ترامب يقود الجمهوريين للنصر الانتخابي أم إلى حافة الهاوية

ترامب يقود الجمهوريين للنصر الانتخابي أم إلى حافة الهاوية

23 يوليو 2016
ترامب: أنا وحدي أستطيع إصلاح النظام(جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
كأنّه القيصر يدخل الكولوسيوم (مدرج روماني) على وقع صيحات المناصرين. قال المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب ما معناه أنا حامي ومصلح النظام، وصوت الشعب، وسلطان الحل والربط. رسم في مشهدية سريالية صورة قاتمة عن الولايات المتحدة، وأعاد التأكيد على انعزالية قومية تقبل العالمية لكن بشروط. 


لا يمكن الاستخفاف بما حدث، أول من أمس الخميس، أي في اليوم الأخير من المؤتمر الحزبي للجمهوريين في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو. فالحزب الذي قام على مبادئ التدخل الخارجي، وحماية حلف شمال الأطلسي، والترويج لاتفاقيات التجارة الحرة، يجد نفسه اليوم أمام زعيم غير تقليدي قد يقوده إلى النصر أو إلى حافة الهاوية.

على عكس رؤساء جمهوريين سبقوه، مثل ريتشارد نيكسون أو رونالد ريغان، لم يطلب ترامب من الأميركيين لا الثقة بالله ولا بقدرتهم سوياً على حل مشاكل البلاد، بل قالها بصراحة "أنا وحدي أستطيع إصلاح النظام". اختصر المرشح الجمهوري إرث إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالفشل في حماية الداخل الأميركي، والحدود البرية، وباعتماد سياسة خارجية أضعفت وضعية واشنطن في العالم. ركّز ترامب، خصوصاً، على الشرق الأوسط، لا سيما ليبيا، وسورية، ومصر، بالإضافة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وبروز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ربط كل مسببات الاضطراب العربي بأوباما وبقراره اختيار منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وزيرة للخارجية، واصفاً إرث الديمقراطيين بأنه "موت ودمار وإرهاب وضعف".

كان خطاب ترامب بمثابة لائحة من الوعود التي يحلم بها المحافظون. وعد بأنه سيستعيد الأمن في البلاد عند تسلمه الحكم، مع العلم أن النظام الجنائي تسيطر عليه الولايات والسلطات المحلية وليس الحكومة الفيدرالية. في المقابل، تجرأ المرشح الجمهوري على التحدث عن المثليين في مؤتمر جمهوري، وابنته إيفانكا أشارت قبله إلى حقوق المرأة بلغة تحاكي الأفكار الليبرالية. كل ذلك، تحولات يفرضها ترامب على برنامج الجمهوريين مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية العامة.





خلال أربعة أيام في كليفلاند، كان الجمهوريون في تخبط فكري يوحي بمعركة هوية داخل الحزب تلوح في الأفق. حملة ترامب لم تعط توجيهات إلى مناصريها حول سياسات المرشح الجمهوري، وبالتالي كان هناك إرباك لمؤيديه خلال الحوارات الإعلامية أثناء محاولة الدفاع عن ترامب وشرح مواقفه. خطابه لم يناقض فقط برنامج الحزب الذي تم إقراره في اليوم الأول من المؤتمر، بل هو ابتعاد عن كل ما يمثله الجمهوريون من سياسات ضريبية وأفكار اجتماعية محافظة، وسياسات خارجية.

على عكس أسلافه، لم يقدم ترامب صورة تفاؤلية عن المستقبل بل ناشد مخاوف الأميركيين وتحدث عن الولايات المتحدة كأنها ساحات معركة مفتوحة وحدودها ممر لعصابات إرهابية. تصرّف ترامب كأنه مرشح لمنصب عمدة أميركا وليس لرئاسة البلاد بصلاحيات فيدرالية محدودة وأحياناً معدومة على السلطات المحلية.

قبل ساعات من خطابه، اجتمع ترامب مع كبار المتمولين في الحزب لحثهم على التبرع المالي لحملته. قال لهم إن الحزب موحّد خلفه وما حصل من بلبلة خلال المؤتمر هو تعبير عن غضب منافسيه الجمهوريين الذين خسروا الانتخابات التمهيدية. بدأ ترامب يتصرف كحملة تقليدية في الخطاب والممارسة، على الرغم من التخبط التنظيمي أثناء المؤتمر. حتى خطابه تم تسريبه بالكامل إلى الإعلام قبل ساعات من موعده، وذلك من "مصدر جمهوري" أرسله إلى لجنة سياسية داعمة لحملة كلينتون.

الطعنات التي يتلقاها ترامب من الحزب الجمهوري نفسه لم تتوقف أثناء المؤتمر، ولعلّها ستستمر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. لكن شعبية المرشح الجمهوري وحماسة مناصريه أثناء الخطاب تعكس نفوذ من حصل على أكثر من 13 مليون صوت في الانتخابات التمهيدية، هو الآن حزب ترامب مهما امتنعت القيادات التقليدية أو انتفضت النخب المحافظة. تبنى مناصروه في القاعة كل جزئيات خطابه، حتى تلك التي لا يتفقون فيها معه. وعلى الرغم من غياب المضمون أو الرؤية، قدّم ترامب أفضل حجة حتى الآن ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، واعتبر نفسه مرشح التغيير في وقت سيدافع فيه الديمقراطيون في مؤتمرهم، الأسبوع المقبل، عن الأمر الواقع، وسيحذرون الأميركيين من وصول "تهوّر" ترامب إلى الحكم.



المساهمون