روسيا تخسر معركة "إنتربول": خطر التسييس لا يقتصر عليها

روسيا تخسر معركة "إنتربول": خطر التسييس لا يقتصر عليها

22 نوفمبر 2018
انتقادات عدة للمنظمة ومطالبات بإصلاحها (رسلان رحمان/فرانس برس)
+ الخط -
خسرت روسيا جولة من جولات معاركها متعددة الأوجه مع الولايات المتحدة، بعدما انتخب الكوري الجنوبي كيم جونغ يانغ، الذي دعمت الولايات المتحدة ترشيحه رئيساً لمنظمة الشرطة الدولية (إنتربول) على حساب الجنرال الروسي ألكسندر بروكوبتشوك، والذي أثار ترشيحه اعتراضاً أميركياً وتحشيداً ضده وتهديدات من قبل أوكرانيا وليتوانيا بالانسحاب من المنظمة، على اعتبار أن انتخابه سيحول المنظمة أداة بيد روسيا لمكافحة معارضيها السياسيين. لكن المخاوف من تجاوزات في المنظمة تتخطى الاستغلال الروسي لتشمل ممارسة دول عدة منضوية في المنظمة السلوك نفسه.

وعقب صدور النتائج ندد الكرملين بـ"الضغوط القوية" التي مورست خلال عملية انتخاب رئيس إنتربول في الاجتماع الـ87 للجمعية العامة للمنظمة. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: "إنه لأمر مؤسف بالتأكيد عدم فوز مرشحنا، لكن من جانب آخر إذا نظرنا إلى الطريقة المتحيزة التي صدرت فيها سلسلة تصريحات قبل يوم من التصويت، فمن الواضح أن ضغوطاً قوية مورست".


وعشية التصويت الذي جاء لملء الشغور الطارئ في المنصب بعد "الاستقالة" المفاجئة للرئيس السابق مينغ هونغوي، المتهم بالفساد في الصين، صرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أول من أمس الثلاثاء، بأن الولايات المتحدة "تدعم بحزم" المرشح الكوري الجنوبي. وقال بومبيو: "نشجع كل الأمم والمنظمات الأعضاء في إنتربول والتي تحترم دولة القانون على اختيار رئيس نزيه، ونعتقد أن هذا ينطبق على كيم".

وسبقت ذلك دعوة أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في رسالة مفتوحة، نُشِر نصها الاثنين الماضي، مندوبي الدول الـ194 في إنتربول إلى رفض ترشيح بروكوبتشوك. ودعمهم في هذا التوجه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي غاريت ماركيس، والذي قال إن "الحوادث الأخيرة أظهرت أن الحكومة الروسية تستغل إجراءات إنتربول لمضايقة معارضيها السياسيين".

وتفيد سيرة بروكوبتشوك على موقع وزارة الداخلية الروسية الإلكتروني بأنه التحق بالوزارة في تسعينيات القرن الماضي وتمت ترقيته في 2003 إلى رتبة جنرال في الشرطة. وباشر العمل مع إنتربول عام 2006، بصفته مساعد المسؤول عن المكتب الروسي في المنظمة في بادئ الأمر. كما كلف بروكوبتشوك الذي يتكلم الألمانية والبولندية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية، بمهمة التعاون مع الشرطة الأوروبية "يوروبول"، قبل تعيينه في اللجنة التنفيذية لإنتربول عام 2014 ثم انتخابه نائب رئيس للجنة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

وكان من أشد معارضي ترشح بروكوبتشوك لرئاسة إنتربول رجل المال البريطاني وليام برودر، الذي وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقاً بأنه "قاتل متسلسل". وعرف برودر بنشاطه من أجل التوصل إلى فرض عقوبات على المسؤولين الروس المتورطين في موت المحامي الروسي سيرغي ماغنيتسكي الذي كان يعمل في شركته والذي توفي خلال وجوده في سجن روسي عام 2009، بعد قرابة 11 شهراً من الاحتجاز عقب قيامه بكشف تورط مسؤولين روس كبار في سرقة كميات هائلة من أموال الضرائب من شركات عدة.

وتحاول روسيا منذ سنوات تسلم برودر بعدما اتهمته بالتهرب الضريبي وأصدرت حكماً بسجنه. واعتقل لفترة وجيزة هذه السنة في إسبانيا بموجب مذكرة توقيف صادرة بحقه عن إنتربول. ويؤكد برودر أن روسيا حاولت "ست مرات استغلال إنتربول". واستبق برودر عملية التصويت بالتحذير عبر موقع تويتر من أن روسيا "ستمد أذرعها الإجرامية إلى كل زاوية من العالم" إذا انتخب بروكوبتشوك رئيساً للمنظمة التي تتخذ مقراً لها في مدينة ليون الفرنسية.

أما المعارض الأول للكرملين الروسي أليكسي نافالني، فقد أكد على تويتر أن فريقه "عانى أيضاً من إنتربول بسبب اضطهاد سياسي من قبل روسيا". ووصل الأمر بأوكرانيا وليتوانيا إلى التهديد بالانسحاب من إنتربول إذا انتخب الجنرال الروسي. لكن موسكو رفضت هذه الاتهامات واعتبرت ردود الفعل على ترشيح الجنرال في الشرطة الروسية "تسييساً غير مقبول".

وعلى عكس بروكوبتشوك لم تثر أي مخاوف بشأن كيم الذي كتب بعد صدور النتائج على تويتر أن "العالم يواجه اليوم تغييرات غير مسبوقة تشكل تحديات هائلة للأمن والسلامة العامين". وأضاف، كما نقل حساب إنتربول على تويتر: "نحتاج إلى رؤية واضحة: يجب أن نبني جسراً إلى المستقبل". وعمل كيم (57 عاماً)، بالشرطة في كوريا الجنوبية لأكثر من 20 عاماً قبل أن يتقاعد في 2015. وهنأه رئيس كوريا الجنوبية، مون جيه إن، لكونه أول كوري جنوبي يتولى رئاسة إنتربول.

وسيكمل كيم الآن ولاية مينغ التي تمتد أربع سنوات وكان يفترض أن تنتهي في 2020، لكنه استقال بشكل مفاجئ من منصبه مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وكانت زوجة مينغ قد أعلنت اختفائه منذ أن توجه إلى الصين في رحلة قصيرة أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، ليتبين بعدها أنه يخضع للتحقيق من قبل السلطات الصينية بعد اتهامه بالحصول على رشى وانتهاكات بما في ذلك استغلال منصبه كرئيس لإنتربول في التربح. وفي وقت لاحق، أعلنت وكالة أنباء شينخوا أن السلطات الصينية قررت تجريد مينغ من عضوية المؤتمر الشعبي الاستشاري، وهو جهة منوطة بتقديم المشورة لبرلمان البلاد. وكان مينغ أول صيني ينال منصب رئيس إنتربول.

وبعيداً عن هوية الرئيس الجديد للمنظمة، والذي ينظر إليه على أنه شرفي أو فخري على اعتبار أن الرئيس الفعلي للمنظمة هو الأمين العام وهو المنصب الذي يتولاه حالياً الألماني يورغن شتوك، فإن إنتربول يواجه منذ سنوات انتقادات عدة بشأن أدائه تتجاوز مجرد مخاوف من سيطرة روسية عليه أو استغلاله من قبلها لملاحقة معارضيها. وبات يتهم من قبل منظمات حقوقية ومعارضين بأنه تحول إلى أداة للدول الأعضاء فيه لملاحقة المعارضين أكثر من ملاحقة المجرمين الجنائيين.

يعرّف إنتربول دوره بأنه يتمثل في تمكين أجهزة الشرطة في العالم أجمع من العمل معاً لجعل العالم أكثر أماناً، وبأن البنية التحتية المتطورة للدعم الفني والميداني التي تملكها المنظمة تساعد على مواجهة التحديات الإجرامية المتنامية التي يشهدها القرن الحادي والعشرين. كما يشدد على أنه يهدف إلى تسهيل التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية بين بلدان محددة. ويجري التعاون في إطار القوانين القائمة في مختلف البلدان وبروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويحظر قانون المنظمة الأساسي أي تحرك أو نشاط ذي طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري. لكن ممارسته تظهر النقيض من ذلك وتثير مخاوف بشأن تزايد استغلاله من العديد من الدول، بينها دول عربية، لملاحقة معارضين وناشطين وصحافيين.

وترصد إذاعة أوروبا الحرة في تقرير على موقعها الإلكتروني كيف ارتفع عدد النشرات الحمراء التي تصدرها المنظمة من 1077 إخطاراً في عام 2000 إلى 13048 في العام الماضي. وعزت ميشيل استلوند، وهي محامية أميركية تدير موقعا قانونياً، هذا الارتفاع الحاد إلى أنه منذ 2009 أدخلت المنظمة إلى الخدمة شبكة كمبيوتر تخول الدول الأعضاء "إصدار إشعارات (نشرات) حمراء مباشرة بدلاً من طلبها من خلال الأمانة العامة".

وتنقسم النشرات التي يصدرها إنتربول إلى أنواع عدة، أهمها الحمراء التي تطلب القبض على أحد المطلوبين وترحيله. وقد أثار استغلال العديد من الدول عضويتها في المنظمة لطلب القبض على معارضين سياسيين انتقادات عدة. كما صدرت دعوات عدة لإصلاح عمل إنتربول في السنوات الماضية.

وفي مقال مشترك بعنوان "هل أصبحت منظمة إنتربول أداة للقمع؟"، كتبه كل من ياغو راسل، وهو الرئيس التنفيذي لمنظمة "محاكمات عادلة"، وكريستوف ديلوار، وهو الأمين العام للصحافيين بلا حدود، المعروف دولياً باسم مراسلون بلا حدود، أشارا إلى أنه لا تتمسك جميع الدول الأعضاء في المنظمة بالقوانين، إذ تضم المنظمة بعض الحكومات الأكثر قمعاً في العالم، التي يسيطر قادتها بشكل روتيني على نظم العدالة الجنائية الخاصة بهم لإسكات حرية التعبير والمعارضة السياسية. وقالا إن هذه الأنظمة الاستبدادية لا تتردد في استخدام إنتربول لاستهداف الصحافيين في المنفى.

وحذرا من أنه عندما يساء استخدام إنذارات إنتربول بهذه الطريقة، يكتسب القمع موافقة دولية. ولفتا إلى أنه إذا تم اختراق المنظمات (بينها إنتربول) من قبل أولئك الملتزمين بالقضاء على حرية التعبير، فإنها قد تصبح جزءاً من المشاكل التي تم تأسيس المنظمة لحلها في المقام الأول.

كما ذكّرا بأن "نشر التنبيهات حول الأشخاص الذين يجري البحث عنهم، والتي تشمل "إشعارات" و"مذكرات" و"نشرات"، إحدى وظائف إنتربول الرئيسية. وهذه التنبيهات، التي يتم تحويلها إلى قواعد بيانات الشرطة في جميع أنحاء العالم، تُحدد الهدف باعتباره مجرماً مطلوباً. ولهذه الإشعارات عواقب بعيدة المدى، ويمكن إساءة استخدامها بسهولة، كما علمتنا التجربة. وشرحا كيف أنه "أصبحت البلدان التي تعارض الصحافة الحرة تستخدم على نحو متزايد مذكرات إنتربول لملاحقة (الأشخاص المطلوبين للقبض عليهم)، ولاستهداف الصحافيين الهاربين وإسكاتهم".
وتشمل البلدان التي تتداول هذه الأوامر كلاً من أذربيجان وتركيا وأوزبكستان وكازاخستان ومصر، فضلاً عن دول أخرى. وعلى سبيل المثال، احتجزت السلطات الإيطالية الوزير المصري السابق محمد محسوب، في أغسطس/ آب الماضي، بعد إصدار مذكرة توقيف بحقه من قبل إنتربول، قبل أن يجري إطلاق سراحه.

كذلك تعرض الناشط والصحافي المصري عبد الرحمن عز للاعتقال من قبل السلطات الألمانية في عام 2017 في مطار شونفيلد بناء على مذكرة توقيف صادرة من الشرطة الدولية. ووصف الناشط ما تعرض له بعد إطلاق سراحه بـ"محاولة بلطجة دولية للحد من صوت الشباب الحر في مصر، ومحاولة لمحاربة الصحافة الحرة"، وأضاف "هي محاولة لمطاردة معارضي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فكما يُغتال الشباب المصري في الداخل في السجون وخارجها، يحاول اتّباع السياسة نفسها في الخارج".

ومن الأمثلة الإضافية توقيف المدير القانوني لمنظمة الكرامة، الجزائري رشيد مسلي، على الحدود السويسرية، في 19 أغسطس/ آب 2015، بناءً على مذكّرة جلب دولية أصدرتها السلطات الجزائرية منذ إبريل/ نيسان 2002. ولفت مسلي في مقابلة صحافية في العام نفسه، إلى أنه "رغم أن لدى إنتربول لجنة تبتّ في الشكاوى التي توجّه إليها، ومطالبة بإصدار قرار بشأنها في غضون سنة، فإن هذه اللجنة، رغم مرور عشر سنوات منذ أن قدّمت لها شكوى في الغرض، لم تكلّف نفسها مجرّد الرد على مراسلاتي. وبالتالي يحق لنا أن نقول إن إنتربول اليوم أصبحت آلية من آليات محاربة حقوق الإنسان"، وبعد ذلك بعام قرر انتربول إزالة اسم مسلي من قوائم "النشرة الحمراء" وإلغاء المذكرة الصادرة عن السلطات الجزائرية بحقه.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون