وثائقي "آل سعود": عائلة في خضم الحرب

وثائقي بريطاني يعرض شهادات من سورية عن تمويل السعوديه للتطرف

10 يناير 2018
الوثائقي يضم ثلاثة أجزاء (فايز نورالدين/ فرانس برس)
+ الخط -

"آل سعود: عائلة في خضم الحرب"، وثائقي بريطاني بدأت شبكة "بي بي سي" في بثه، مساء الثلاثاء، على أجزاء، تكشف فيه السر وراء ارتباط السعودية  بتمويل جماعات متطرفة عبر العالم، وتحديدًا في مناطق النزاعات والحروب الأهلية، مستعرضة، في هذا السياق، شهادات خاصّة من سورية لشخصيّات كانت شاهدة بنفسها على الدور السعودي في تمويل ودعم التنظيمات المتطرّفة هناك، بالعتاد والمال والأسلحة، التي قد تكون قد وصلت، على الأغلب، إلى يد تنظيم "داعش" الإرهابي، وفق ما تخلص إليه الإذاعة البريطانية.

وركّزت الحلقة الأولى من حلقات السلسلة الثلاث، والتي عرضت الثلاثاء، على علاقات العائلة الحاكمة بالحركات المتطرفة، وانتشار التطرف في منطقة الشرق الأوسط والعالم، إذ نقل البرنامج شهادات تتضمن اتهامات للسعودية باستغلال ثروتها لدعم الإرهاب.

وتربط "بي بي سي" بين التطرف، والفكر الوهابي الذي تموّل السعودية وأعضاء من العائلة الحاكمة أنشطته "الدعوية"، وترسم علاقة بين انتشار التشدد الإسلامي والعمل الدعوي السعودي في مناطق يسودها الفقر في العالم الإسلامي؛ مثل الهند، أو المناطق التي تسودها النزاعات، حيث تمول السعودية "المجاهدين"، مثل البوسنة في التسعينيات وسورية حالياً.

ويرى وثائقي هيئة الإذاعة البريطانية أن السعودية، التي استثمرت في دعم المجاهدين ونشر نسختها عن الإسلام الوهابي منذ الثمانينات من القرن الماضي أثناء حرب أفغانستان، استغلت الظروف التي تمر بها دول مثل البوسنة، لتقدم دعماً غير مشروط أحياناً، وأحياناً أخرى يعزز من همينتها على العالم الإسلامي. وذكرت أن السعودية أنفقت 90 مليار دولار خلال العقدين الماضيين في بناء المساجد ونشر التعليم الديني، وتشير إلى إمكانية إساءة استخدام بعض هذه الأموال.

وينقل البرنامج شهادات عن تحولات في المجتمع البوسني، وأحياناً في مناطق نائية، نحو الصورة السعودية من الإسلام، والتي تصفها "بي بي سي" بأنها "طائفية ومتصلبة". بل إن العقيدة الوهابية، كما تصفها الإذاعة البريطانية، "تشكل حاضنة تسمح لأفكار أخرى أكثر تطرفاً بالنمو، ومنها أفكار تنظيم القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة".

كما ينقل أيضاً علاقة السعودية بالداعية الإسلامي الهندي المتشدد، ذاكر نايك، والذي يحظر دخوله إلى بريطانيا بسبب دعمه الفكر المتطرف الذي كان الدافع وراء عدد من الهجمات الإرهابية في الهند وبنغلاديش وبريطانيا، حسب ما يرد في الوثائقي.

كما يحاول البرنامج الربط بين الحكومة السعودية وهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، مقراً بعدم وجود أدلة تربط الحكومة السعودية بالهجمات مباشرة. إلا أن "بي بي سي" ربطت بين حملات التمويل والتبرعات التي تجمع في السعودية، وخاصة من العائلة الحاكمة، بالعاهل السعودي الحالي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قائلة إنه "المسؤول عن جمع التبرعات الموجهة للمجاهدين والحروب المقدسة قبل وصوله إلى سدة الحكم".

ويرى البرنامج، أن السعودية تعرضت لضغوط شديدة من الغرب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، رافقتها الدعاوى المفتوحة ضدها من قبل عائلات الضحايا، إلا أنها لم تتحرك حتى ضربها إرهاب "القاعدة" في عقر دارها.

منذ ذلك الحين، كما يسرد الوثائقي، بدأت السعودية العمل فعلياً على محاربة التنظيمات الإرهابية والتعاون مع الاستخبارات الغربية. وكانت نتائج هذا التعاون "مجدية"، وأدت لمنع وقوع العديد من الهجمات الإرهابية في الدول الغربية، وخاصة لتمكن المخابرات السعودية من اختراق المنظمات المتطرفة.

إلا أن "بي بي سي" لعبت على وتر ألفته الأذن الغربية حين ربطت الأموال والنفط السعوديين بنفوذ العائلة الحاكمة في دوائر صنع القرار في العواصم الغربية. فالسعودية تربطها علاقات قوية بالدول الغربية لثرائها ونفطها، وكونها حليفاً للدول الغربية في منطقة يسودها الاضطراب.

وتنقل "بي بي سي" أجواء التفاؤل التي قدمت مع وصول محمد بن سلمان إلى السلطة، وتعهده علناً في العودة إلى الإسلام المعتدل في نهاية العام الماضي، وهو ما يرى فيه الجنرال الأميركي المتقاعد والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، ديفيد بترايوس، اعترافاً بالدور السعودي في انتشار هذا التطرف.

إلا أن ابن سلمان يستهدف الغرب بتصريحاته هذه، حيث لا يمكن للعائلة الحاكمة السعودية طلاق الفكر الوهابي الذي يشكل أساس شرعيتها. بل يرى البرنامج أن ابن سلمان استهدف بقوانين مكافحة الإرهاب معارضيه في الداخل، وضد قطر في المحيط الخليجي، ويحاول تعزيز صورة السعودية كزعيمة للعالم الإسلامي في وجه النظام الديني الإيراني.

وانطلاقاً من هذه النقطة تتجه البي بي سي إلى سورية، حيث ترسم صورة للنفوذ السعودي في الحركات الإسلامية الجهادية، من جيش الإسلام وحركة أحرار الشام، وصولاً إلى القاعدة وداعش. ورغم نفيها وجود دعم حكومي للأخيرتين، تنقل شهادات عن مقاتلين بوجود تمويل سعودي خاص لهذه المنظمات.

كما يتهم البرنامج السعودية بصب الزيت على النار من خلال تمويل منظمات تربطها علاقات بالقاعدة، في سعيها للإطاحة بنظام الأسد، حليف إيران. وبينما يتجنب البرنامج تقديم السياق السوري للمشاهد، بحيث يعطي انطباعاً بهيمنة الحركات المتطرفة على المعارضة للنظام السوري، ينقل البرنامج عن المعارضة السعودية مضاوي الرشيد، أن السعودية حرفت مسار الثورات الديمقراطية في العالم العربي، لخوفها من انتشار الديمقراطية.

ويرسم البرنامج صورة عن كيفية شراء الحكومة السعودية للأسلحة من أوروبا الشرقية وانتقالها إلى طرف ثالث، يعتقد أنه الأردن، ولتنتقل بعد ذلك إلى الأطراف التي تدعمها السعودية في سورية. وفي هذا السياق، يستعرض الوثائقي شهادات خاصّة لشخصيّات كانت شاهدة بنفسها على هذا الأمر، أحدها مهرّب كان ينقل الأموال والأسلحة والمعدّات اللوجستية من السعودية مباشرة، مرورًا بالأردن، "دون علم السلطات هناك أحيانًا" على حدّ قوله، وصولًا إلى التنظيمات المتطرّفة في سورية، وهي شهادة يدعمها شاهد آخر كان عنصرًا في أحد التنظيمات المنبثقة عن "القاعدة"، على حدّ تعريف القناة.

ويتساءل البرنامج عن مدى مصداقية الإصلاحات الدينية التي وعد بها ابن سلمان، والتي يفترض أن تغير المجتمع السعودي برمته، رغم وجود الأدلة باستمرار دعم أفراد سعوديين لحركات مثل طالبان، التي اشتد نشاطها في المرحلة الأخيرة. كما يضع تساؤلاً حول مدى أهمية مكافحة الإرهاب لدى السعودية التي ترى في محاربة إيران أولوية تعكسها حربها الدموية في اليمن.

وستعرض "بي بي سي" الحلقة المقبلة من البرنامج الثلاثاء المقبل، حيث ستركز فيها على أموال الأمراء من العائلة الحاكمة واستثماراتهم العالمية.