فرنسا والاتفاق النووي الإيراني: حسابات رابحة

فرنسا والاتفاق النووي الإيراني: حسابات رابحة

17 يوليو 2015
فابيوس: "لا للنووي العسكري، نعم للنووي السلمي" (Getty)
+ الخط -
بدا وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، كما لو أنّه غيّر جلده بعد الاتفاق النهائي مع إيران حول برنامجها النووي. حاول أن يبدو بمظهر الدبلوماسي المتفائل بالتداعيات الإيجابية للاتفاق، بعد أن قام، حتى وقت قريب، بدور المتشدد في المفاوضات.
وفي تصريح إذاعي له، يوم الثلاثاء الماضي، أعاد فابيوس التأكيد بأن الاتفاق هو "انتصار للدبلوماسية الغربية ويجب رؤية الأشياء من زاوية معاكسة، كي يتم فهم هذا الانتصار"، موضحّاً وجهة نظره بالقول "إنه لو لم يتم التوصل إلى اتفاق، لكانت إيران ستمضي قدماً في تصنيع القنبلة النووية، وكانت الأمور ستذهب باتجاه حرب غربية ضد إيران، وهو الاحتمال الذي كان سيشكل كارثة على الشرق الأوسط".

بالنسبة لفابيوس، يتمثل الإنجاز الأساسي من هذا الاتفاق في الفصل بين النووي العسكري والنووي السلمي الإيراني، والتخفيض من القدرة على التخصيب النووي والرفع التدريجي للعقوبات وتشديد المراقبة الدولية على المنشآت والمختبرات النووية الإيرانية، وإبقاء الحظر على شراء السلاح لمدة 15 عاماً، والحظر على الصواريخ الباليستية لمدة 8 سنوات.

خطاب فابيوس لم يمنع بعض المراقبين من التساؤل حول طبيعة الهامش الذي كانت تتمتع به الدبلوماسية الفرنسية في هذه المفاوضات، وهي التي كانت تتخندق خلف موقف متصلب وحازم تجاه إيران، وما إذا كان هذا الموقف يعكس حقيقة الحجم الفرنسي بالمقارنة مع الدور الأميركي المهيمن في المفاوضات مع إيران.

في هذا الصدد، يقول المحلل السياسي، رامي خليفة العلي، لـ"العربي الجديد" "لا أعتقد أنّ الاتفاق النووي الإيراني ضربة للدبلوماسية الفرنسية التي كانت متشددة إزاء المفاوضات"، مشيراً إلى أنّ "منطقة الشرق الأوسط هي منطقة نفوذ أميركية أساساً، وبالتالي فإن التحرك الفرنسي كان ضمن الهامش المتاح أميركياً حتى في تشدده".
ويرى العلي أن "فرنسا أرادت أن تكون الصوت الخليجي في المفاوضات، لأنها تعلم أن ذلك الموقف سيُصرف اقتصادياً. وهذا ما حدث بالفعل من خلال الصفقات والعقود الفرنسية التي أبرمت أخيراً في عدد من الدول الخليجية".
ويعتقد العلي أنّ فرنسا لم تخسر الكثير من تشددها بل "على العكس ربحت في الحالتين، لأنّها سوف تنخرط أيضاً في اقتسام الكعكة الاقتصادية الإيرانية مع الشركاء الغربيين".

وكان لافتاً أن فابيوس أصرّ في تصريحاته الأخيرة على أن هذا الاتفاق الذي "يضمن الطبيعة السلمية الجوهرية للبرنامج النووي الإيراني مطابق تماماً للموقف الفرنسي الثابت منذ بدء المفاوضات مع طهران، والذي كان دائماً يقول بوضوح: لا للنووي العسكري ونعم للنووي السلمي".
وفي محاولة لطمأنة المشككين في حقيقة النيات الإيرانية، أكّد فابيوس أنّه في حال اعتبرت إحدى دول مجموعة 5+1، بأن إيران تخرق الاتفاق، فسيتم إعلام اللجنة المشتركة التي تضم ممثلي الدول الست وإيران، وسيُفتح النقاش حول الخرق المحتمل في أجل أقصاه 65 يوماً، كما تنص على ذلك مسودة الاتفاق. وفي حال عدم التوافق، بإمكان أي دولة عضو في مجموعة خمسة زائد واحد، أن ترفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم مشروع قرار لإعادة العقوبات ضد طهران.

اقرأ أيضاً: فابيوس يشترط تفتيش المواقع العسكرية لقبول اتفاق مع إيران

من جهته، يرى المحلل السياسي مصطفى الطوسة في حديث لـ "العربي الجديد"، أن تثبيت هذه الشروط المتشددة في مسودة الاتفاق، يدل على أن فرنسا نجحت في نهاية المطاف في إقناع الأميركيين بتبني بعض مواقفها المتشددة. ويقول الطوسة إنه "لولا التحفظات الفرنسية التي كانت متجاوبة إلى حد كبير مع التحفظات السعودية والإسرائيلية، لتمّ توقيع اتفاق مع إيران من دون شروط حازمة في مرحلة المفاوضات السابقة في لوزان، وخصوصاً في ما يخص الرفع التدريجي للعقوبات مقابل ضمانات واضحة وملموسة، وليس الرفع الفوري كما كانت تطالب بذلك طهران. من هذا المنطلق يمكن أن نؤول شروط الاتفاق الحازمة بكونها مكسباً فرنسياً". 

في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من وزارة الخارجية الفرنسية لـ "العربي الجديد"، أنّ "المكاسب السياسية لفرنسا من هذا الاتفاق، تكمن في التداعيات الاستراتيجية لعودة طهران إلى الساحة الدولية بدور أقل تطرفاً وأكثر إيجابية بشكل ينسجم مع التطلعات الفرنسية والغربية". وهذا ما عكسه بشكل مبطن تأكيد فابيوس يوم الثلاثاء، بأن "إيران تقوم بأدوار سلبية في لبنان وسورية واليمن، لكنها في المقابل تقوم بدور إيجابي في الحرب ضد تنظيم داعش"، مشيراً إلى أنّه طلب من وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف بأنّ "على إيران أن تقوم بأدوار إيجابية في المنطقة".

إذاً، تُختصر النظرة الدبلوماسية الفرنسية إلى مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، بمنع إيران من تصنيع القنبلة النووية، وإطلاق يدها على كل ما يخص النووي السلمي، وإيجاد أرضية تفاهمات وتسويات حول الأزمات شرق أوسطية الساخنة في سورية والعراق واليمن. غير أن الربح الأساسي للدبلوماسية الفرنسية يكمن حتماً في الشق الإقتصادي وعودة الشركات الفرنسية إلى السوق الإيرانية.
وبحسب تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، نشر العام الماضي، فإنّ العقوبات الدولية كانت كارثة بالنسبة للمبادلات التجارية بين فرنسا وإيران التي هوت من 4 مليار يورو عام 2004 إلى 500 مليون يورو عام 2013. وتتطلع باريس إلى عودة قوية لشركة "توتال" النفطية وشركتي صناعة السيارات "رونو" و"بيجو"، وصناعات الأدوية والعطور والتجميل.

ويقول المحلل الإقتصادي، خالد قروي، لـ "العربي الجديد"، إنّه "على الرغم من العلاقات المتشنجة بين فرنسا وإيران في العقدين الأخيرين، لا تزال فرنسا ماركة تجارية تتمتع بسمعة طيبة في الأوساط الإيرانية، غير أن السمعة الطيبة لا تكفي وحدها، فالشركات الفرنسية ستواجه لا محالة منافسة شرسة أوروبياً وآسيوياً وأميركياً، والإيرانيون سيضعون قطعاً مصالح بلادهم الاقتصادية فوق كل اعتبار".

يفترض أن فابيوس سيزور طهران قريباً، بدعوة من نظيره الإيراني ظريف، كما أكد ذلك في آخر تصريحاته، من أجل إطلاق صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. ويبقى السؤال حول كيفية تغيير نظرة الإيرانيين الذين عانوا منه كثيراً في الأشهر الأخيرة، وإمكانية محو صورة "الشيطان الصغير" التي علقت في أذهانهم.

اقرأ أيضاً الاتفاق النووي والتنازلات المتبادلة: العقوبات مقابل القنبلة