انتخابات الجزائر: مرشحون كُثر ونجوم قليلون

انتخابات الجزائر: مرشحون كُثر ونجوم قليلون

14 أكتوبر 2019
يرفض الحراك الشعبي إجراء الانتخابات الرئاسية (العربي الجديد)
+ الخط -
نأت أكثر من شخصية سياسية وازنة في الجزائر بنفسها عن سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بسبب ما تعتبره عدم توفّر الضمانات السياسية والتنظيمية الكافية لنزاهة هذه الانتخابات، على الرغم من التعهدات التي أعلنتها مؤسسة الجيش، وتوفّر هيئة مستقلة عليا تشرف على كامل تنظيم العملية الانتخابية. وما زالت الشكوك تراود كثيراً من الأسماء البارزة والقوى الفاعلة في الجزائر، بشأن شفافية الانتخابات المقبلة والظروف والملابسات المحيطة بها، إذ لم تكن التعهدات التي أعلنها رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بالتزامه الشخصي بذلك، كافية إلى الآن لتشجيع شخصيات وازنة على دخول السباق الرئاسي.

رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، والذي يعدّ إحدى أكثر الشخصيات الجاهزة سياسياً وشعبياً للفوز بالرئاسة في حال قدّم ترشحه، قرّر العزوف عن ذلك، في ظلّ ما اعتبرها ظروفاً غير مناسبة. وقال حمروش أمام مجموعة من أنصاره الذين تجمعوا أمام منزله في العاصمة الجزائرية من أجل الضغط عليه للترشّح في 6 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إنّ "أي رئيس ينتخب بهذه الطريقة، لن يستطيع أن يقدّم أي شيء"، مضيفاً: "أنا لن أستطيع تحقيق أي وعود بالشروط والظروف المتوفرة الآن للانتخابات المقبلة".

وتابع حمروش العارف بخبايا النظام ودواليب صناعة القرار: "أنا لا أنافق الناس، ولا أكذب على الشعب، ولن أقدّم أي وعود وهمية يحاسبني عليها الشعب لاحقاً"، في إشارة واضحة إلى تخوّفه من استمرار هيمنة الجيش على السلطة بالطريقة نفسها التي كان يحكم بها منذ الستينيات من القرن الماضي. وكذا عدم رضاه على الظروف التي يتم من خلالها تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، نتيجة الحوار المتعثّر والطريقة التي تمّت من خلالها صياغة قانون الانتخابات الجديد وإنشاء هيئة مستقلة عليا للانتخابات، وكذلك بعد حوار صوري وغير جدي نظمته هيئة حوار لم تحظ بأي إجماع. واضطر حمروش تحت ضغط أنصاره لتقديم وعد وحيد بإمكانية مراجعة موقفه هذا، في حال تحسّنت شروط المنافسة الانتخابية، بعد إعلانه في وقت سابق رفضه الترشح نهائياً.

وفي الاتجاه نفسه، قرّر رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، على الرغم من أنه كان يستعدّ لذلك منذ فترة، خصوصاً أنّ اسمه ظلّ على رأس قائمة الشخصيات التوافقية التي يدفع الحراك الشعبي وقوى معارضة بها إلى الواجهة للعب دور بارز في مرحلة ما بعد الحراك، لا سيما أنّ الرجل يعدّ الشخصية الأولى الرفيعة التي تستقيل من رئاسة الحكومة عام 2000، اعتراضاً على سياسات وتوجهات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. ونشر بن بيتور قبل فترة قصيرة بياناً مقتضباً أعلن فيه اعتذاره لكل من دعاه إلى الترشّح بسبب الظروف التي لا تساعد على إنجاز انتخابات نزيهة وحالة الإغلاق الكامل للبلد من قبل المؤسسة الفعلية، بحسب تعبيره. 
كذلك، رفض منسق مؤتمر المعارضة ووزير الاتصال الأسبق، عبد العزيز رحابي، مقترحاً بالترشّح، وأكد أنه غير معني بهذه الانتخابات، معتبراً أنّ ما تعيشه الجزائر هو أكثر من حالة حصار.
بدوره، لم يبدِ رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام السابق لـ"جبهة التحرير الوطني"، عبد العزيز بلخادم، أي حماس للترشّح لانتخابات ديسمبر المقبل، وقد أكد لمجموعة من الشخصيات، بينها رئيس رابطة الدعاة علي عية، ووزير الصناعة الأسبق عبد الرحمن بلعياط، عدم تحمسه لخوض السباق الرئاسي. وقال علي عية في تصريح للصحافيين أخيراً إنّ "بلخادم أكد لنا أنه لم يفكر في ذلك بسبب الظروف العامة التي تشهدها البلاد، لكنه طلب منا ترك الأمر للظروف والأيام".

من جهته، رفض مؤسس "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، سعيد سعدي، وهو شخصية سياسية بارزة، الترشّح للانتخابات الرئاسية. ونشر تقدير موقف أخيراً أكّد فيه أنّ الانتخابات المقبلة "تمثّل هروباً من الأزمة، وهي استحقاق فرضه قائد الجيش، ولا يتوفر على أي ظروف تجعل منه مدخلاً لحلّ الأزمة السياسية"، مشيراً إلى أنّ "السلطة في الجزائر تحاول فرض حلّ سياسي باستخدام القوة والإجبار، وتدفع بالبلد إلى أزمات سياسية مستقبلاً".

وزير التربية الأسبق، أحمد بن محمد، وهو شخصية بارزة أخرى كان الحراك الشعبي قد وضعها على رأس قائمة الشخصيات الوطنية التي بإمكانها أن ترعى الحوار الوطني أو تشارك في هيئة رئاسية، قرّر أيضاً عدم الترشّح للرئاسة، وأبلغ وفداً من الناشطين الذين كانوا طلبوا منه الترشّح أخيراً، أنّ "استمرار الحراك الشعبي يعني أنّ جزءاً كبيراً من الشعب الجزائري مقتنع بأنّ الظروف اللازمة لإجراء الانتخابات غير متوفرة". وقد أصدر بن محمد كذلك بياناً قال فيه: "كيف لي أن أسوغ لنفسي الترشّح، والشوارع والساحات في أهم المدن تسيل أنهاراً جارفة بأجسام الملايين من أبناء هذا الشعب، متوعدين العصابة بالتطهير". وبرأي بن محمد، فإنّ ذلك يعني غياب التوافق الوطني على أرضية مشتركة للمرحلة المقبلة. واتخذ الناشط السياسي البارز مختار مرزاق الموقف نفسه، وأعلن رفضه الترشّح لغياب الضمانات الكافية، على حد تعبيره في تصريحات له في وقت سابق.

وخارج صفّ الشخصيات السياسية المستقلة، انضم قادة بارزون يقودون أحزاباً فاعلة في المشهد السياسي المحلي، إلى قائمة المشككين في الاستحقاق الانتخابي، وبالتالي رفضوا المشاركة فيه. وفي السياق، أكّد عبد الرزاق مقري الذي يقود "حركة مجتمع السلم" (الحزب المركزي لإخوان الجزائر)، أنّ القرار الذي توصّل إليه حزبه بعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة مبني على معطى رئيسي يخصّ عدم توفّر الضمانات الكافية التي تؤمّن إنجاز انتخابات شفافة، معلناً في الوقت نفسه عدم دعم الحزب لأي مرشّح آخر في الانتخابات المقبلة. وقال مقري في مؤتمر صحافي في 7 أكتوبر الحالي إنه "لا يشعر بوجود إرادة سياسية لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة"، مضيفاً: "طلبنا وناضلنا من أجل هيئة عليا للانتخابات تكون مستقلة عن السلطة والإدارة، فمنحتنا السلطة هيئة مستقلة عن الأحزاب السياسية، لكنها مرتبطة بالإدارة". وذهب مقري أبعد من ذلك حين اعتبر أنّ "البلد بصدد الدخول في مرحلة غموض جديدة".

ولم يكن موقف المرشح الرئاسي السابق ورئيس "جبهة العدالة والتنمية"، عبد الله جاب الله، بعيداً عن هذا المنحى، إذ أعلن السبت الماضي رفضه الترشّح، واعتبر أنّ "السلطة لم تبدِ نوايا جدية لتنظيم انتخابات رئاسية شفافة"، على الرغم من عدم اعتراض جاب الله على الانتخابات كمبدأ.

كما رفض جيلالي سفيان رئيس حزب "جيل جديد" الترشّح، واعتبر أنّ الانتخابات المقبلة لن تحلّ الأزمة السياسية ودعا إلى إلغائها. ورأى سفيان في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك أكثر من سبب يدفع مجموع الشخصيات السياسية التي لها مبدأ ديمقراطي واضح، إلى رفض المشاركة بالانتخابات المقبلة"، وتساءل: "كيف يمكن الترشّح، والحراك الشعبي ما زال مستمراً ومطالبه الأساسية لم تتحقق، وحكومة بوتفليقة ما زالت تدير البلد، وهيئة الانتخابات تم تعيينها من قبل السلطة، بعد حوار صوري؟". وتابع: "لا توجد أي نية لتنظيم انتخابات شفافة، فهل من يريد ذلك، يمارس الاعتقالات والتضييق على الأحزاب والجمعيات ويمنعها من حق تنظيم تجمعاتها، ويغلق وسائل الإعلام ويهيمن عليها؟ هذه ليست أجواء انتخابات مطلقاً".

وحتى الآن، بلغ عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية 139 مرشحاً. وعدا رئيسَي الحكومة السابقين، علي بن فليس وعبد المجيد تبون، فإنّ قائمة المرشحين خالية من أسماء مؤثرة وفاعلة، يمكنها أن تعطي للانتخابات طابعاً تنافسياً، أو تستقطب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، خصوصاً أنّ قطاعاً واسعاً من الجزائريين قد حسم موقفه بعدم المشاركة والتصويت في 12 ديسمبر المقبل، فيما لا يزال قطاع آخر متردداً بهذا الشأن، بسبب ضعف الأسماء المتقدمة للسباق الرئاسي.

وفي السياق، رأى المحلل السياسي مرزاق صيادي، أنّ موقف الشخصيات السياسية البارزة بعدم المشاركة والترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة، له علاقة بما اعتبره "انتخابات طرحت من جانب واحد وفي ظروف ملتبسة". ولفت صيادي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "يفترض على الجيش الذي يقدّم نفسه ضامناً للانتخابات، أن يقنع الجزائريين بالضمانات التي قدمها". وقال إن "النزاهة أمر لا علاقة له بمن يترشّح، بل بمن قدّم نفسه على أنه ضامن لنزاهة الانتخابات".
وفي الإطار نفسه، رأى المحلل السياسي ناصر حداد أنّ "عزوف هذه الشخصيات عن الترشح له معنى وتفسير واحد، هو عدم اقتناعها مطلقاً بالضمانات المقدمة، ودرايتها بحجم التلاعب السياسي الذي تمارسه السلطة في الانتخابات"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذا التفسير يصبح أكثر صدقية إذا عرفنا أنّ أغلبهم كانوا مسؤولين في الدولة، ويعرفون خبايا النظام وطرق تلاعبه بالمسارات السياسية".

وبعد أقل من عشرة أيام، تنتهي مهلة تقديم الترشيحات لانتخابات الرئاسة في الجزائر، وإلى أن تحدث مفاجأة ما، فإنّ الظاهر أنّ السلطة تتوجّه بالبلاد إلى انتخابات خالية من أسماء وازنة تعطي للاستحقاق الرئاسي طابع التنافسية السياسية، ما يقلل من صدقيته من جهة، ويضعف الحزام السياسي والشعبي اللازم للرئيس المقبل الذي ستواجهه، كائناً من كان، تحديات لا أول لها ولا آخر.