مصر: البرلمان طريق النظام لنقل تبعية تيران وصنافير للسعودية

مصر: البرلمان طريق النظام لنقل تبعية تيران وصنافير للسعودية

01 يناير 2017
توقعات بعودة التظاهرات إلى الشارع رفضاً للاتفاقية(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
رجّحت مصادر برلمانية مصرية، عدم انتظار رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، فصل المحكمتين الدستورية، والإدارية العليا، في الدعاوى القضائية المنظورة أمامهما بشأن بطلان توقيع الحكومة على اتفاقية نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، متوقعة أن يحيل عبد العال الاتفاقية إلى عدد من اللجان المختصة في جلسة يوم غد الإثنين، لإعداد تقرير عاجل عن بنودها.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن هيئة مكتب البرلمان، والتي تقتصر على عبد العال ووكيليه السيد الشريف، وسليمان وهدان، ستجتمع مطلع الأسبوع المقبل، وتأخذ قراراً بإحالتها إلى لجان الشؤون الدستورية، والدفاع والأمن القومي، والشؤون العربية، في محاولة لقطع الطريق على الحكم القضائي المنتظر في 16 يناير/المقبل بشأن طعن الحكومة على حكم بطلان الاتفاقية.
وأشارت المصادر إلى أن تصويت الأغلبية النيابية، المُشكلة بواسطة الدائرة الاستخباراتية-الرقابية للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، محسوم لصالح التنازل عن الجزيرتين للمملكة، من دون إعلان رسمي لحين إجراء بعض الجلسات الصُورية التي ستضم خبراء ومختصين، موالين للنظام، لاستعراض بعض الوثائق الرسمية التي استعانت بها الحكومة في الدعاوى المنظورة قضائياً. ولفتت المصادر إلى مطالبة بعض النواب للحكومة، بإرفاق الخرائط والوثائق التي استندت إليها بشأن الموافقة على الاتفاقية، وأقرت بسعودية الجزيرتين، بعد أن قذفت الحكومة بالكرة إلى ملعب البرلمان، بعد فشلها في الدفاع عن قرارها السابق بالتوقيع على الاتفاقية، وتحميل المجلس النيابي المسؤولية بإقراره الاتفاقية، في ظل حالة الغضب الشعبي الواسع، الرافض للتنازل عن الجزيرتين.
وعمدت الحكومة إلى إقحام مجلس النواب في أحد الطعون المنظورة أمام القضاء، بعد أن تقدّمت هيئة قضايا الدولة بطعنها الأخير، نيابة عن الحكومة ومجلس النواب، أمام المحكمة الإدارية العليا على حكم رفض الاستشكال المقام لوقف حكم بطلان الاتفاقية.
ويسعى نظام السيسي إلى استرضاء الرياض بعد توتر العلاقات المصرية السعودية أخيراً، وقطع الأخيرة إمداد مصر بالمواد البترولية، نتيجة مواقف القاهرة من الحرب السورية. وكان الناشط الحقوقي، المحامي خالد علي، قد كشف قبل ثلاثة أيام عن لجوء نظام السيسي لسيناريو بديل، للتنازل عن الجزيرتين "كعربون صلح بين البلدين"، عن طريق افتعال خلاف بين السلطتين التشريعية والقضائية، بعد تقدّم البرلماني مصطفى بكري ببيان عاجل الإثنين الماضي، للمطالبة بإرسال الاتفاقية إلى البرلمان، بعدما تذكر مخالفة الدستور، بعد مرور تسعة أشهر على توقيع الاتفاقية.
يأتي ذلك في ما قضت محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة، أمس السبت، بتأييد قرار سابق يوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وما يترتب عنها من نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة. إلا أنه لا أهمية فعلية لهذا القرار، وفق مراقبين.
وتوقع عددٌ من الخبراء والبرلمانيين المصريين عودة التظاهرات وحالات الغضب من جديد في الشارع خلال الأيام المقبلة بعد موافقة مجلس الوزراء في اجتماع له الخميس الماضي، على ضم جزيرتي تيران وصنافير إلى حدود السعودية طبقاً للاتفاقية البحرية الموقعة بين البلدين في 18 أبريل/نيسان الماضي. وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن هناك تفكيراً في تنظيم حملة والدعوة لتظاهرات جديدة خلال الفترة المقبلة، رفضاً لإصرار وتعمد النظام التفريط في الأرض المصرية، والحشد للضغط على البرلمان لعدم مناقشة الاتفاقية.
وأقام المحامون الحاصلون على حكم بطلان تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، دعوى قضائية أمس السبت، أمام محكمة القضاء الإداري في القاهرة لإلغاء قرار الحكومة بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية وإحالتها لمجلس النواب بالمخالفة لحكم محكمة القضاء الإداري الصادر ببطلان التوقيع على الاتفاقية وحكمين آخرين بإلزام الحكومة بتنفيذه.
وذكرت الدعوى أن "الحكومة اعتدت بشكل سافر على نصوص الدستور، واغتالت المشروعية، واستخفت بأحكام القضاء واجبة النفاذ التي أكدت بطلان تلك الاتفاقية وألزمت المطعون ضدهم بتنفيذ حكم البطلان، مما يجعل تلك الاتفاقية والعدم سواء، خاصة أن المحكمة الإدارية العليا لم توقف تنفيذ تلك الأحكام ولم تلغها بل حجزت القضية للحكم بجلسة 16 يناير/كانون الثاني 2017". وقال المحامون إن "القرار يهدر نصوص الدستور من ناحية امتناعه عن تنفيذ الأحكام، ويهدر حجية أحكام القضاء الإداري...".
فيما رأى مراقبون أن الهدف من موافقة مجلس الوزراء هو تهدئة التوتر مع السعودية، والذي ظهر إلى العلن أخيراً، خصوصاً بعد تصويت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي حول سورية. وأشاروا إلى أن موافقة مجلس الوزراء جرت بضوء أخضر من النظام، بهدف عودة العلاقات مرة أخرى، مؤكدين أن عودة العلاقات يجب ألا تكون من خلال التنازل على جزء من الأراضي المصرية، متوقعين انتهاء القضايا التي تنظرها المحاكم المصرية حالياً بخصوص ملف الجزيرتين لصالح السعودية، بعد الكثير من قرارات المحاكم بالتأجيل خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يؤكد تدخّل النظام في القضاء، خصوصاً في القضايا ذات البعد السياسي.


وقال أستاذ القانون الدستوري، فؤاد عبد النبي، إن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تقضي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للأخيرة، غير دستورية تماماً. وأضاف عبد النبي لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاقية تخالف خمسة نصوص للدستور المصري الصادر في 2014، وبالأخص المادة 151 التي تحظّر توقيع أي اتفاقية يترتب عليها التنازل عن أي إقليم من الدولة المصرية.
وتابع أن كل محاولات الحكومة لتمرير الاتفاقية ستفشل تماماً، خصوصاً أنها مخالفة للدستور والقانون، وإذا ناقش مجلس النواب الاتفاقية ووافق عليها، فإنها تُعتبر جريمة جنائية بنصوص قانون العقوبات وتحديداً المادة 77. وتنص المادة 77 من قانون العقوبات المصري، على: "يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد، أو وحدتها، أو سلامة أراضيها". ولفت إلى أن مجلس النواب بمناقشة الاتفاقية التي لا تزال منظورة أمام المحكمة الإدارية العليا، يزجّ بنفسه في هذه الأزمة وبخلاف الجريمة الجنائية، فيكون مشكوكاً بشرعيته أمام الشعب المصري.
وحول دفع الحكومة بأن الاتفاقية من أعمال السيادة، وبالتالي لا يحق للقضاء الإداري النظر فيها، أكد أستاذ القانون الدستوري، أن هذا الأمر لا أساس له من الصحة، لأنه يصطدم بنص المادة 151 من الدستور في الفقرة (ج)، والتي تنص على ألا يترتب على توقيع الاتفاقية تنازل عن أي إقليم في الدولة. وتنص المادة 151 من الدستور المصري، على: "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".
وعن حديث بعض الأطراف في الدولة ونواب عن إجراء استفتاء على الاتفاقية، شدد عبد النبي على أن هذا الأمر غير دستوري أيضاً، وكل محاولات التحايل على الدستور سيكون مصيرها الفشل، هذه قضية محسومة سلفاً. وأوضح أن دفع الحكومة باتجاه عدم مصرية الجزيرتين من الأساس، لن تكون له أي قيمة أمام النصوص الدستورية، في ظل عدم وجود ما يثبت سعودية تيران وصنافير. ولفت إلى أن السيسي والحكومة ليس لهما سيادة مطلقة، ولكن الدستور نصّ على أن الشعب هو صاحب السيادة، وبالتالي فلا يحق لأي رئيس أو نظام أن يتنازل عن إقليم من الدولة بأي صورة مهما كانت، فهي أشبه بوعد بلفور إذ إن السيسي أعطى "ما لا يملك إلى من لا يستحق".
من جهته، قال الخبير السياسي محمد عز، إن النظام المصري يحاول التحايل على أحكام القضاء المصري، ويضرب بها عرض الحائط، لتحقيق أهداف سياسية خاصة. وأضاف عز لـ"العربي الجديد"، أن أذرع النظام دائماً ما تطالب باحترام أحكام القضاء، فيما النظام هو أول من رفض الامتثال لها، وسط إصرار على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
واعتبر أن السيسي يحاول الإسراع في حسم قضية تيران وصنافير بعدما وجد ربما ممانعة من المحكمة الإدارية العليا للانصياع لتعليمات خاصة بقبول طعن الحكومة على حكمة نهائي من القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية. وأشار إلى أن السيسي يحاول أن يخطب ود السعودية بالتنازل عن الجزيرتين، من خلال مجلس النواب، بما يُحدث خلطاً للأوراق وتصبح القضية برمتها مثار جدل جديد ويضع البرلمان في وجه السلطة القضائية.