أحكام قضية "الشبكة" تقلق الحقوقيين في روسيا

أحكام قضية "الشبكة" تقلق الحقوقيين في روسيا

12 فبراير 2020
يشكك حقوقيون روس في قضية منظمة "الشبكة" (ألكساندر شربك/Getty)
+ الخط -

"هذا جنون"، هكذا يصف مدير "اللجنة من أجل الحقوق المدنية"، عضو مجلس حقوق الإنسان التابع للرئاسة الروسية، أندريه بابوشكين، الأحكام الأخيرة بالسجن المشدد التي تراوح بين 6 و18 عاماً بحق سبعة متهمين في قضية منظمة "الشبكة" اليسارية الراديكالية المحظورة، مشككاً في قوة الأدلة ومتحدثاً عن شبهة وقائع تعذيب تخلّلت التحقيقات للحصول على اعترافات من المتهمين.

وأصدرت المحكمة في مدينة بينزا، جنوبي شرق موسكو، أول من أمس الاثنين، أحكامها في القضية التي أثارت جدلاً واسعاً في روسيا وتعود حيثياتها إلى العام 2017. وجاء الحكمان الأكثر قسوة بحقّ منظمي "الشبكة"، وهما دميتري بتشيلينتسيف (27 عاماً)، الذي حكم عليه بالسجن 18 عاماً، وإيليا شاكورسكي (23 عاماً)، الذي حكم عليه بالسجن 16 عاماً.

ويقول بابوشكين تعليقاً على القضية، في حديث مع "العربي الجديد": "لم يكن رفع القضية مشروعاً من أساسه، إذ تعرّض عدد من الشبان من أصحاب التوجهات المعارضة للتحريض والتعذيب". علماً أنّ أجهزة الأمن الروسية تواجه انتقادات من قبل حقوقيين بسبب اللجوء إلى التحريض على ارتكاب الجرائم في قضايا مثل الفساد والمخدرات والتطرف، بدلاً من التركيز على التحقيقات في الجرائم المرتكبة بالفعل.

ومع ذلك، يرجح بابوشكين أنّ هناك فرصاً كبيرة للطعن في الحكم في قضية "الشبكة"، ويقول: "أعتقد أنّ هناك فرصة كبيرة للطعن في الحكم، إذ تعرض المتهمون لاستخدام أساليب تعذيب جسدية محظورة بحقهم، كما أنّ القضية أثارت صدًى اجتماعياً ودولياً كبيراً".

ومن المؤشرات التي تعزّز فرضية لجوء أفراد جهاز الأمن الفدرالي الروسي إلى استخدام التعذيب أثناء التحقيقات، اعتماد القضية على اعترافات المتهمين الذين نفوا التهم الموجهة إليهم أمام المحكمة في ما بعد، مؤكدين أنّ اعترافاتهم جاءت تحت الضغط والتعذيب، بما في ذلك استخدام الصعق بالتيار الكهربائي.

وفي الوقت الذي تزعم فيه رواية جهاز الأمن الروسي أنّ عدداً من الشبان "من أنصار الحركات الفوضوية" (أناركية) شاركوا في نشاط منظمة "الشبكة" التي كانت تخطط لتنفيذ "أعمال إرهابية بهدف إثارة تمرّد مسلح"، يشير الصحافي في موقع "أو في دي إنفو" الحقوقي، ألكسندر ليتوي، إلى شقين من المخالفات تخللا القضية، يتعلّق أولهما بضعف الأدلة، والثاني بتصنيف القضية.


ويقول ليتوي في حديث مع "العربي الجديد": "الحكم ظالم ويفتقد إلى الأدلة، إذ لا توجد أي ضمانات بأنّ دليل السلاح الذي تمّ العثور عليه لم تتم فبركته، كما أنه لا يوجد ما يثبت صحة التسجيلات الصوتية. أضف إلى ذلك أنّ المتهمين تعرضوا للتهديد والتعذيب أثناء التحقيقات معهم".

ولما كان المتهمون في قضية الشبكة قد واجهوا تهماً بموجب المادة 205.4 من القانون الجنائي الروسي (تنظيم جماعة إرهابية والمشاركة فيها)، يشير ليتوي إلى عدم دقة تصنيف القضية، موضحاً "في حال كانت الأدلة سليمة، وهو أمر مشكوك فيه، فأقصى حكم عقلاني في مثل هذه القضية هو السجن لمدة خمس سنوات، إذ لا توجد أي أدلة تؤكد أن هؤلاء الشبان اعتزموا تنفيذ عمليات قتل أو تفجيرات، ما يعني أنه لا يجوز تصنيف القضية بموجب المادة 205.4".

ويرفض الصحافي الحقوقي الروسي التكهن بفرص الطعن في الحكم، ويقول: "يصعب في روسيا التنبؤ بمصير الطعن في الأحكام الذي بات يعتمد على الظروف المتغيرة، فربما سيتم الإفراج عن بتشيلينتسيف بعد عامين، أو ربما سيقضي الـ18 عاماً كاملة وراء القضبان".

وفي كلمته الأخيرة أمام المحكمة، أكد بتشيلينتسيف أنه لم يهتم بالسياسة على الإطلاق، ولكنه أدرك خلال أكثر من عامين قضاهما رهن الحبس الاحتياطي أنّ البلاد لم تسر على الطريق الصحيح، وفق تعبيره.

بدورها، وصفت والدة بتشيلينتسيف، وتدعى سفيتلانا، المحاكمة بأنها كانت أشبه بـ"سيرك"، قائلةً للصحافيين في ختام جلسة النطق بالحكم: "أعتقد أنه لا يجب عقد أي محاكمات في بلادنا حفاظاً على الوقت والجهود والانفعالات، إذ سيُسجن الجميع بتعليمات من جهاز الأمن الفدرالي".

وتعود جذور قضية "الشبكة" إلى العام 2017، حين بدأ أفراد جهاز الأمن الفدرالي الروسي بتوقيف عدد من الشبان في مدينتي بينزا وسانت بطرسبورغ بتهمة "تشكيل جماعة إرهابية".

ووفق رواية التحقيق والاتهام، فإنّ مدرب الرماية بتشيلينتسيف قرّر جمع هؤلاء الشبان من بينزا وسانت بطرسبورغ وموسكو ضمن "مجموعات قتالية" لشنّ هجمات على مقار جهات السلطة ومراكز التجنيد وفروع حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، و"تحريض الجماهير على مواصلة زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد"، وذلك عن طريق تنفيذ هجمات بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، وبطولة العالم لكرة القدم التي استضافتها روسيا في العام 2018.

وفي إبريل/ نيسان من العام الماضي، تمّ إدراج "الشبكة" على قائمة المنظمات الإرهابية إلى جانب تنظيم "داعش" وحركة "طالبان" الأفغانية، على الرغم من أنّ أفراد "الشبكة" لم يدبروا أي أعمال عنف.

دلالات