اتفاق واشنطن و"طالبان" بعيون أفغانية: أمل بسلام ينغصه الخوف

اتفاق واشنطن و"طالبان" بعيون أفغانية: أمل بسلام ينغصه الخوف

01 مارس 2020
احتفالات أفغانية بالهدنة في البلاد (عبدول مجيد/فرانس برس)
+ الخط -


كانت الأعوام الـ18 الماضية قاسية على الأفغان، منذ التدخّل الأميركي في البلاد عام 2001، وما شهدته من أعمال عنف أدت إلى سقوط آلاف الضحايا، بينهم عدد كبير من المدنيين، لتلاقي الجهود التي برزت في الأشهر الأخيرة للدفع نحو السلام في البلاد، وتُوّجت أمس السبت بالتوقيع على اتفاق تاريخي بين حركة "طالبان" وواشنطن للانسحاب التدريجي للقوات الدولية من أفغانستان، ترحيباً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية في أفغانستان، بعدما بات واضحاً أن الأفغان تعبوا من الحرب ويريدون العودة إلى الحياة. وعلى الرغم من التفاؤل الكبير بمستقبل البلاد بعد هذا الاتفاق، لكن تبقى بعض المخاوف قائمة من فشل الحوار بين الحكومة و"طالبان" بما قد يؤدي لجولات جديدة من الصراع الداخلي.

وتعامل بعض من راقب الوضع عن كثب مع كل الجهود بحذر وترقّب، بسبب تعقيد الأزمة وكثرة لاعبيها وتقاطع مصالح الدول المجاورة والقوى العالمية. عملياً، كانت المراحل صعبة جداً قبل وصول جهود المصالحة إلى مرحلة الهدنة الجزئية أو ما سمتها "طالبان" وواشنطن بـ"خفض وتيرة العنف" كبادرة حسن نية لمدة أسبوع وشرطاً أساسياً للتوقيع على الاتفاق بين الحركة وواشنطن أمس. وسيمهّد هذا التوافق الطريق إلى الحوار الأفغاني - الأفغاني لتقرير مستقبل البلاد السياسي والأمني. مع العلم أن الحوار بين "طالبان" والولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة، مرّ بمراحل مختلفة وشهد حالات مدٍ وجزرٍ، على وقع إصرار الأميركيين على وقف "طالبان" الشامل لإطلاق النار، كشرط أساسي لإبرام أي اتفاق بين الطرفين، ثم الدخول إلى المرحلة الثانية وهي الحوار بين مختلف الأطياف الأفغانية. والحوار الداخلي كان في الأساس مطلب الحكومة الأفغانية، الساعية لمعرفة ما إذا كانت "طالبان" حركة متماسكة موحّدة وقادرة على تطبيق الاتفاقيات ميدانياً. على الضفة الأخرى بذل مفاوضو الحركة في الدوحة جهداً كبيراً لإقناع قيادتها بالتهدئة الجزئية أو خفض وتيرة الحرب. وقد أنعشت التهدئة آمال الشعب الأفغاني، فبدت معظم مناطق البلاد هادئة خلال هدنة الأيام السبعة قبل التوقيع على الاتفاق، إذ لم تشهد أفغانستان إلا أحداثاً طفيفة بحسب بيان وزارة الداخلية الأفغانية، كذلك أثبتت الحركة وحدة تماسكها عسكرياً وسياسياً.

في السياق، لفت ضياء الحق أمرخيل، مستشار الرئيس الأفغاني أشرف غني في الشؤون السياسية والقبلية في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "نجحنا بالاتفاق مع "طالبان" بخفض وتيرة الحرب بنسبة 80 في المائة، ومن حسن الحظ أن المعلومات الدقيقة لدينا تشير إلى أن التهدئة كانت أكثر من 80 في المائة، ما يؤكد أن التوصّل إلى حلّ نهائي مع الحركة سيضع حداً لأزمة بلادنا". وأشاد أمرخيل بالجهود التي قامت بها قوات الأمن الأفغانية والقوات الدولية و"طالبان" على حد سواء. وأضاف أن الوضع الحالي بمثابة فرصة ثمينة لحلحلة قضية أفغانستان، وأن كل الأطراف (الحكومة، طالبان، القوات الدولية) تسعى لإيجاد حلّ للمعضلة الأفغانية، مشدّداً على أن الجميع يمضون إلى الأمام.

ويبدو أن الحكومة لم تكن تتوقع في البداية نجاح الهدنة بل كانت تخشى حصول خروق من جماعات داخل "طالبان"، لذلك تحدث الرئيس الأفغاني أشرف غني في كلمة له أمام الشعب في اليوم الأول من الهدنة بحذر شديد، منوّهاً إلى أن القوات الأفغانية على أتمّ الاستعداد لمواجهة أي طارئ أو أي خرق للهدنة من قبل "طالبان". وأفاد غني بأن أجهزة أمن الدولة أبلغته بنشاط أكثر من 23 جماعة في أفغانستان، تحت مظلة "طالبان" ومن الصعب جداً ضبطها من قبل قيادة الحركة.

أما الشعب الأفغاني فاستقبل التهدئة من جهة والتوافق بين "طالبان" والولايات المتحدة من جهة ثانية بحفاوة كبيرة، ففي مناطق الجنوب والشرق عُقدت مهرجانات شعبية وموسيقية، كما عُقدت ندوات واجتماعات لزعماء القبائل والأكاديميين وعلماء الدين، للترحيب بالتهدئة والتوافق.



في هذا الإطار، قال أحد المشاركين في مهرجان شعبي في إقليم خوست موسم خان، لـ"العربي الجديد"، "كنا ننتظر هذه الفرحة الغامرة، وكنا نحلم أن نرى يوماً لن نسمع فيه دوي التفجيرات والرصاص وها قد جاء هذا اليوم. أقمنا الاحتفالات ونأمل أن يكون ذلك بداية هدنة دائمة وبداية لخروج القوات الأجنبية ولمّ شمل بلادنا".

من جهته، كان عبد الله خان من إقليم وردك مسروراً بسبب تأمين الطرق أيام التهدئة، وتمنى استمرار الوضع بعد توافق "طالبان" والولايات المتحدة. أما عبد الله وهو سائق حافلة بين كابول وقندهار، فقال لـ"العربي الجديد": "لقد شعرت بفرحة كبيرة بعد أن تحركت من قندهار الأحد الماضي صوب كابول، ووصلت إلى العاصمة من دون أي خطر أمني. نتمنى أن تستمر تلك الحالة، لأننا تعبنا من الحرب، التي جعلت حياتنا كلها في خطر. كنا نخرج قبل الهدنة من كابول فنتوقف على الطريق لساعات في بعض الأحيان، بسبب المواجهات بين الأطراف المتخاصمة، ولكن خلال هذه الأيام نسافر بأمان".

كذلك فإن من الآثار الإيجابية للتهدئة هو تشغيل شبكات الهواتف في معظم مناطق البلاد. في هذا الإطار، اعتبر عالم الدين، عبد الفتاح هادي، وهو من سكان مديرية إمام صاحب بإقليم قندوز، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الصلح يأتي بالخير، وها نحن نلمس آثار ذلك الخير، لم تكن شبكات الهواتف تعمل في المناطق النائية، لكن مع بداية الهدنة بدأت تعمل على مدار الساعة. إنه حلم تحقق، والآن ننتظر التوافق بين "طالبان" والولايات المتحدة من أجل خروج القوات الأجنبية من البلاد، ثم إجراء الحوار بين الأفغان أنفسهم للوصول إلى حل دائم، لأننا محرومون من الحياة بسبب الحرب".

من جهتها، أشارت الأكاديمية والمحللة السياسية عاطفة طيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مصطلح خفض وتيرة العنف أو التهدئة الجزئية كان مصطلحاً جديداً، لأن الأفغان تعبوا من الحرب ويريدون إنهاءها، وأن قبول "طالبان" بالتهدئة الجزئية أمر في غاية الإيجابية، لكننا ننتظر المضي قدماً نحو الأمام بعد التوقيع على التوافق بين الطرفين".

وفي خضم أجواء الفرح أبدى بعض الأفغان خشيتهم من تكرار ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، بعد فشل جهود الحوار بين حكومة محمد نجيب الله والأحزاب الجهادية إثر خروج القوات السوفييتية من أفغانستان عام 1989.
في السياق، رحّبت عاطفة طيب بتطورات المصالحة لكنها رأت في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن ثمة أسئلة وشكوكاً، "فالرئيس الأميركي دونالد ترامب، أوقف المفاوضات بتغريدة منه على "تويتر"، قبل أن يعود ويؤكد نيته توقيع الاتفاق مع "طالبان". ويبدو أنه في عجلة من أمره، موحياً بأن الخروج من المأزق الأفغاني أولوية أميركية، كما أن الجهات الأفغانية بعيدة كل البعد عن عملية الحوار. ومن هنا نخشى من تفجير صراع أسوأ، لذا ندعو إلى التعامل مع القضية بحذر".



من جهته، اعتبر الناشط والمحلل السياسي عتيق الله زمن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن المصالحة والوصول إلى حل مع "طالبان" حلم "طالما توقعنا تحقيقه، ولكن أي خطأ قد يدفع البلاد إلى حرب أهلية أسوأ، على غرار ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، حين قلبت الحرب الأهلية كابول رأساً على عقب". وأضاف زمن أن جميع الأطراف لا بد أن تتعامل بحذر شديد مع الملف، كما يتعين على الجانب الأميركي أن يضع المصالح الأفغانية في الحسبان إلى جانب مصالحه وإخراج قواته من أطول حرب خاضها.

وتزامنت التهدئة وتوافق "طالبان" والولايات المتحدة مع أزمة انفجرت على إثر إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس غني بولاية ثانية في 18 فبراير/شباط الماضي، مع إعلان منافسه، الرئيس التنفيذي للحكومة الحالية عبد الله عبد الله فوزه أيضاً، متهماً لجنة الانتخابات الوطنية بالعمل لصالح غني. ولم يكتفِ عبد الله بإعلان فوزه بل باشر بـ"تعيين" حكام لبعض الأقاليم مثل جوزجان وسربل وسمنغان، وهي أقاليم تخضع لنفوذ نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم، المؤيد لعبد الله حالياً، والذي سبق أن هدد بتشكيل حكومة موازية برئاسة عبد الله، إذا واصل غني حكمه أفغانستان. كما أعلن عبد الله القيام بمراسم تنصيبه رئيساً للبلاد يوم الخميس الماضي، في اليوم نفسه الذي كان مقرراً تنصيب غني فيه، لكن الرئيس الأفغاني قام بتأجيل حفل تنصيبه إلى 9 مارس/آذار، وهو ما فعله عبد الله أيضاً، وذلك بطلب من المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي استشعر بضعفه إزاء التطورات السلبية، فأجرى لقاءات مع غني وعبد الله وسياسيين آخرين للخروج من مأزق سيهدد مسار المصالحة. وذكر في تغريدة له على "تويتر" أن غني هو رئيس البلاد منوهاً إلى ضرورة جمع الأطياف الأفغانية في الحكومة المستقبلية، ما جعل جهود المصالحة ومستقبل البلاد السياسي على المحك.

وشغلت الأزمة السياسية قوات الأمن الأفغانية، ففي إقليم سربل داهم أنصار عبد الله مقر الحكومة المحلية لتنصيب نور رحمن رحماني حاكماً للإقليم، على وقع استنفار أمني في معظم الأقاليم الشمالية، وأزالت لافتات وصور لعبد الله نصبها مناصروه كرئيس للبلاد. ما تسبب في توجيه انتقادات لاذعة لها. لكن الداخلية الأفغانية، كشفت عن بيان مشترك لأجهزة الأمن، جاء فيه أن تطبيق القانون على الجميع من مهمة أجهزة الأمن، إلى جانب التصدي للجماعات المسلحة.

وعلى الرغم من أن جهود المصالحة الأفغانية التي دخلت مرحلة مهمة، تخطت الكثير من المراحل والعقبات وأدت إلى إنعاش آمال الشعب، إلا أن عقبات كبيرة لا تزال في طريقها، أبرزها اختلاف وجهات نظر الأطراف الأفغانية بشأن المصالحة، وحول المستقبل السياسي للبلاد، مع استمرار الأزمة السياسية الناجمة عن نتائج الانتخابات الرئاسية، مع إصرار غني على المضي قدماً في الولاية الثانية وإصرار معارضيه على تشكيل حكومة وطنية. في موازاة ذلك، هناك شكوك كثيرة لدى بعض صنّاع القرار في كابول، وحتى القياديين في "طالبان"، حول ما إذا كانت واشنطن صادقة في قرار إخراج قواتها كلياً. في هذا الإطار، ذكر السفير السابق لدى باكستان، محمد عمر زاخيلوال، وهو أحد المعارضين للرئيس الأفغاني، في تصريحات صحافية، أن "تغيير النظام الحالي أساس لإنجاح المصالحة مع طالبان". أما المتحدث باسم الحركة الوطنية للمصالحة، بسم الله وطندوست، فقال لـ"العربي الجديد": "الأهم بالنسبة لنا هو الصلح والمحافظة على النظام، ونطلب من الولايات المتحدة العمل لمصلحة بلادنا"، مشيراً إلى وجود الكثير من العقبات ومراحل مختلفة في وجه الحوار.