انتخابات جبل لبنان: تحدّي التحالفات القديمة والمستجدة بمهد الأحزاب

انتخابات جبل لبنان: تحدّي التحالفات القديمة والمستجدة بمهد الأحزاب

14 مايو 2016
جرت الجولة الأولى من الانتخابات في بيروت والبقاع(حسن بيضون)
+ الخط -
تجري الجولة الثانية من الانتخابات البلدية اللبنانية يوم الأحد في محافظة جبل لبنان، ثاني أكبر المحافظات اللبنانية (بعد البقاع إن اعتبرنا أن المحافظة لا تزال واحدة) والمفترض أن تكون أكثرها انتخاباً واقتراعاً، حيث التنافس الانتخابي يتشعّب ويتعدّد بين الأحزاب و"البيوت السياسية" التاريخية، إضافة إلى حالات شخصية بلدية ومحليّة ناشئة. ويبدو واضحاً في الإطار، أنّ معظم القوى المعنية في هذا الاستحقاق، تحاول الحدّ من الخسائر قدر الإمكان، وذلك من خلال تأمين أولوية للوفاق الذي يبدو أنهّ متعثّر في أكثر من محطّة انتخابية أساسية في هذه المحافظة.

في مدن وبلدات محافظة جبل لبنان، على تخوم العاصمة بيروت، لا تزال رائحة النفايات تعشّش في الطرقات وتعبق في أنوف المواطنين. لم يتغيّر الكثير على سكان ساحل قضاء المتن، إذ أعيد افتتاح مطمر "برج حمود" على المدخل الشمالي للعاصمة، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى سكان محيط بيروت على مدخلها الجنوبي، الذين يتابعون نقل النفايات إلى مطمري "كوستا برافا" و"الناعمة". كان نصيب محافظة جبل لبنان أنّ تتحمّل المزيد من النفايات والروائح، والمزيد من إفرازاتها المرهقة والأمراض التي تنقلها. وكأنه قُدّر لساحل جبل لبنان أن يستمرّ في عيش مأساة ملف النفايات، وهي ليست حديثة على سكّانه أساساً على اعتبار أنّ المطامر مستحدثة في هذه المحافظة منذ عقود.

بين قضاء الشوف جنوباً ووصولاً إلى جبيل شمالاً، ومروراً بعاليه وبعبدا والمتن وكسروان، تمّ وضع أسس دولة لبنان الكبير. فالاسم مشتق في الأساس من "جبل لبنان" الذي تمّ ضمّ  الأقضية المحيطة به إليه لتخرج الصيغة الحديثة من جبل لبنان على هذا الشكل من التنوّع والاختلاط وما فيهما من نِعم ونقمات على حدّ سواء. وبفعل المركزية الإدارية والسياسية المعتمدة في لبنان، تحوّلت الأقضية المحيطة ببيروت إلى مراكز رئيسية للنزوح الداخلي، تحديداً في بعبدا والمتن، لكون العاصمة اكتظّت أساساً وكلفة العيش فيها في الأصل لا تتيح لهذه الشريحة من الموظفين والعمال والطلاب والعائلات تقديم الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة.

ضاحية جنوبية وأخرى شرقية

انتقل مئات آلاف اللبنانيين إلى قضاءي بعبدا والمتن، إذا لم نقل أكثر من مليون لبناني باحثين عن الدراسة أو العمل. نشأت في كل منهما ضاحية: الجنوبية، والشرقية التي لا يزال كثيرون يرفضون إطلاق هذا الاسم عليها. الضاحية الجنوبية، قد تكون غنيّة عن التعريف بفعل تحوّلها إلى مقرّ قيادة حزب الله منذ ثمانينيات القرن الماضي. إضافة إلى كونها تجمّعاً سكانياً ضخماً لمئات الآلاف من أهالي الجنوب والبقاع (شرقي لبنان) حتى قبل وقوع الحرب الأهلية التي فرزت المنطقة طائفياً، فتهجّر المسيحيون منها وهم كانوا يشكّلون الأغلبية ولا يزالون فقط مسجلين فيها بدوائر النفوس، وأصبحت ثقلاً للطائفة الشيعية بشكل أساسي. فباتت الضاحية الجنوبية قوة اقتصادية قائمة بحدّ ذاتها، إذ تتمركز فيها بعض الشركات التجارية، إضافة إلى وجود سوق صناعية كبيرة ومجموعة من المعامل، وبات أهل الضاحية يعملون فيها ولو أنّ النسبة الأكبر منهم يخرجون منها صباحاً باتجاه بيروت وسائر المناطق ويعودون إليها مساءً. قلبت الضاحية الجنوبية لبيروت، الموازين السياسية والديموغرافية في بعبدا، على اعتبار أنها ضاحية محسوبة على الطائفة الشيعية في القضاء. حتى أنّ الضاحية تضمّ مخيّمين كبيرين للاجئين الفلسطينيين، أولهما "مخيم برج البراجنة" الذي يقع في قلب الضاحية، والثاني مخيّم صبرا الذي يقع على أطرافها ليفصلها عن بيروت.

أما الضاحية الشرقية لبيروت، فمركزها الرئيسي منطقة برج حمود والنبعة، ومع استمرار النزوح الداخلي توسّعت لتشمل أطراف الدكوانة والجديدة والبوشرية. كانت برج حمود والنبعة في الأساس تشكّلان حزام بؤس مختلطا من المسيحيين والمسلمين والأرمن، وحتى من إثنيات مختلفة كالأكراد والعرب. وتتفاقم الأوضاع المعيشية في هذه المنطقة، خصوصاً بعدما نشطت فيها تجمّعات سكانية للعائلات السورية (العاملة أو اللاجئة) واليد العاملة الأجنبية، مع المحافظة على الخصوصية الأرمنية في المنطقة، إذ لا تزال المحلات في الأسواق الرئيسية تحمل كتابات باللغة الأرمنية أو حتى تحمل شعارات معادية للأتراك. كما أنّ في المنطقة أحياء ذات أغلبية إسلامية، موجودة تاريخياً وقبل الحرب الأهلية. حتى أنّ في الضاحية الشرقية منطقة صناعية ضخمة، تمتدّ من نهر بيروت إلى نهر الموت.


الثقل المسيحي

تساهم حالات النزوح الداخلي إلى بعبدا والمتن في إعادة تشكيل الصيغة الديموغرافية في جبل لبنان، مع العلم أنّ خصوصية هذه المحافظة هي في كونها تشكّل الثقل الشعبي والسياسي والتمثيلي للمسيحيين في لبنان، تحديداً في أقضية بعبدا والمتن وكسروان وجبيل، حيث يتركّز وجود هذه الطائفة وأحزابها. وأي حزب مسيحي لا يطرق أبواب هذه الأقضية الأربعة، يُبقي على نفسه خارج المزاج المسيحي العام، كحال رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الذي يحاول منذ سنوات نقل جزء من حضوره من زغرتا (حيث زعامته شمالي لبنان) إلى قلب بعبدا والمتن وكسروان حيث قلب المسيحيين.

وتشكّل الانتخابات في هذه الأقضية الأربعة الامتحان الفعلي للأحزاب المسيحية، على اعتبار أنّ من يكسب الاستحقاق الانتخابي فيها يكرّس نفسه الطرف الأول مسيحياً، تحديداً في قضاءي المتن وكسروان، لأنّ في قضاءي بعبدا وجبيل أصواتاً إسلامية حاسمة ومؤّثرة. حتى أنّ المنطقة الممتدّة من بعبدا إلى جبيل، وصولاً إلى البترون (شمالي جبيل، في محافظة الشمال) كانت تسمّى خلال الحرب الأهلية بـ"المنطقة المحررة"، أي المناطق غير الخاضعة للفصائل الفلسطينية أو قوى اليسار، ومن بعدها المناطق غير الواقعة تحت احتلال وانتشار الجيش السوري.

وفي ما يخص الانتخابات البلدية الحالية، يبدو واضحاً أنّ التحالف والتوافق القائم بين أكبر قوّتين مسيحيتين، التيار الوطني الحرّ (الذي أسسه النائب ميشال عون) والقوات اللبنانية (برئاسة سمير جعجع)، يعيش أولى اختباراته الانتخابية الجدية في المناطق المسيحية الصرفة. وهو اختبار جدي تحديداً بعد انتصار التحالف في انتخابات مدينة زحلة (شرقي لبنان)، إلا أنّ سير الأمور حتى اليوم يشير إلى أنّ القوات والعونيين عجزوا عن تحقيق التحالف الانتخابي في معظم المدن الرئيسية في الأقضية الأربعة. فجاء تكريس التحالف ليتجسّد فقط في القرى أو البلدات الصغرى، بينما ظلّت "عواصم" الأقضية ساحة للمواجهة بين الطرفين. أما حزب الكتائب، الطرف المسيحي الثالث على مستوى التمثيل، فيبدو أنه أخذ خيار مواجهة التحالف بين "القوات" و"التيار" عن طريق التحالف مع العائلات والقوى المحلية وذلك للحدّ من "محاولة هيمنة القواتيين والعونيين على الساحة المسيحية"، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" أكثر من مسؤول محلي كتائبي.

بعبدا: مقرّ الإدارة العامة
لطالما كان قضاء بعبدا (ما يقارب 80 ألف ناخب، 45 مجلساً بلدياً) مركزاً للإدارة العامة ولا يزال حتى اليوم. فيه مقرّ رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، بالإضافة إلى عدد كبير من الدوائر الرسمية والحكومية اللبنانية، بالإضافة إلى تمركز البعثات الدبلوماسية في أنحائه. يستمدّ القضاء هذه الصفة الإدارية من عهد المتصرفية خلال الحكم العثماني للبنان، إذ كانت بعبدا عاصمة جبل لبنان ومركز حكومته إلى حين سقوط الاحتلال العثماني على يد الاحتلال الفرنسي الذي نقل القرارات الإدارية إلى بيروت. وفي العصر الحديث، شهدت بعبدا ولادة زعامة النائب ميشال عون، الذي تسلّم الحكم عام 1988 لقيادة حكومة عسكرية إذ كان قائداً للجيش اللبناني.

على مستوى الانتخابات البلدية، تشير مصادر "القوات" و"التيار" إلى أنّ التحالف بين الطرفين يشمل ما يقارب 70 في المائة من بلدات القضاء، لكن الأهمّ أنّ المعركة حاصلة بين الطرفين في أهم وأكبر البلدات في بعبدا، وهي بلدة الحدث، حيث من المتوقع أن تحصل معركة انتخابية بين لائحة أولى مدعومة من التيار العوني برئاسة جورج عون، وأخرى برئاسة أنطوان كرم يتفادى حزب القوات دعمها رسمياً لكن يرجح أن يصوت لها الكثير من القواتيين. أما في البلدات الساحلية أو البلدات المُشكّلة للضاحية، فإنّ التوافق حاصل بين العونيين وحزب الله على تمرير الاستحقاقات بلا معارك انتخابية. في حين يواجَه حزب الله من قِبل أنصاره في بلدة الغبيري نتيجة استمرار ترشّح محمد الخنسا للرئاسة مدعوماً من حزب الله، على الرغم من وجود الكثير من علامات الاستفهام على ضلوعه بقضايا فساد. فكانت ردة فعل بعض الناشطين المدنيين بتشكيل لائحة بوجه الخنسا تحمل شعارات إنمائية وإصلاحية بامتياز. كما أنّ الانتخابات البلدية في منطقة برج البراجنة، تشهد كباشاً بين حزب الله ومجموعة من العائلات، مع العلم أنّ للعائلات ثقلها في هذه البلدة وهي قادرة على مواجهة الأحزاب فيها.


المتن: مهد الأحزاب

ولدت أغلبية الأحزاب اللبنانية في المتن (أكثر من 132 ألف ناخب، 53 مجلساً بلدياً). مع نقولا الشاوي وفؤاد الشمالي تأسس الحزب الشيوعي اللبناني، أعرق الأحزاب اللبنانية، عام 1924. ومن بعده الحزب السوري القومي الاجتماعي في جرود المتن عام 1932، ومن ثم حزب الكتائب اللبنانية عام 1936. فكان قضاء المتن، وإلى جانبه بعبدا، يشهد هذه الولادات السياسية المتتالية بعيداً عن العاصمة بيروت التي ظلّت متركزةً فيها العلاقات الاقتصادية والإدارية. كما أنّ الظروف شاءت أن يكون القضاء أيضاً حاضنة لحزب الطاشناق، أكبر الأحزاب الأرمنية شعبية وتنظيماً وتأثيراً على الانتخابات، إذ لا يزال الأرمن قوّة مرجحة في هذا القضاء. في حين أخرج المتن أيضاً أبرز الزعامات المحلية وهو الوزير السابق، النائب ميشال المر، الذي يمكن إطلاق لقب "المحدلة الانتخابية" عليه، نظراً لإحكامه السيطرة على التمثيل في البلدات والقرى المتنية، مستفيداً من مجموعة من العوامل، منها الغطاء السياسي الذي توفّر له خلال الاحتلال السوري للبنان، وتمكّنه من توظيف الإدارة العامة لصالحه في تلك الفترة على صعيد تقديم الخدمات والإمساك بالأصوات الانتخابية. فبنى لنفسه إمبراطورية انتخابية لا يزال هزّها صعباً، على الرغم من عودة دور الأحزاب المسيحية إلى المنطقة. في حين يستفيد حزب الكتائب من تاريخه السياسي العريق في المتن، ومن أبناء آل الجميّل الذين يحاولون استعادة هيبتهم في منطقتهم.

انتخابياً، يبدو جلياً أنّ المواجهة سوف تتمّ بين التحالف القائم بين "الكتائب" والمرّ، والتفاهم بين عون و"القوات"، من دون أن يمتد ذلك على كل بلدات وقرى القضاء. وتشير المستجدات من أروقة القواتيين والعونيين، إلى تفاهم تام حول الانتخابات في بلدة سن الفيل، إحدى أكبر البلدات في المتن، حيث تم التفاهم بشكل نهائي وتقرّر خوض معركة بوجه المرّ و"الكتائب". لكن التنافس العوني والقواتي سيبقى مستمراً تحديداً في بلدة بسكنتا، أكبر البلدات في جرود المتن، حيث يخوضان معركة شرسة بوجه بعضهما. أما المرّ فطموحه تخطّى هذه المعارك البلدية، إذ بدأ منذ اليوم العمل على إتمام الصفقات مع المرشحين ودعمهم، بهدف ضمان استمرار إمساكه بـ"اتحاد بلديات المتن"، أي إدارته لعشرات ملايين الدولارات في المنطقة.

كسروان: عاصمة "الشرقية"
لا يمكن أن يمحو قضاء كسروان (أكثر من 135 ألف ناخب، 54 مجلساً بلدياً) عن نفسه صفة "عاصمة الشرقية"، أو ربما لا يريد ذلك. هو القضاء الصافي مسيحياً ومارونياً تحديداً. خلال الحرب الأهلية، احتضنت كسروان القوات اللبنانية وجعلت من مدينة جونيه (مركز قضاء كسروان) عاصمة فعلية لـ"المنطقة الشرقية". يدفع هذا الصفاء المذهبي المنطقة لأن تكون شبه مغلقة على نفسها. ولدى زيارة بلدات القضاء قد لا يستغرب البعض سماع مواطنين يؤكدون على أنهم لم يزوروا بيروت يوماً سوى إلى المطار. أو حتى أنّ قسماً منهم لم يجتز فعلياً ضفتي نهر الكلب (التي تفصل كسروان عن المتن) ونهر إبراهيم (تفصل القضاء عن جبيل).

من العوامل الفعلية لضبط هذا الصفاء المذهبي والاجتماعي، واقع أن مقرّ الكنيسة المارونية يقع في بكركي في كسروان، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المعالم الدينية أبرزها "حريصا"، على الرغم من كون القضاء نفسه يحتضن الكثير من المواقع السياحية، كخليج جونيه وكازينو لبنان وحلبات التزلج في كفرذبيان وفاريا وغيرها. وقد يكون تاريخ جونيه وكسروان، حيث بنت القوات اللبنانية الإدارة المركزية لـ"الشرقية" ومؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية، عاملاً رئيسياً في استمرار النظرة العامة إليها بهذا الشكل. كما لو أنّ ثورة الفلاحين ضد الكنيسة والإقطاع لم تنطلق من كسروان لتضمّ كل جبل لبنان، فيتناسى البعض هذا الأمر ويتمّ التركيز على واقع كسروان الحالي.

على المستوى السياسي والانتخابي، لا يزال التيار الوطني الحرّ القوّة التمثيلية الأكبر في كسروان، كردة فعل جدية على سيطرة القوات اللبنانية على القضاء خلال فترة الحرب. ويلي "التيار"، القوات اللبنانية والكتائب، بالإضافة لمجموعة من البيوت العائلية التي تمثّل تاريخ الإقطاع في لبنان. ولا تزال هذه البيوت الأكثر تأثيراً على المستوى الانتخابي مقارنة بالأقضية الأخرى، وتحديداً النائبين السابقين منصور غانم البون وفريد هيكل الخازن، بالإضافة إلى آل حبيش وآل فرام وغيرهم.

في كسروان تلقّى التفاهم بين "القوات" والعونيين ضربةً قاضية، لكون الطرفين سيخوضان معركة قاسية، إذ يدعم "التيار" لائحة برئاسة جوان حبيش، في حين اختارت "القوات" دعم لائحة مدعومة من الإقطاع العائلي برئاسة فؤاد بواري، ليتبدّد بذلك مشهد التلاقي بين أكبر حزبين مسيحيين. لكن اللافت في هذا الإطار، أنّ غانم البون، أحد أبرز الوجوه الخدماتية في كسروان، غادر لبنان قبل أسبوعين من انطلاق المعركة الانتخابية، كما لو أنه غير معني بما يحصل، على الرغم من تأكيد مقرّبين منه على وقوفه إلى جانب بواري في معركة جونيه. كما أنّ الضربات تتوالى للتحالف العوني ــ القواتي، إذ سيتواجه الطرفان أيضاً في مجموعة من البلدات الكسروانية المهمّة، منها ذوق مكايل وذوق مصبح على الساحل، وحراجل في جرد القضاء.

جبيل: سياسة من دون أحزاب
ليس لجبيل (80 ألف ناخب، 39 مجلساً بلدياً) تاريخ كبير مع الأحزاب السياسية، إذ بقيت بعيدة عن التنظيم مع المحافظة على الولاء للعائلات الكبرى، وأبزرها آل إده وآل حواط. ولهذا القضاء تنويع طائفي ومذهبي، على الرغم من كونه يتمثّل بأكثر من 75 في المائة من الموارنة، إلا أنّ للطائفة الشيعية فيه حضوراً واضحاً يصل إلى 12 في المائة من أبنائه، وهو ما يمكن ترجمته سياسياً وانتخابياً. فسمح الوجود الشيعي في جبيل للتيار الوطني الحرّ بالفوز بسهولة خلال الانتخابات النيابية الأخيرة. حتى أنّ تأثير الصوت الشيعي في القضاء يبدو واضحاً من خلال انسحاب "التيار" من بعض المعارك البلدية، على الرغم من كونه يحتكر التمثيل النيابي في تلك المنطقة (ثلاثة نواب).

فأعلن عضو تكتل التغيير والإصلاح (الكتلة النيابية التي يرأسها النائب ميشال عون)، النائب الجبيلي سيمون أبي رميا، قبل أيام من انطلاق الانتخابات البلدية، أنّ فريقه قرّر الانسحاب من المعركة في مدينة جبيل، مع العلم أنّ استمراره فيها كان سيضعه في مواجهة مباشرة مع كل من القوات اللبنانية وآل حواط الممثلين اليوم بالرئيس الحالي زياد حواط. مع الإشارة إلى أنّ صلة قرابة تربط حواط برئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. وبانسحاب العونيين من معركة جبيل، يكون القضاء متوجّهاً فعلياً إلى انتخابات بلدية من دون تأثيرات سياسية فعلية، لتترك الأمور بشكل أو بآخر إلى العائلات، باستثناء التنافس على بلدية عمشيت، حيث يجري التنافس بين ثلاث لوائح، الأولى مدعومة من عون، والثانية من "القوات"، والثالثة محسوبة على سليمان. فتظهر جبيل، التي فيها أمكنة سياحية عديدة على الساحل وفي الجرود، على أنها الأهدأ على المستوى الانتخابي مقارنة بباقي أقضية جبل لبنان.