الحسم يقترب في طرابلس: "إعلان تونس" يواجه الانفلات الأمني

الحسم يقترب في طرابلس: "إعلان تونس" يواجه الانفلات الأمني

21 فبراير 2017
إجراءات أمنية عاجلة ستشهدها العاصمة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -



تصطدم الجهود المتتالية والمتعددة لحل الصراع الليبي بواقع الانقسام على الأرض والانفلات الأمني في ظل وجود ثلاث حكومات ومجموعات مسلحة متعددة الولاءات، فكلما برزت مبادرة لدفع تسوية سياسية للأزمة يقابلها تصعيد ميداني يهدد بصراعات جديدة. هذا الأمر تكرر، أمس الإثنين، ففي حين كانت تونس والجزائر ومصر تعلن عن مبادرة لدعم التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، كانت العاصمة الليبية طرابلس تشهد تصعيداً خطيراً تمثل بإطلاق النار على موكب رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، الذي بدا مستعجلاً لمحاولة ضبط الشارع في العاصمة التي يتخذها مقراً له وتقاسمه إياها حكومة الإنقاذ.
ففي موازاة إطلاق "إعلان تونس" الوزاري الثلاثي في العاصمة التونسية لدفع التسوية الليبية، كان موكب السراج الذي ضم رئيس مجلس الدولة عبد الرحمن السويحلي، وقائد الحرس الرئاسي نجمي الناكوع، يتعرض لإطلاق نار أثناء مروره بالقرب من قصور الضيافة (مقرات رسمية)، التي تسيطر عليها قوات موالية لحكومة الإنقاذ. وعلى الرغم من عدم إعلان أي جهة في طرابلس تبنّيها للحادث، إلا أن تعرض الموكب لإطلاق النار بالقرب من مقر حكومة الإنقاذ المناوئة لحكومة الوفاق يشير، وفق البعض، إلى تورطها في الأمر. كما لمّح بيانان صادران عن السراج وعن المكتب الإعلامي للسويحلي إلى اتهام حكومة الإنقاذ بالوقوف وراء الحادث، إذ أشار البيانان إلى تعرض موكبهما لإطلاق النار بالقرب من "القصور الرئاسية" التي تتخذها حكومة الإنقاذ مقراً لها.
وبحسب مصادر خاصة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن السراج عقد اجتماعاً أمنياً على مستوى عالٍ بمشاركة السويحلي والناكوع إثر نجاة موكبهم من الحادث. وقالت المصادر إن "الاجتماع أسفر عن جملة من الإجراءات العاجلة التي ستشهدها طرابلس قريباً تحت مظلة جهاز الحرس الرئاسي بالتنسيق مع وزارات الداخلية والدفاع بالحكومة"، موضحة أن "وزارة الداخلية ستنشر قواتها من جهاز الشرطة والتدخّل السريع وسيتم تفعيل مراكز الشرطة ضمن خطة أطلق عليها اسم المجاهرة بالأمن". لكن المصادر لفتت إلى أن المواجهة المسلحة مع كتائب حكومة الإنقاذ سيتم إرجاؤها إلى حين ظهور نتائج الاتصالات الكثيفة التي تجري حالياً مع مجالس مصراته والزاوية وزليتن وغريان العسكرية التي طُلب منها ضرورة سحب مجموعاتها المسلحة التي وصلت إلى طرابلس أخيراً للانضمام إلى جهاز الحرس الوطني الموالي لحكومة الإنقاذ.
ونقلت المصادر أن "الناكوع أبلغ المجتمعين بوعود قادة دول غربية بسرعة التدخل لإجبار قوات رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل على مغادرة طرابلس". وعن تفاصيل هذه الوعود، أوضحت المصادر أن الناكوع الذي كان برفقة السراج خلال زيارته الأخيرة إلى بروكسل، "تبلغ من بعض قادة قوات (أفريكوم) عزمها على تحذير الغويل من نشر الفوضى في طرابلس، وهو طالب بضرورة تفعيل الحرس الرئاسي لملء الفراغ الأمني الذي تعيشه العاصمة".
وأشارت المصادر إلى أن "افتتاح السراج لمقر جهاز المباحث العامة، أمس، يأتي في إطار تفعيل مؤسسات الحرس الرئاسي الأمنية"، مضيفة أن "المقر الجديد للجهاز حصل على تجهيزات كبيرة وحديثة سيديرها عاملون وصلوا الشهر الماضي بعد أن تلقوا دورات تخصصية في بريطانيا لاستخدامها". وبحسب المصادر، فإن "إطلاق النار على موكب السراج هو تصرف فردي من قبل إحدى المجموعات التابعة للغويل، الذي لا يسيطر على قواته بشكل فعلي، وربما كانت ردة فعل متسرعة وغير مدروسة على مجاهرة السراج بقوته والتي ستحد من نفوذ هذه المجموعات في طرابلس".
وأكدت المصادر أن السراج يتعرض لضغوط عربية ودولية من أجل المسارعة بـ"فرض الأمن في العاصمة طرابلس وفرض سيطرته عليها بعد اتهامه من قبل أغلب داعميه بأنه استغل بشكل سياسي انتصارات قوات البنيان المرصوص في سرت، ليتبين إثرها أنه لا يسيطر عليها فعلياً بعد إعلان أغلبها الانضمام لحكومة الوفاق المناوئة له"، مشيرة إلى أن "الساعات المقبلة ستشهد تسارعاً في الأحداث من أجل إحكام السراج قبضته على المدينة"، لكنها توقعت "عدم حدوث أي صدامات مسلحة مع قوات الغويل التي تتعرض لضغوط هي الأخرى من أجل مغادرة طرابلس". يبقى السؤال مرتبطاً بمدى قبول الغويل بالانصياع لمطالب خروجه من العاصمة طرابلس وقدرته الفعلية على تنفيذها في حال قبوله، ما يجعل المشهد مفتوحاً على كل السيناريوهات بما فيها الصدام المسلح.
وكان المبعوث العربي إلى ليبيا صلاح الدين الجمالي، وصف المستجدات الأمنية في العاصمة طرابلس بأنها "المفاجآت الأمنية"، مشيراً إلى أن الوضع في طرابلس "مقلق جداً" وأن "انتشار مجموعات مسلحة حركت آلياتها العسكرية داخل المدينة ووسط تهديدات أمنية عجّلت بانعقاد اجتماع وزراء خارجية الجوار الليبي لمناقشة كل عناصر الأزمة الليبية".


هذه التطورات الميدانية جاءت بعد ساعات قليلة من اجتماع وزراء خارجية تونس خميس الجهيناوي، ومصر سامح شكري، والجزائر عبد القادر مساهل، في العاصمة التونسية، أمس، بالرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قدّموا خلاله "إعلان تونس" الوزاري الثلاثي لدعم التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، الذي تضمّن أهم بنود مبادرة الحل السياسي الشامل التي تقودها تونس بمشاركة جزائرية - مصرية وترتكز على المصالحة الشاملة دون إقصاء ورفض التدخّل الخارجي وضمان وحدة المؤسسات المدنية والجيش الليبي. وأكد وزير الخارجية التونسي أن تونس ستستقبل جميع الأطراف الليبية بمن فيها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لافتاً إلى أن هذا الأخير سيزور تونس قريباً لبحث المبادرة التونسية.
وينص الإعلان على بنود مبادرة السبسي للحل السياسي عبر الحوار الشامل والمصالحة في ليبيا، والتي ارتكزت على ست نقاط، وفق ما ورد في الإعلان الوزاري، تتمثل في مواصلة السعي الحثيث لتحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا من دون إقصاء في إطار حوار ليبي - ليبي برعاية أممية ومساعدة من الدول الثلاث، والتمسك بسيادة ليبيا ووحدتها الترابية والحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة على قاعدة اتفاق الصخيرات كمرجع، والتوصل لتعديلات له لتطبيقه. كما نصّ الإعلان على رفض أي تدخل عسكري أو خارجي في ليبيا، والتأكيد على أن الحل السياسي لن يكون إلا بين الليبيين وأن يضم الحوار كافة الليبيين مهما كانت توجهاتهم أو انتماءاتهم السياسية، وضمان وحدة المؤسسات الليبية المدنية، المجلس الرئاسي ومجلس النواب ومجلس الدولة، والحفاظ على وحدة الجيش الليبي وفق الاتفاق السياسي الليبي للقيام بدوره في حماية الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
وأورد الإعلان أن جهود الدول الثلاث ستتواصل في العمل على المستوى الوزاري للتنسيق مع الفرقاء الليبيين لتذليل العراقيل التي تواجه تنفيذ اتفاق الصخيرات والبحث عن توافقات لتعديله وصياغات تكميلية له تحظى بموافقة جميع الأطراف الليبية، وسيتم رفع نتائج هذا التنسيق إلى رؤساء الدول الثلاث تمهيداً لعقد قمة ثلاثية بين رؤساء دول الجوار الليبي في الأيام المقبلة، بالإضافة إلى إعداد جدول زمني محدد بعد التشاور مع الفرقاء الليبيين والأمم المتحدة لبلورة هذه المبادرة وتجسيدها.
وشددت الوثيقة الجديدة على احترام مبادئ الشرعية الدولية والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، خصوصاً قرارات مجلس الامن ذات العلاقة بالمسألة الليبية، ومنها قرار توقيع الاتفاق السياسي الليبي باعتباره المرجعية القانونية الدولية للتسوية السياسية في ليبيا.

المساهمون