الدولة والجهاز القضائي، تتيح لها حرية التكتم على هوية الدول والأنظمة التي تتعامل معها، باعتبار ذلك من أسرار الدولة. لكن الشركات والجهات المصدرة لهذه الخبرات لا تملك القدرة على السيطرة أو تحديد أسلوب وكيفية استخدام الحكومات التي تشتري هذه الخبرات والبرامج، ولا وضع قيود على استخدامها. وتفضل الشركات والمؤسسات الإسرائيلية التستر وراء هذا الادعاء حتى لا تخوض في شرعية وأخلاقية استخدام هذه الدول لهذه البرامج.

مع ذلك، يشير التقرير إلى أن الدول، بما فيها العربية والإسلامية (وبعضها لا علاقات دبلوماسية تربطها بإسرائيل)، التي اشترت هذه الأجهزة والبرامج من دولة الاحتلال، لا تتورع عن استخدام هذه التقنيات لتلفيق تهم للمعارضين، تصل حد توجيه الاتهامات لهم بالردة والكفر، ما يمكن من محاكمتهم والزج بهم في السجن بفعل كفرهم وخروجهم عن الدين. ولا يخفي التقرير أنه حتى بعد الكشف عن حالات التعذيب والملاحقة وانتهاك حقوق الإنسان فقد واصلت الشركات الإسرائيلية ووزارة الأمن بيع هذه الخبرات للأنظمة القمعية والمستبدة، رغم معرفتها باستخدامها ضد مواطنيها المعارضين. وتشمل قائمة الدول التي تعتمد على الخبرات والمعدات والأجهزة الإسرائيلية في ملاحقة المعارضين من مواطنيها كلاً من البحرين على رأس القائمة، تليها إندونيسيا وأنغولا وجمهورية الدومينيكان وبنما والسلفادور وماليزيا وأوزبكستان وكازاخستان ونيكاراغوا وإثيوبيا وجنوب السودان والمكسيك وفيتنام وهندوراس وأوغندا ونيجيريا والإكوادور والإمارات وكولومبيا والبيرو.


وقد رفض معظم العاملين في هذه الشركات، وأكثريتهم من خريجي وحدة "السايبر" النخبوية "8200" التابعة لسلاح الاستخبارات العسكرية، الإدلاء بتفاصيل عن الدول التي تتعامل مع إسرائيل، بفعل اتفاقيات الحفاظ على السرية الموقعة معهم، فيما تختبئ وزارة الأمن الإسرائيلية وراء ضبابية نصوص القانون في هذا المجال. أما من تحدثوا من أصحاب الشركات فاكتفوا بالاختباء وراء المبررات الإسرائيلية الرسمية، مثل محاربة الإرهاب والجريمة، وهو ما تتيحه فعلاً أنظمة التصدير الأمنية الإسرائيلية. لكن ما يحدث على أرض الواقع في سياق الأنظمة الاستبدادية مختلف كلياً، ويصل حد الملاحقة والمتابعة على مدار 24 ساعة للمعارضين لأنظمة الحكم. في المقابل، يعترف أحد العاملين في شركات "السايبر"، والذي تحدث للصحيفة، بأن "كل من يعمل في هذه الصناعة يعرف أننا نتعامل مع انتهاك لحقوق الإنسان، وأننا نتعامل مع أدوات لاختراق وغزو الحياة الشخصية لمواطنين عاديين، وانتهاك حقوقهم الأساسية"، مدعياً أن "العاملين في هذا الحقل يفكرون بالأساس بالتحديات التكنولوجية لهذا القطاع وليس بدلالات هذه التحديات والتطورات فيها". ويتضح من التحقيق أن آلاف الإسرائيليين يعملون في تطوير برامج تجسس ومتابعة ومراقبة مختلفة، وأن شركة "أن أس أو" تشغل لوحدها 5200 عامل.

وتبرز بين الدول الإسلامية المتعاملة مع إسرائيل في هذا المجال إندونيسيا وأذربيجان، إذ يتضح أن الأخيرة مثلاً تراقب شبكات التواصل الاجتماعي لمعرفة الميول الجنسية لدى المواطنين، وهو ما تكشف مع اعتقال السلطات الأذرية نحو 45 شخصاً على خلفية ميولهم الجنسية وقامت بتعذيبهم. وتستعين الدول لهذه الغاية ببرنامج لمراقبة ورصد ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي. ومع أن شركة "أن أس أو" الإسرائيلية هي أكبر هذه الشركات وأولها نشاطاً في العالم منذ تأسيسها في العام 2010، فإنها تحاول دائماً البقاء في الظل ووراء الكواليس، لكن تورطها في قضية المعارض الإماراتي أحمد منصور، وجه ضربة لصورتها عالمياً، لكنه أضاف لها أيضاً ترويجاً لدى أجهزة الدول القمعية. وقد كانت حادثة أحمد منصور أول حادثة يظهر فيها للعلن برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" بعدما كانت حكومة الإمارات قد تمكنت من زرعه في هاتف منصور، وساهم لاحقاً في القبض عليه والزج به في سجون الإمارات، لكنه أيضاً أدخل "أن أس أو" إلى جانب شركة تجسس إسرائيلية أخرى تدعى "سيركليس"، دائرة المساءلة والدعاوى القضائية على خلفية اعتقال منصور. وقد تبين لاحقاً أن برنامج "بيغاسوس" كان من الأدوات التي استخدمتها الإمارات لمراقبة أكثر من 150 شخصية من العائلة الأميرية في قطر وكبار مسؤولي الدولة ومواطنيها. وقد تم رفع دعوى قضائية قطرية ضد الشركة الإسرائيلية.

وينقل تقرير "هآرتس" عن موظف إسرائيلي يعمل مستشاراً في هذا المجال لشركات إماراتية، ويقيم في الخليج، أن الشركات الإسرائيلية معروفة بالخليج كمزود لأجهزة التجسس والمراقبة، وأن "دبي هي أكبر زبون لتقنيات المراقبة، وهم يعلمون أن هذه الخبرات كلها تأتي من إسرائيل". وإلى جانب الإمارات، فقد كشف معهد كندي أخيراً أن السلطات السعودية تتجسس على المواطن السعودي المعارض عمر عبد العزيز المقيم في كندا، عبر استخدام خدمات شركة "أن أس أو". وتستشهد الصحيفة بمسؤول إسرائيلي آخر يعمل في هذا القطاع يقول إن البحرين انضمت لقائمة الدول التي تتعامل مع الشركات الإسرائيلية العاملة في هذا القطاع، وأن موظفين ومسؤولين إسرائيليين يذهبون إلى البحرين بشكل دوري لصيانة هذه الشبكات والأجهزة، لكن عبر استخدام جوازات سفر أجنبية.

المساهمون