بلمختار يعود إلى الواجهة: تحالف "جهادي" يؤرق فرنسا أفريقياً

بلمختار يعود إلى الواجهة: تحالف "جهادي" يؤرق فرنسا أفريقياً

27 مايو 2016
تساؤلات حول مدى فعالية عملية "برخان" الفرنسية(باسكال غيو/فرانس برس)
+ الخط -
عاد العدو الرقم واحد للجيش الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي، زعيم تنظيم "المرابطون" مختار بلمختار، إلى الواجهة بقوة في الأيام الأخيرة، عبر عدة بيانات بثتها مواقع جهادية على الإنترنت، حملت توقيع بلمختار، ودعت المغاربة والجزائريين إلى "حمل السلاح ضد أنظمتهم"، كما حثت الموريتانيين على الالتحاق بالجهاديين في الشمال المالي. وكان اللافت أن هذه البيانات تضمنت لأول مرة دعوة المصريين إلى "الجهاد"، ما قد يفتح الباب أمام التأويلات بخصوص علاقة ما بين تنظيم "المرابطون" الصحراوي و"المرابطون" المصري، خصوصاً أن التنظيمين يدينان بالولاء إلى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
وحملت هذه البيانات توقيع الاسم الحركي لمختار بلمختار، "القائد خالد بن العباس، حفظه الله"، في إشارة واضحة إلى أن بلمختار ما يزال على قيد الحياة، بعد أن تحدثت مصادر أميركية عن استهدافه في يونيو/حزيران 2015 في غارة جوية أميركية على موقع قرب أجدابيا في ليبيا. وكانت بعض مواقع التواصل الاجتماعي تناقلت أخيراً أيضاً شريط فيديو قصيراً، يظهر فيه بلمختار برفقة جهاديين ليبيين، من دون مؤشر إلى تاريخ تصوير الشريط.
وإذا كان الغموض ما يزال يلف مصير بلمختار ومكان تواجده، فإن الثابت هو أن تنظيم "المرابطون" الذي بايع العام الماضي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، كثّف من عملياته في الآونة الأخيرة وصار يشكّل التهديد الرئيسي للقوات الفرنسية في المنطقة الأفريقية، بعد أن تبنى تكتيك نقل المعارك إلى قلب العواصم والمدن الرئيسية في منطقة الساحل، عبر هجمات منظّمة ومُعدّة بشكل دقيق تستهدف تجمّعات المدنيين والرعايا الأجانب، لإلحاق خسائر بشرية فادحة وزرع الرعب وجذب تغطية إعلامية دولية تروج لاسم التنظيم.
فقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن ثلاثة اعتداءات دموية ونوعية، استهدفت فندق "راديسون بلو" في العاصمة المالية باماكو وأسفرت عن مقتل 22 شخصاً، والهجوم على فندق ومطعم وسط واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو الذي خلّف 30 قتيلاً، وأيضاً الاعتداء الأخير الذي استهدف منتجع "بسام" في ساحل العاج وذهب ضحيته 22 شخصاً.
وبالإضافة إلى تكتيك الرعب في العواصم المحصنة، انتهج التنظيم سياسة تحالف استراتيجية مع تنظيمات جهادية أخرى تنشط في المنطقة، خصوصاً تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وأميره الجزائري يحيى أبو همام الملقب بـ"عكاشة" الذي لا يزال يحتفظ بخلاياه في الغابات والمناطق النائية على الحدود بين الجزائر ومالي. كما تحالف مع تنظيم "أنصار الدين" بزعامة المالي الطوارقي إياد أغ غالي وفرعه المسلح "كتيبة ماسينة" الذي ينشط بقوة في وسط وشمال مالي خصوصاً في محيط مدينة موبتي.


وتمخض هذا التحالف الثلاثي عن تصعيد واضح في الهجمات ضد الجيشين الفرنسي والمالي وقوات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المنخرطة في عملية "برخان" ضد التنظيمات الجهادية في شمال مالي ومنطقة الساحل. ففي 18 مايو/أيار الماضي، قُتل 5 جنود تشاديون وأصيب ثلاثة آخرون بجروح خطيرة في فخ نصبه لهم عناصر من "أنصار الدين" في شمال شرق مالي. وفي 12 يناير/كانون الثاني الماضي تبنى التنظيم هجوماً ضد ثكنة لقوات الأمم المتحدة في مدينة كيدال شمال مالي أسفرت عن مقتل سبعة جنود غينيين.
ويرى متخصصون في التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل، أن نجاح القوات الفرنسية في تصفية عدد من كوادر وقيادات التنظيمات الجهادية المختلفة في منطقة الساحل الأفريقي في عمليات خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، أضعفت هذه التنظيمات ودفعت بها إلى التراجع في أقصى الشمال المالي والنيجر والصحراء الليبية. وهذا ما دفع بمختار بلمختار ويحيى أبو همام وإياد أغ غالي إلى عقد حلف بينهم والتنسيق من أجل الرد على القوات الفرنسية وحلفائها في المنطقة واستقطاب القبائل المحلية الصحرواية والطوارقية التي لم تستفد من تداعيات عملية المصالحة الوطنية في مالي، ولا تزال على عداء مع السلطة المركزية في باماكو ولا تنظر بعين الرضى إلى التواجد الأجنبي على أراضيها.
ويرى بعض المراقبين أن هذا التحالف يشكل كابوساً جديداً للقوات الفرنسية وحلفائها في المنطقة بالنظر إلى تداعياته المعقدة. فهذا التحالف لم يتمخض عن تأسيس كتائب عسكرية تتجمع في مواقع محددة يسهل على الجيش الفرنسي استهدافها وتدميرها، بل زاد من تعقيد وتوسيع رقعة المواجهات. كما أن الاعتداءات لا تأتي تنفيذاً لأوامر هرمية بقدر ما تنبع من كوادر محلية يصعب على أجهزة الاستخبارات تعقبها وتصفيتها قبل تنفيذها لمخططاتها. وحسب خريطة الهجمات منذ مستهل العام الحالي، فهناك ما يشبه توزيع المهام بين هذه التنظيمات المتحالفة. فتنظيم القاعدة يركز نشاطه في شمال مالي ومنطقة تومبوكتو، في حين يتحرك تنظيم "أنصار الدين" في منطقة كيدال، وفرعه "كتيبة ماسينة" في وسط مالي والمنطقة الحدودية مع ساحل العاج، أما تنظيم "المرابطون" فصار يركز على العمليات النوعية في المدن الكبرى في المنطقة التي تستهدف تجمعات المدنيين والرعايا الفرنسيين.
وبعد تصاعد نشاط هذا الحلف الجهادي وتكتيكاته الجديدة عسكرياً وإعلامياً، وعودة عملياته إلى عمق الأراضي المالية، باتت عملية "برخان" الفرنسية تواجه علامات استفهام كبيرة حول جدواها وفعاليتها في استئصال الجماعات المسلحة في شمال مالي ومنطقة الساحل والصحراء. وعلى الرغم من أن فرنسا نجحت في تكوين جبهة أفريقية ضد الإرهاب تحت مسمى "ج 5"، وتضم فرنسا ومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد، فقد بات من الواضح أن العملية برمتها رغم كلفتها الباهظة، تنجح فقط في تكتيك قطع رؤوس الكوادر الجهادية بشكل منتظم وعبر فترات متقطعة في انتظار أن تبزغ رؤوس أخرى. وهذا ما يعني ضمنياً أن الأمر يتعلق بحرب استنزاف طويلة المدى وأن كل حديث عن الاستئصال أو التدمير الكلي للنشاطات الجهادية هو مجرد قفز على الحقائق الميدانية ودليل على أن الخيار العسكري ليس وصفة سحرية.