جنوب السودان: سنة رابعة استقلال بلون الدم

جنوب السودان: سنة رابعة استقلال بلون الدم

23 مايو 2015
غرق الجنوب في حرب أهلية بعد الانفصال (فرانس برس)
+ الخط -
تحتفل دولة جنوب السودان بعيد استقلالها الرابع عن السودان، بعد شهر ونيّف (9 يوليو/تموز المقبل)، الذي انفصلت عنه بعد تصويت 98 في المائة من الجنوبيين لصالح الانفصال. الانفصال الذي أغرق الدولة الوليدة في حرب أهلية وعرقية، أفسدت عليها فرحتها، وخلّفت عشرات الآلاف من القتلى، فضلاً عن تشريد مليوني جنوبي.

تأتي الاحتفالات هذا العام بلون الدم، بعد استعار المواجهات العسكرية بين الحكومة في جوبا، والمتمردين بقيادة نائب رئيس الجمهورية المقال رياك مشار، إثر فشل خمس اتفاقيات سلام، توسّطت فيها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، من أجل إنهاء الصراع. كذلك أدى الوضع إلى زيادة حالات القتل والاغتصاب وانتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن إطلاق الأمم المتحدة تحذيرات من وقوع مجاعة في الدولة الوليدة. وعلمت "العربي الجديد"، أن "إيغاد وقوى إقليمية ودولية، تدرس تدخلاً عسكرياً في جنوب السودان، لإنقاذ المدنيين وحماية اتفاقات وقف إطلاق النار، التي سبق أن وقّعها أطراف النزاع الجنوبي".

وكانت الحرب الجنوبية ـ الجنوبية قد اندلعت منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام 2013، على خلفية اتهام الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت لنائبه مشار، وقادة "الحركة الشعبية" التاريخية، من بينهم الأمين العام للحركة، باقان أموم، بتدبير محاولة انقلابية ضده.

وهو ما مثّل نتيجة طبيعية للخلافات التي ظهرت وسط قيادات الحزب الحاكم قبل الانفصال، والتي دارت حول السلطة وإدارة "الحركة الشعبية". وتجلّت مظاهرها عبر حلّ سلفاكير الحكومة، التي ضمّت معظم قادة الحركة التاريخية، فضلاً عن مشار نفسه، قبل خمسة أشهر فقط من اندلاع الحرب الأهلية.

وأقدم سلفاكير على هذه الخطوة الاستباقية بعد بروز طموح وسط تلك القيادات، تحديداً مشار، الذي قدّم نفسه بديلاً لسلفاكير في الانتخابات، التي كان من المفترض أن تتمّ الشهر الماضي وفقاً للدستور. ولم يكن الانفصال سهلاً، خصوصاً بالنسبة للسودان، الذي انغمس في أزمة اقتصادية طاحنة، بسبب خروج ايرادات النفط الجنوبي، الذي مثّل 85 في المائة من سلطته. وكانت عائدات النفط الجنوبي قد بلغت في النصف الأول من العام 2011، أي قبل إعلان دولة الجنوب، حوالي 75 مليار دولار. وكلها إيرادات فقدتها الخزينة السودانية.

ونجم عن ذلك انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار، وغرق الخرطوم في أزمة توفير النقد الأجنبي، لتوفير الاحتياجات، لا سيما في ما يتعلق بالدواء وخلافه. كما ارتفعت الأسعار بصورة مخيفة، الأمر الذي أرهق كاهل المواطن وأدى إلى تظاهرات ضد ارتفاع أسعار المحروقات في سبتمبر/أيلول 2013، التي كادت أن تطيح الحكومة.

واتسعت رقعة الحرب في السودان، بظهور "جنوب جديد" في ولاية جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وأُنهكت خزينة الدولة، وباتت البلاد أسيرة حالة استقطاب سياسي داخلي حادّ. فضلاً عن ظهور مجموعات متمردة جديدة في دارفور، وارتفعت وتيرة الحروب القبلية.

اقرأ أيضاً: "الجنجويد"... قنبلة السودان الموقوتة

هذا في السودان، أما في جنوب السودان، فقد فشلت القيادة طيلة السنوات الست التي سبقت الانفصال، في تأسيس بنية أساسية لدولة حقيقية، على الرغم من أنه وفقاً لاتفاق "نيفاشا"، نال الجنوب وضعاً استثنائياً أشبه بـ"الدولة المستقلّة"، وكان يصعب على السودان التدخل في شؤونه.

لكن القيادة الجنوب سودانية، أمضت السنوات الست في مناكفات مع الخرطوم، خصوصاً في مسألة أبيي، من دون التجهيز للانفصال، فضلاً عن محاربتها تمرّد مجموعات مختلفة، كانت جوبا تتهم الخرطوم بتغذيتها. وامتدت المناكفات إلى ما بعد الانفصال، بعد تورّط الدولتين في حرب، جرّاء احتلال الجنوبيين لمنطقة هجليج الغنية بالنفط، والمتنازع عليها بين الطرفين، في العام 2012. وأدت الحرب إلى أزمة اقتصادية، أغلقت معها جوبا آبار النفط، والخرطوم أنابيب التصدير، قبل أن يتدخل الاتحاد الأوروبي، وينجح في إقناع الطرفين بتوقيع اتفاقيات تعاون في سبتمبر 2012. ويرى مراقبون في ظلّ هذه المناكفات، أن "هناك قناعة ثابتة لدى الطرفين السوداني والجنوب سوداني، أن أياً من النظامين لن يستقرّ ما لم ينجح أحدهما في اطاحة الآخر لصالح نظام موالٍ له".

ويقول الخبير بالملف الجنوبي علاء بشير لـ"العربي الجديد"، إن "غياب التجربة السياسية وقيام المجتمع الجنوبي على أساس قبلي، فضلاً عن تدخّل العوامل الإقليمية والدولية، كلها أدت إلى بروز الصراع الحالي، الذي هو أساساً صراع حول السلطة والثروة". وأوضح أن "النخبة المتعلمة في الجنوب، تشبه الشماليين الذين يميلون للعيش كصفوة وكطبقة عالية، تستغل باقي الطبقات لتحقيق مآربها الشخصية، لا سيما في ظلّ غياب مشروع وطني حقيقي".

وأضاف "عموماً الجنوب لم يكن مهيأً للانفصال، لكن صورة العدو المشترك، المتمثل في السودان، كانت أقوى، وهو ما لم يسمح ببناء دولة الجنوب، في ظلّ طغيان العنصر القبائلي والعرقي على المواطنية". أما المحلل السياسي الجنوبي، أتيم سايمون، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "خيار التصويت للانفصال تمّ وبعقلانية وبقرار شعبي، وبالاستناد إلى التجربة التاريخية الطويلة من القهر والتنكيل، وعدم الاعتراف". ويشير إلى أن "الانفصال جاء حصيلة تاريخ بدأ منذ العام 1947 ومرّ بثورة 1955 في منطقة توريت، في إطار السودان الموحد، وصولاً إلى تأسيس حركة جديدة، انتهت بحق تقرير المصير".

وأكد أن "الأزمة التي تمرّ بها الدولة الوليدة، لا تعطي الحقّ في التسرّع للحكم بسلبية أو إيجابية الانفصال". ولفت إلى أن "دولاً كثيرة مرّت بالأزمة عينها"، مذكراً بأن "الجنوب أنشأ دولة مصابة بأمراض التأسيس، توارثها عن السودان، ممثلة في الفساد والقبلية والنظم الإدارية".

يُذكر أن حكومة الاحتلال الإنجليزي، تعاملت مع جنوب السودان كشكل منفصل عن الشمال، وبحثت في عهود ما قبل استقلال السودان (1956) عن خيارات عدة، منها فصل الجنوب وضمّه إلى أوغندا، أو إبقاؤه ضمن السودان، مع منحه حكماً ذاتياً، أو ضمّه إلى السودان كأحد أقاليمه.

وتبنّى الاحتلال وقتها سياسات، استثنى معها الجنوب من البرلمان، ومنع مناقشة أي أمر متعلّق به، كما منع استخدام اللغة العربية والزي السوداني القومي، في مناطق الجنوب، قبل أن يتخلّى عن تلك السياسة مع نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945.

اقرأ أيضاً: التهريب يُطفئ بريق ثروات الذهب بالسودان

المساهمون