إيطاليا: حكومة شعبوية ملطفة تزعج أوروبا ولا ترعبها

إيطاليا: حكومة شعبوية ملطفة تزعج أوروبا ولا ترعبها

02 يونيو 2018
رئيس الحكومة جوزيبي كونتي حديث العهد في السياسة (Getty)
+ الخط -
انتهى أمس الجمعة، جمود سياسي استمر ثلاثة أشهر في إيطاليا، فيما انخفضت المخاوف الأوروبية بعد التسوية التي رعاها الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، مع أداء أوّل تحالف حكومي بين حركة فتية مناهضة للمؤسسات وحزب يميني متطرف، اليمين الدستورية في روما برئاسة جوزيبي كونتي، رجل القانون حديث العهد بالسياسة، الذي وعد باتباع سياسة أمنية ومعارضة لإجراءات التقشف. وبعد نحو ثلاثة أشهر من المفاوضات والتطورات غير المسبوقة حتى في هذا البلد المعتاد على الأزمات السياسية، توصّلت حركة "خمس نجوم" (المناهضة للمؤسسات) والرابطة (يمين متطرف)، إلى تسوية مع ماتاريلا الذي طالب بضمانات حول بقاء إيطاليا في منطقة اليورو. وكان الرئيس لجأ إلى تعطيل لائحة أولى للحكومة مساء الأحد الماضي. لكنه وقّع مساء الخميس لائحة معدّلة بعدد من الوزراء الذين أقسموا اليمين الدستورية ظهر أمس، على أن تُعقد جلسة طلب الثقة في البرلمان في مطلع الأسبوع المقبل.

واختار التحالف الحكومي كونتي أستاذ الحقوق والمحامي البالغ 53 عاماً الذي لم يكن معروفاً في الأوساط السياسية قبل 15 يوماً، لتولي رئاسة الحكومة. وسيجلس إلى جانب ماتاريلا اليوم السبت، لحضور العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني. وسيمثّل كونتي الذي كان لا يزال يواصل صباح الخميس محاضراته في جامعة فلورنسا، إيطاليا في قمة مجموعة السبع الأسبوع المقبل في كندا. إلى ذلك، عُيّن لويجي دي مايو زعيم حركة "خمس نجوم" وماتيو سالفيني، زعيم الرابطة، نائبين لرئيس الحكومة، بعد أن كانا في مقدمة الحملة ولعبا دوراً أساسياً في المفاوضات الطويلة، على أن يتولّى الأول وزارة التنمية الاقتصادية والعمل والثاني وزارة الداخلية. كذلك، تمّ تعيين جيوفاني تريا أستاذ الاقتصاد السياسي المقرب من رؤية الرابطة، لكنه مؤيد لبقاء البلاد في منطقة اليورو، في منصب وزارة الاقتصاد والمالية الحساسة. وبعد أن كان باولو سافونا (81 عاماً) خبير الاقتصاد الذي يعتبر اليورو "سجناً ألمانياً"، مرشحاً لحقيبة الاقتصاد، تمّ تعيينه في الحكومة الجديدة وزيراً للشؤون الأوروبية، فيما تولّى وزارة الخارجية إينزو موافيرو ميلانيزي، المؤيّد لأوروبا، والذي عمل طيلة 20 عاماً في بروكسل، وكان وزيراً للشؤون الأوروبية في حكومتي ماريو مونتي وانريكو ليتا (2011- 2014).


وفي النهاية، تتألّف الحكومة من 18 وزيراً، بينهم خمس نساء فقط، وموزعين بشكل شبه متساوٍ بين الحزبين، مع أنّ الرابطة لم تحصل سوى على 17 في المائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية في الرابع من مارس/ آذار الماضي، في مقابل أكثر من 32 في المائة لحركة "خمس نجوم". وكان كونتي تعهّد الخميس بعد أن عرض لائحة حكومته "العمل بجد لتحقيق الأهداف السياسية التي أعلناها في اتفاق الحكومة وسنعمل بتصميم من أجل تحسين مستوى معيشة كل الايطاليين". وبموجب "اتفاق الحكومة" الذي استغرق عشرة أيام من المفاوضات وتم إعلانه قبل أسبوعين، ستتخلى البلاد نهائياً عن إجراءات التقشف و"تعليمات" بروكسل، لتركّز على سياسة نمو اقتصادي من أجل الحد من العجز الهائل في الدين العام الإيطالي.

وتعهّدت الحكومة بخفض سن التقاعد والحدّ بشكل كبير من الضرائب، وهو أحد الوعود الأساسية للرابطة، وتأمين "مدخول للمواطنين" بقيمة 780 يورو في الشهر، وهو أحد أبرز وعود الحملة الانتخابية لحركة "خمس نجوم". وتمثّل هذه التشكيلة الحكومية مواقف حركة "خمس نجوم" إزاء البيئة والتقنيات الحديثة وأيضاً خطاب الرابطة الداعي إلى اعتماد مبادئ أخلاقية في الحياة السياسية وتشديد الإجراءات الأمنية والمعادية للهجرة والمسلمين.

ورحبت زعيمة حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) الفرنسي، مارين لوبن بتشكيل الحكومة في إيطاليا، معتبرةً أنه "انتصار للديموقراطية على تهديدات" بروكسل. وقال سالفيني أمام مؤيدين له مساء الخميس "بدون أن أعد بتحقيق معجزات، آمل أن نتوصّل بعد الأشهر الأولى لحكومة التغيير هذه إلى ضرائب أقل وأمن أكبر وزيادة في التوظيف وعدد أقل من المهاجرين غير الشرعيين"، في تأكيد لوعود حملته. كما تعهّد سالفيني بمقاربة ثقافية مختلفة قليلاً مع "اقتطاع كبير" في الأموال المخصصة لاستقبال طالبي اللجوء. وانعكس تشكيل الحكومة فوراً على أسهم أوروبا، بعد أنّ عكّرت هذه الأزمة صفو الأسواق العالمية التي كانت تخشى أن ترقى انتخابات جديدة إلى أن تصبح استفتاءً على اليورو. واستهلت الأسهم الأوروبية تعاملات يونيو/حزيران بأداء قوي أمس، وقادت الأسهم الإيطالية الصعود بعد الاتفاق بشأن الحكومة.

ورغم إتمام هذا الاتفاق، إلا أنّ الضبابية لا تزال ترافق المرحلة المقبلة، وسط أسئلة عدة حول الحكومة الجديدة وتوجهاتها، وخصوصاً في ما يتعلّق بمسألة خروج إيطاليا من منطقة اليورو. وكان حزبا التحالف الحكومي نددا بشدة باليورو، وكانت مسودة برنامجهما الحكومي المشترك تتضمن خروجاً محتملاً من منطقة اليورو. إلا أنّ أياً من الرابطة أو حركة "خمس نجوم"، لا تؤيدان الخروج بصورة انفرادية. وأظهرت استطلاعات عدة للرأي أجريت أخيراً أنّ بين 60 و70 في المائة من الإيطاليين يعارضون "بريكسيت إيطالياً". في المقابل، تعتبر الرابطة أنّ اليورو "تجربة اقتصادية واجتماعية خاطئة"، وتدعو إلى سلسلة من الإصلاحات تفضي إلى خروج بالتنسيق مع دول أخرى. إلا أنّ برنامج الحكومة المشترك بين الحزبين يمكن أن يثير توتراً مع شركاء البلاد في منطقة اليورو، في وقت يحرص الرئيس الضامن لالتزامات إيطاليا على الساحة الدولية، على احترام المعاهدات خصوصاً الأوروبية، بالإضافة إلى عضوية إيطاليا في حلف شمال الأطلسي.

ورغم تأكيد زعيمي حزبي التحالف أنهما يعتزمان تولي الحكم على مدى خمس سنوات، إلا أنّ الغالبية التي يتمتعان بها ضيقة، وهي 32 صوتاً في مجلس النواب وبضع عشرات في مجلس الشيوخ، كما أنّ المجلسين لهما السلطات نفسها. وبذلك سيتعين عليهما ضمان ولاء كل أعضاء حزبيهما في المجلسين، حتى الذين لا ينظرون إلى التحالف بعين الرضا، من أجل الحفاظ على هذا التحالف.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون