ألمانيا: شغب الحليفين يضع ميركل أمام اختبار ثقة البرلمان

ألمانيا: شغب الحليفين يضع ميركل أمام اختبار ثقة البرلمان

29 سبتمبر 2018
أعلن برينكهاوس أنه لا ينصب العداء لميركل (Getty)
+ الخط -


غضب، إحباط، انقلاب داخلي. عبارات ترددت خلال الأيام الماضية في ألمانيا توصيفاً للضربات المتتالية التي طاولت المستشارة أنجيلا ميركل من أقرب حلفائها وزملائها من مسؤولين ونواب في "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، ليس بالضرورة لكسر سلطتها وإنما للتنديد بسياساتها وضعفها في إدارة الأزمات التي يصطنعها شريكا الائتلاف في وجهها.

وتأتي هذه الانتقادات بعد انقضاء أشهر قليلة على بداية ولايتها الرابعة، حيث تحاول اللجوء إلى أنصاف الحلول في بلد بات اليمين الشعبوي يحلم بالاستيلاء على السلطة فيه، فيما تعكس المؤشرات نجاحه في خطته وتمدده المستمر مستغلاً الهفوات الكبيرة للائتلاف الحاكم، ومصوباً خصوصاً على ميركل في محاولة للتحشيد ضدها وإنهاء حكمها بأسرع وقت ممكن. هذه المحاولات أعادت إلى الذاكرة في ألمانيا استبعاد عراب ميركل السياسي، المستشار الأسبق هيلموت كول، من السلطة، قبل نحو 20 سنة (استبعد في 27 سبتمبر/ أيلول 1998)، ما أتاح تكريس زمن "الاشتراكي" و"الخضر"، بزعامة كل من غيرهارد شرودر ويوشكا فيشر، بعدما كان "الديمقراطي المسيحي" هيلموت كول احتفظ ولفترة طويلة بالسلطة، أنهك فيها نفسه وأتعب الألمان منه.

ومع محاولات الضغط على ميركل عصفت الملفات الخلافية بحكومتها في فترة قياسية، إذ وجدت نفسها في غضون أسابيع أمام مرحلة كادت تكون مفصلية في حياتها السياسية، في ظل التهديد والابتزاز الذي تعرضت له من قبل زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أندريا ناليس، وزعيم "الاجتماعي المسيحي" ووزير الداخلية، هورست زيهوفر، حول ملف اللاجئين، كما والجدل حول مدير الاستخبارات الداخلية، هانز غيورغ ماسن، الذي تقررت أخيراً إقالته، على أن يتولى وظيفة مستشار خاص للشؤون الأوروبية والدولية، بدلاً من منصب سكرتير دولة. وتبقى الانتكاسة الأكبر التي طاولت ميركل بداية الأسبوع الحالي، هي مخالفة نواب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" لتوجهاتها بعدم التجديد للرجل المقرب جداً منها، رئيس الكتلة في البرلمان، فولكر كاودر، الذي شغل منصبه لمدة 13 سنة، والتصويت لمرشح مغمور هو الخبير المالي والاقتصادي رالف برينكهاوس. هذا التوجه أفرح في المقابل المعارضة، وترجمه رئيس "الليبرالي الحر"، كريستيان ليندنر، بمطالبته بإجراء "تصويت ثقة " في البوندستاغ على قيادة ميركل، معتبراً أنها لم تعد تحظى بثقة الكتل البرلمانية للائتلاف الحاكم، وهو ما نفاه نائب رئيس حزبها "الاجتماعي المسيحي"، آرمين لاشيت، وردّ عليه المتحدث باسم الحكومة، شتيفن زايبرت، بالقول إن المستشارة لا ترى ذلك ضرورياً. من جانبه، أشار رئيس كتلة "الاشتراكي" إلى أنه "من مصلحة برينكهاوس أن تعمل الحكومة الاتحادية بثبات واستقرار"، علماً أن زميله في الحزب نائب رئيس البوندستاغ، توماس أوبرمان، اعتبر أن ما حصل كان انتفاضة بوجه ميركل.




وقد حاول عدد من المراقبين التخفيف من وطأة ما حصل، معتبرين أن الكتلة لم تعد تريد رئيساً لها يتلقى التعليمات من القيادة، بل رئيساً يتحدث باسمها عن الأهداف السياسية مع ميركل، وخصوصاً أن برينكهاوس أعلن صراحة أنه سيحرص على التعاون معها، ولا ينصب لها العداء وأن انتخابه كرئيس جديد للكتلة لن يتسبب بمناكفات سياسية تحرج المستشارة. واعتبر آخرون أن التجديد الذي حصل في قيادة كتلة "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" عبر عن رغبة في تجديد شبابها واعتماد أسلوب عمل جديد مع خبير مالي ناضج سياسياً، رغم أن التصويت جاء ضد إرادة ميركل. مع العلم أنه وفي النظام البرلماني الألماني فإنه من غير المعهود ألا تدعم كتل أحزاب الائتلاف الحاكم الحكومة، ولا يمكن أن يتحول التكتل إلى حكومة جانبية، والأهم الرغبة الموجودة لدى الجميع بعدم فقدان السلطة واقتناع الجميع بما أكدت عليه ميركل أمام البوندستاغ، في مارس/ آذار الماضي، أن هذه فترة ولايتها الرابعة والأخيرة على رأس المستشارية. كذلك يرى خبراء في الشؤون السياسية الألمانية أن مطلب "الليبرالي" فيه الكثير من المبالغة، لأن الأمر لا يتعلق بمشروع أو قرار سياسي يريد تنفيذه وهناك طلب للتصويت عليه، إذ إنه يمكن لميركل، إذا كان هناك شك لديها حول حقيقة موقف كتلتها من سياستها، أن تطلب التصويت على تجديد الثقة داخل الكتلة وليس في البرلمان.

وأمام كل ما تتعرض له المستشارة، فإنه يمكن القول إن شريكي الائتلاف استطاعا استنزاف ميركل منذ بداية ولايتها الرابعة، وباتت محرجة أمام ناخبيها والزعماء الأوروبيين، وهذا ما يضر أيضاً بسمعة ألمانيا، البلد الذي يعيش حالة من الانتعاش الاقتصادي والمنتظر منه أن يكون السند الأساس لأوروبا التي تتحضر لانتخابات برلمانية الربيع المقبل، وبالتالي عليها الآن استجماع قواها السياسية والتركيز على هموم المواطنين، واعتماد سياسة مغايرة تقضي بحل الأزمات وليس تأجيلها، وخصوصاً أن اليمين الشعبوي يبقى المستفيد الأكبر من كل هذه الجلبة مستغلاً ما يحصل ومحرضاً أكثر بوجه الائتلاف الحاكم وسياسته الخاطئة تجاه أزمة اللجوء وتجاهله معاناة المواطنين بالتركيز على التخويف من الأجانب والعدالة الاجتماعية والحد الأدنى للأجور وارتفاع الإيجارات. ومما لا شك فيه أن كل ذلك ساهم في تلاشي شعبية المستشارة وعزّز الانطباع بوجود انقسام داخل تحالف "غروكو"، جراء الهجمة الشرسة عليها من المعارضة، ناهيك عن التنظيم غير المنضبط لطالبي اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يثقل كاهل ميركل أيضاً، رغم العلامات الإيجابية لسياسة الاندماج والتكامل في ألمانيا.

وتتجه الأنظار إلى ميركل التي لا بد أن تنأى بنفسها عن القرارات غير الشعبية، وأن تنتفض بوجه المعرقلين، خصوصاً زيهوفر، الذي أصبح عبئاً عليها، رغم أنه يشكل حيثية وزعيم الشريك الأصغر لحزبها. إلا أن الواقع يشي بشيء آخر، وهو أن زيهوفر استطاع استدراج ميركل إلى ملعبه وفرض شروطه وشروط حزبه عليها، وعلى المستشارة وقياديي حزبها أن يعرفوا أن الولاية الرابعة ما زالت في بدايتها، والمطلوب انتزاع الهيمنة التي يبديها حالياً وزير الداخلية على الائتلاف، علماً أن كل التوقعات تفيد بأن زيهوفر اقترب من خط النهاية لمسيرته السياسية، ومن المرجح انسحابه بعد انتخابات بافاريا المقررة في 14 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. ولتحقيق ذلك، يرى باحثون في العلوم السياسية والاقتصادية أن على ميركل إشراك برلمانيي حزبها أكثر في المداولات لتحقيق أهدافها ومراجعة للذات مع خسارة مرشحها كاودر الذي كانت توليه كل الثقة، وباتت بحاجة إلى رؤية تلائمها أكثر مع التعدد الحزبي والطيف السياسي الذي طغى على البوندستاغ بعد الانتخابات العامة العام الماضي ودخول اليمين الشعبوي بقوة، وحلوله أخيراً بالمرتبة الثانية في استطلاعات الرأي على مساحة البلاد. ويعتبر الباحثون أن لدى ميركل ما يكفي من الذكاء لتستجيب بتعقل للرسائل السياسية، وأن تصحح تعاملها مع أعضاء التكتل وتشرح وتروج أكثر لمشاريعها بكثير من الجرأة، وتساهم بما فيه الكافية بتحضير جيل جديد من حزبها للقيادة مستقبلاً. يضاف إلى ذلك لم شمل اتحادها "المسيحي" القوي وتجاوز انتخابات الرئيس الجديد للكتلة، وعدم التعاطي مع منطق أن عدم انتخاب كاودر عقاب لها، وأن تغيير زعيم المجموعة البرلمانية يحمل فرصة للمستشارة للشروع في سياسة جديدة مع تضاؤل سلطتها وقبضتها على قياديي حزبها، وهي التي تتحضر، في بداية ديسمبر/ كانون الأول، لإعادة انتخابها زعيمة للحزب، خلال المؤتمر المقرر انعقاده في هامبورغ. وحتى ذلك الحين عليها أن تستمع وتناقش نواب تكتلها بشكل أفضل، لأنه لا يمكن أن يتم كل شيء وفق تطلعاتها، وانتخاب بديل لكاودر ليس أكبر كارثة يمكن أن تحل على المستشارة، وإنما قد تمنحها، على الأقل، الفرصة لتخفيف حدة المعارضين من نواب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، وهي التي تتعاطى مع نواب "البديل من أجل ألمانيا" في البوندستاغ، بكثير من الهدوء وبعقل بارد، ممزوج بعامل الحنكة والخبرة السياسية.

المساهمون