واشنطن والعبادي... اتفاق على تحجيم مليشيات "الحشد" تمهيداً لحلّها

واشنطن والعبادي... اتفاق على تحجيم مليشيات "الحشد" تمهيداً لحلّها

10 فبراير 2016
قوات من مليشيا "بدر" في استعراض عسكري (حيدر هادي/الأناضول)
+ الخط -

يبدو أنّ حلقة تشكيل مليشيات "الحشد الشعبي" قد شارفت على الانتهاء، بعد أنّ بدأ دورها يتلاشى شيئاً فشيئاً، وتطغى انتهاكاتها الصارخة على كل شيء، في مناطق جرف الصخر وديالى وصلاح الدين، وفي حدود الفلوجة وغيرها. ليست الانتهاكات بجديدة على تلك المليشيات، التي كانت ترتكب فظاعات بحق المدنيين من أعمال عنف وقتل وخطف، عندما كانت فصائل منفردة لم تندمج بـ"الحشد الشعبي"، لذا فإنّ بداية انتهاء دورها لم يكن من جراء تلك الانتهاكات، بل لما تشكله من خطر على حكومة حيدر العبادي.

استطاع العبادي أخيراً، الحصول على دعم واشنطن لتفكيك الحشد من داخله، بطرق دبلوماسيّة بدءًا من تأخر دفع الرواتب وعدم تسليمها لعناصرها منذ ثلاثة أشهر، وانتهاءً بمنعه من المشاركة في المعارك المهمة كتحرير الأنبار والموصل.

في السياق، تُعد خطوة "الحشد" بمنع العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري من دخول بلدة المقداديّة، إبّان أحداث البلدة والانتهاكات التي ارتكبها الحشد بحق المدنيين، "القشّة التي قصمت ظهر البعير". أدرك العبادي وقتها خطورة ترك الحشد، فيما استغلّ رئيس البرلمان وكتل نيابية تلك الأحداث للتحرّك لتدويل قضية ديالى. الأمر الذي أربك المشهد أمام العبادي، ليتدارك موقفه ويحصل على الضوء الأخضر بتفكيك الحشد، ما يمنحه فرصة الحصول على دعم محدد، يدفعه للتراجع عن قضية التدويل.

مع كل ذلك، يبذل قادة الحشد جهوداً مضنية بالضغط على رئيس الوزراء بشتى الوسائل، لمنحه فرصة لأخذ دوره في المعارك وإثباته حس نيته، خوفاً من النهاية التي تنتظر الحشد، غير أن العبادي يبدو متمسّكاً بقراره الذي منحه فرصة الاستقواء بواشنطن من جديد، واستعادة عافية الحكومة.

في هذا الإطار، قال نائب في "التحالف الوطني"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي عقد اجتماعات عدّة مع المسؤولين الأميركيين، ومنهم السفير الأميركي ستيوارت إي جونز، بعد حادثة منع الأول من دخول المقدادية. وطلب من واشنطن الدعم لاتخاذ خطوات لحل الحشد الشعبي"، مبيّنا أنّ "واشنطن ترحب منذ البداية بحل الحشد، ولا تحبّذ أن يكون قوة فاعلة في العراق".

اقرأ أيضاً: روحاني يحرج العبادي ويقر بقتال "الحرس الثوري" في العراق

وأضاف النائب، أنّ "واشنطن اتفقت مع العبادي على خطوات لحلّ الحشد بشكل هادئ كي لا يؤثّر الأمر على الحكومة"، مشدّداً على أنّ "الخطوات تركّزت على الاستمرار بعدم تسليم الحشد لرواتبهم ومخصصاتهم، الأمر الذي سيدفع أغلبهم الى الانسحاب".

وتابع أنّ "العبادي اتفق أيضاً على اتخاذ قرار قاطع بمنع الحشد من المشاركة بأيّ معركة مقبلة ومنها معركة الموصل، تحجيماً لدوره وإنهاءً له". يلفت إلى أن "هاتين الخطوتين كفيلتين بحل الحشد الشعبي وتفكيكه تلقائياً، فلا مال ولا دور في القتال، وهنا تنتفي الحاجة لوجود الحشد في البلاد، بل سيصبح حتى جيشاً من العاطلين عن العمل والعالة على المجتمع والدولة. الأمر الذي يستوجب حلّ التشكيل".

وأكد أنّ "العبادي بادر بتطبيق الخطوات فعليّاً وأصدر القرارات بشكل سرّي، الأمر الذي استشفّه قادة الحشد الذين بدأوا بتحركات مقابلة لاسترضاء العبادي والحصول على فرصة لإثبات حسن النيّة وتصحيح المواقف". وأوضح أنّ "قادة الحشد يعقدون اجتماعات يوميّة لتدارس الموضوع، والخروج بحلٍّ له"، لافتاً إلى أنّهم "استنجدوا أخيراً بزعيم المجلس الإسلامي الأعلى عمّار الحكيم، وناقشوه بالموضوع، وطلبوا منه التوسّط لدى العبادي للقبول بإشراك الحشد بمعركة تحرير الموصل". وكشف بأن "الحكيم وافق الحشد بالرأي ووعدهم بالتوسط لدى العبادي للخروج بحل للأزمة".

وأشار النائب الى أنّ "نشاطات الحشد الهجوميّة توقفت في محافظة صلاح الدين، وهو اليوم بموضع دفاعي فقط، ولا يملك أيّ استراتيجيّة للهجوم"، مرجّحاً "حلّ الحشد قريباً في حال استمرار هذه العزلة التي فرضها عليه العبادي".

في غضون ذلك، عقد قادة فصائل الحشد اجتماعاً موسعاً، مساء أمس الثلاثاء، برئاسة قائد الحشد زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري، لمناقشة الأزمة. وذكر المكتب الإعلامي لما يسمّى بـ"الفصائل الإسلامية"، في بيان صحافي، أنّ "المجتمعين انتقدوا تصريحات وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، حول خطة تحرير الموصل بمشاركة الجيش العراقي وقوات البشمركة واستبعاد الحشد الشعبي منها"، معتبرين أنّ "الحشد هو الظهير المساند للقوات الأمنية العراقية، وقد شهدت لهم معارك تطهير الأراضي العراقية من عصابات داعش"، بحسب البيان.

وأكد العامري، على "ضرورة احترام السيادة العراقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، مطالباً بـ"إشراك الحشد الشعبي في تحرير كامل الأراضي العراقية، تحديداً الموصل، وأنّ فصائل الحشد الشعبي ستكون تحت لواء الدولة".

كما عقد العامري، لهذه الغاية، اجتماعاً مع عدد من نواب الموصل، وطلب منهم التدخّل لإشراك الحشد بتحرير المحافظة. وقال أحد النواب الذين حضروا الاجتماع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العامري أكّد لنواب الموصل أنّه سيعمل على ضبط كافة فصائل الحشد، ويمنع ارتكاب أيّ انتهاكات في أيّ محافظة في العراق، والمحافظة على السلم المجتمعي والنسيج العراقي مقابل أن يكون للحشد دور في معركة الموصل". لكن النائب يكشف أنّ "نواب الموصل لم يقدّموا أيّ وعود للعامري إزاء ذلك".

من جهته، أفاد النائب عن "دولة القانون" عبد الهادي السعداوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحشد أصبح مؤسسة حكوميّة رسميّة مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلّحة". وقال السعداوي، إنّ "أيّ تشكيلات أخرى شكّلت خارج إطار الحشد هي تشكيلات غير رسميّة وغير معترف بها"، مؤكّداً أنّ "الحشد هو المؤسسة الرسمية التي شكّلت بدعوى المرجعية ودحرت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وكان لها الدور الكبير بتحرير المحافظات العراقيّة، ولا يمكن التنكّر لهذا الدور". ويشدّد على أنّ "المؤسسات الرسميّة لا يمكن حلّها، وأنّ الحشد سيأخذ دوره بمعارك التحرير وخصوصا في الموصل".

بدوره، يرى الخبير السياسي مجيد عبد الرحيم، أنّ "انتهاكات الحشد الصارخة وارتباطه برئيس الحكومة السابق نوري المالكي، جعلا منه قوة تشكل خطراً على الحكومة بشكل مباشر". يوضح عبد الرحيم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "العبادي أدرك منذ البداية خطورة الحشد على حكومته، لكنّه لم يستطع اتخاذ أيّ خطوات ضدّه، وكان ينتظر الفرصة المناسبة". يبيّن أنّ "الفرصة منحت للعبادي بعد منعه ومنع الجبوري دخول المقداديّة من قبل الحشد، الأمر الذي دفع مكوّن محدد للتحرك لتدويل القضية وطلب حماية دوليّة لديالى، الأمر الذي سيتسبب بخروج ديالى عن الحكومة".

وأكّد، أنّ "العبادي استطاع أن ينفذ من هنا ويحصل على دعم من واشنطن، ويتحرّك لحل الحشد مقابل تراجع البعض عن التدويل، وهو ما حصل بالفعل". يلفت عبد الرحيم إلى أنّ "حل الحشد سيكون في صالح البلاد، صحيح أنّه يلجأ للانتهاكات لتمويل نفسه، لكنّه سيفقد شرعيته ويفقد الحماية من القانون".

اقرأ أيضاً: التحرير بالتدمير.. الرمادي "نموذجاً" في الحرب على داعش

المساهمون