انتخابات أفريقيا الوسطى اليوم: استحقاق مؤجَّل لإنهاء الحرب الأهلية

انتخابات أفريقيا الوسطى اليوم: استحقاق مؤجَّل لإنهاء الحرب الأهلية

30 ديسمبر 2015
مناصرو المرشح الرئاسي ميكاسُوا (إسوف سانوغو/فرانس برس)
+ الخط -
بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية الدامية، يُدلي اليوم الأربعاء، الناخبون في جمهورية أفريقيا الوسطى، بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والتشريعية.  

وكانت هذه الانتخابات مقررة في 27 من الشهر الجاري، إلا أنها تأجلت بسبب مشاكل لوجستية تتعلق ببطاقات الناخبين والتأخير في إعداد مكاتب التصويت في الأرياف والمناطق النائية. مع العلم، أن هذه الانتخابات تأجلت ثمان مرات منذ مارس/ آذار 2014. 

اقرأ أيضاً: أفريقيا الوسطى: عودة الاقتتال الطائفي ترجّح تأجيل الاستحقاقات الدستورية

ويأمل الجميع في الداخل والخارج، بأن يكون هذا الاستحقاق خاتمة للمرحلة الانتقالية، ومفتاحاً لمرحلة سلام مدني، تُخرج البلاد من دوامة العنف الطائفي بين الغالبية المسيحية والأقلية المسلمة التي اندلعت في مارس/آذار 2013، إثر الانقلاب الذي أطاح بالرئيس فرانسوا بوزيزي من طرف متمردي حركة "ساليكا"، ذات الغالبية المسلمة وزعيمها ميشيل جوتوديا. 

وبلغت أعمال العنف ذروتها في نهاية عام 2013، حيث وقعت مذابح جماعية وعمليات تهجير قسري لآلاف السكان في محيط العاصمة بانغي والمحافظات الريفية. وتحت ضغط الأسرة الدولية والتدخل العسكري الفرنسي خصوصاً، اضطر زعيم الانقلاب جوتوديا إلى الاستقالة من منصب الرئاسة وتسليم مقاليد الحكم إلى كاترين سامبا بانزا، التي ترأست مجلساً انتقالياً لإدارة شؤون البلاد في انتظار تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.   

ورغم الحضور العسكري الفرنسي في إطار "عملية سانغاري"، والتي يبلغ قوامها 900 جندي، وجهود قوات بعثة الأمم المتحدة "مينوسكا" في بانغي، لم يتمكن المجلس الانتقالي من وضع حد للتوتر الطائفي وللأزمة الاجتماعية والفقر المدقع الذي يعاني منه السكان والمهجّرون، نتيجة اقتصاد مخنوق يعيش على الإعانات الدولية والفرنسية تحديداً. وسادت البلاد بارقة أمل في الشهور الأخيرة، بفضل انحسار نسبي لأعمال العنف وعودة الهدوء إلى العاصمة ومخيمات اللاجئين في ضواحيها.

وكان المتمردون السابقون في حركة "ساليكا" الذين انسحبوا إلى شمال شرق البلاد، قد حاولوا عرقلة التصويت بالقوة بزعامة قائدهم الجديد نورالدين آدم، الذي أعلن انفصال المناطق التي يسيطر عليها. لكن هذا الأخير تراجع تحت ضغط العسكريين الفرنسيين، وبفضل تدخل تشاد التي لا تزال تتمتع بنفود كبير على المتمردين المنتمين في غالبيتهم الساحقة للأقلية المسلمة. 

كما أنّ الموالين للرئيس المخلوع بوزيزي من حركة "مناهضو باكالا"، حاولوا بدورهم عرقلة التصويت في معقلهم بمحافظة بوسونغوا، غير أنهم تراجعوا تحت ضغط القوات الفرنسية وبعثة الأمم المتحدة اللتين نجحتا في إقناع الطرفين بضرورة تنظيم الانتخابات والتعامل لاحقاً مع الرئيس المنتخب من أجل عقد مصالحة وطنية، تحفظ مصالحهما وتقي البلاد من الاستمرار في الحرب الأهلية.  

ويجمع المراقبون في بانغي على أن نتائج هذا الاقتراع بشقيه الرئاسي والتشريعي، غير محسومة ومفتوحة على كل الاحتمالات. ومن بين 30 مرشحاً للانتخابات الرئاسية، قد ينحصر التنافس بين ثلاثة مرشحين أساسيين. ويبقى المرشح الأوفر حظاً هو مارتان زيغيلي البالغ من العمر 58 عاماً. وهو رئيس وزراء سابق في عهد الرئيس الراحل آنج فليكس باتاسيه. غير أنه يواجه انتقادات شديدة واتهامات بدعمه لتمرد حركة "ساليكا"، وهو الأمر الذي ينفيه بشدّة. كما أنّ معارضيه يعتبرونه مرشح القوات الفرنسية لكونه عضوا في الأممية الاشتراكية، التي يتمتع فيها الحزب "الاشتراكي" الحاكم في فرنسا بنفوذ كبير.

وهناك أيضاً المرشح أنيسيت دولوغيلي، ويبلغ هو الآخر 58 عاماً. وكان أيضاً وزيراً في حكومة الرئيس الراحل باتاسيه، ويلقى مساندة كبيرة من قبل الدوائر المالية في الداخل، وأيضاً من قبل الدائنين والمستثمرين الأجانب في أفريقيا وفرنسا. كما يحظى دولوغيلي بدعم الموالين للرئيس السابق بوزيزي من طائفة "غباياس" التي تمثل شريحة مهمة من الناخبين. 

إضافة إلى زيغيلي ودولوغيلي، هناك المرشح المسلم كريم ميكاسُوا البالغ من العمر 61 عاماً. سبق أن تقلّد ميكاسُوا عدّة مناصب وزارية في عهد الرئيس المخلوع بوزيزي وهو يتمتع بعلاقات جيدة مع القوى الإقليمية الافريقية خصوصاً جمهورية الكونغو الديمقراطية، ورئيسها دونيس ساسو نغيسو. كما يرتبط بعلاقات جيدة مع وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان.

ويعتبر تنظيم هذه الانتخابات بحد ذاته تحدياً كبيراً في جمهورية أفريقيا الوسطى، نظراً للفوضى الكبيرة التي تتخبط فيها البلاد، وانهيار البنى التحتية وتلاشي مؤسسات الدولة خصوصاً في المحافظات الريفية، حيث لا يزال السلاح هو اللغة السائدة بين القبائل. وهذا ما عكسه الاستفتاء العام الذي تم تنظيمه في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ورغم سيره المتعثر، فإن تبني دستور جديد أفسح المجال، تشريعياً، أمام تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

ولحل المشاكل التقنية العسيرة التي تهدّد سير هذه الانتخابات، قامت بعثة الأمم المتحدة بعمليات تدريب عاجلة لمئات الموظفين الذين يشرفون على مكاتب التصويت بعدما اكتشفت أنه تم إلغاء نتائج العديد من مكاتب التصويت خلال الاستفتاء، لكون المشرفين عليها كانوا أميين ولا يتقنون الحساب. 

وقامت بعثة الأمم المتحدة بمساندة جهازي الجيش والدرك الخاضعين لسلطة المجلس الانتقالي بعملية انتشار واسعة في المدن والأرياف، لتأمين سير هذه الانتخابات ومنع الصدامات بين ميليشيات "ساليكا" و"مناهضو باكالا". ومن المتوقع أن تستمر عمليات فرز وحساب نتائج هذين الاقتراعين لبضعة أيام بسبب الحالة المتردية للبنى التحتية والصبغة البدائية لمكاتب التصويت في المحافظات الريفية.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تجاهلت اغتصاب جنود أجانب لنساء أفريقيا الوسطى