أصوات الفيدراليين تعلو بليبيا مجدداً: هل يحييها حفتر... ولماذا؟

أصوات الفيدراليين تعلو بليبيا مجدداً: هل يحييها حفتر... ولماذا؟

19 يوليو 2018
لا ينتمي حفتر إلى شرق ليبيا قبلياً(لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال تداعيات قرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر بنقل تبعية موانئ وحقول النفط إلى مؤسسة نفط موازية في بنغازي مستمرة، على الرغم من تراجعه عنه تحت ضغوط دولية، لكن أخطر تلك التداعيات بروز مطالب الفيدرالية، وربما الانفصال أيضاً، فما علاقة حفتر بها؟

أجّج قرار حفتر نهاية الشهر الماضي بنقل تبعية النفط إلى مؤسسات موازية في الشرق، نزعة الفيدرالية مجدداً، والتي لا تتوقف عن الظهور عند أول فرصة تتاح لها طيلة سنوات الثورة الثماني الماضية، فقد باركت القوى الفيدرالية، التي جمعت شملها تحت مسمى "التكتل الفيدرالي"، الخطوة واعتبرتها، بحسب بيانٍ رسمي لها حينها، رفعاً لـ"الظلم عن أهالي إقليم برقة وإحقاقاً لحقوقهم المسلوبة جرّاء عدم التوزيع العادل لعائدات النفط"، حيث يعتقد الفيدراليون أنهم الأحق بالحصول على قسم كبير من واردات النفط الذي تخرج 80 في المئة منه من أراضيهم.

وإثر رجوع حفتر عن قراره في 11 من شهر يوليو/تموز الحالي، حاول التكتل الفيدرالي إدراج بعض الشروط، في ما يبدو التفافاً على هذا القرار، بأن تعتمد سلطات البلاد معايير لتوزيع عائدات النفط على أساس الأقاليم الثلاثة لليبيا.

وأوضح التكتل، في بيان أصدره الثلاثاء الماضي، أن الإخلال بهذا الشرط، يعني تصعيد التكتل لـ"مطالبه في أن قانون تقاسم عوائد البترول الصادر فـي يوليو 1958 هو البديل"، معلناً رفضه لـ"أي مساهمة أو مشاركة من قوى برقاوية في تمرير مشاريع تنتهك حقوقنا وحقوق الأجيال المقبلة فـي ثرواتنا بخروجها عن هذه الاشتراطات والمعايير".

ولم يتوقف تصعيد المطلب الفيدرالي الناتج عن قرار حفتر عند هذا الحد، فقد حفلت الندوة الصحافية التي عقدها ليل أمس، الأربعاء، كل من فتحي المجبري، عضو المجلس الرئاسي المنسحب، وعلي القطراني، العضو الآخر المنسحب سابقاً - وهما من الشرق الليبي - مع عدد من نواب برقة، بتصعيد المطالب الفيدرالية.

فبعد ترحيبه بإعلان المجبري انسحابه، طالب القطراني كل الوزراء والشخصيات السياسية الموجودين في حكومة الوفاق بالانحساب أيضاً، قائلاً "نعلن انسحاب برقة من المجلس الرئاسي، وندعو الإخوة المفوضين بالوزارات إلى الانسحاب من حكومة الوفاق، والخروج من طرابلس احتراماً لدماء شهداء برقة، ولأعضاء المجلس الرئاسي المقاطعين".

وذهب القطراني أبعد من ذلك، حين صرّح بأن القضية يجب أن تدخل فيها زعامات قبلية من الشرق، كون القرار مصيرياً، معتبراً أن "القضية أكبر من أن تكون في يد النواب وحدهم، ولكن يجب نقلها إلى أهلنا من المشايخ والحكماء ومؤسسات المجتمع المدني، لأنه قرار مصيري، ونحن نطالب بحقوق برقة".

وخلال الندوة، طالب أيضاً النائب عيسى العريبي، وهو من الفيدراليين المتشددين، بضرورة "حصول برقة على نصيبها من النفط" و"تغيير العاصمة"، مشيراً إلى أن "80 في المئة من نفط البلاد يخرج من برقة، ويتمّ حرمانها من الخدمات، بينما تحصل مدن أخرى، مثل مصراتة، على الملايين"، مشترطاً "إما خروج المليشيات من طرابلس، وإما دخول الجيش (أي قوات حفتر) إليها أو تغيير العاصمة".

وطالب النائب الفيدرالي الآخر، طلال المهيوب، بـ"نقل العاصمة من طرابلس إلى رأس لانوف أو سرت"، معتبراً أن إجراء انتخابات في ظلّ سيطرة المليشيات على طرابلس "أمر غير مقبول، بل مستحيل".


وعن عودة المطلب الفيدرالي، أكد محمد العبيدي، أحد نشطاء الفيدرالية في بنغازي، أن ذلك يأتي "للتحايل على فكرة تقسيم البلاد".

وقال العبيدي، في معرض حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "دولة واحدة ورئيساً وعلماً واحداً هو أمر لن يحصل في ظلّ هذا الانقسام المستمر، إلا من خلال نظام فيدرالي"، محذراً من تهميش الأصوات الفيدرالية ومطالبها، لأن ذلك "سيقود إلى إفساح المجال للانفصاليين بالفعل، وعندها لن ينفع الاعتراف بالنظام الاتحادي".

واعترف العبيدي بأن ظهور التيار الفيدرالي إلى الواجهة مجدداً "جاء على خلفية عزم البلاد على الذهاب إلى انتخابات"، معتبراً أنه "لن تكون نتائج أي انتخابات مرضية لإقليم برقة، ما لم يتم إنشاء قانون انتخاب بحسب الأقاليم، فالكثافة السكانية توجد في الغرب، ما يعني عدم الإنصاف واستمرار التهميش".

من جهتها، قدمت نعمية بوراس، عضو "التجمع الوطني"، وجهة نظرها حول الموضوع، لا سيما حول قرار حفتر الذي أكدت أنه "سياسي، فهو يعرف أن تصدير النفط مرتبط بمنظومة دولية، وأن كل المحاولات السابقة باءت بالفشل بسبب الرفض الدولي".

وقالت بوراس، في حديث لــ"العربي الجديد"، إن "حفتر لن يقامر بنفسه ويظهر بمظهر الخارج عن القانون أو قرصان النفط، لكن هدفه كان من الأساس العزف على عواطف الفيدراليين، لا سيما عبر وتر النفط المؤثر جداً في أوساط البرقاويين".

وأضافت عضو "التجمع الوطني" أن حفتر "كان يهدف من جهة إلى مواجهة الانهيار الداخلي الذي يعاني منه بشكل كبير، والذي أوشك على انفراط عقده، ولذا عزف على وتر عواطف الفيدرالية ومطلب النفط الذي يمثل مطلب غالبية السكان هناك، ومن جهة أخرى، جاء قراره كورقة تفاوضية من خلال السماح للفيدراليين بالظهور مجدداً، والتهديد بالانفصال، وهو ما لمّح إليه المجبري ورفاقه خلال المؤتمر الصحافي".

لكنها قالت إن "خيار الفيدرالية، أو حتى الانفصال، ليس هدفاً لحفتر، فهو لا ينتمي إلى شرق ليبيا قبلياً، كما أنه يعرف أن الفيدرالية لن تحقق مشروعه العسكري الطامح من خلاله لحكم كل ليبيا"، لافتة إلى أن "الفيدرالية بعيدة عن الواقع، لا سيما أنها ستفتح الباب أمام عدد كبير من الكتل الفيدرالية، أكبر من الثلاث المعروفة".

وأوضحت بوراس أنه "حتى داخل برقة، هناك تقسيما برقة الحمراء والبيضاء، وهي نعرة ظهرت خلال السنين الماضية، فضلاً عن أن خلافات القبائل هناك أكبر من أن يلم شملها الحكم الفيدرالي"، مشيرة إلى أن "التكوين الاجتماعي الليبي ينحو بطبعه إلى التفتت أكثر من التوحد، نتيجة كثرة القبائل، وتباعد المسافات بين المدن والفواصل الصحراوية الشاسعة بينها".

وكثيراً ما عبّر حفتر عن رفضه للفيدرالية كأساس لنظام الحكم، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015، وصف حفتر التظاهرات التي خرجت تطالب بالحكم الفيدرالي في الشرق، بـ"الكلام الفاضي". وقال حينها إن "الضامن لوحدة البلاد هو الجيش الذي لن يترك البلاد لقمة لمطالب تافهة"، علماً أن قواته فرقت في مايو/ أيار من العام الماضي بقوة السلاح تظاهرة لفيدراليين في مدينة البيضاء.


وبينما يعتبر العبيدي أن حفتر يعني بكلامه "المطالبين بالانفصال والتقسيم"، مؤكداً أن قوات حفتر "لا تتدخل في الشأن السياسي ونظام الحكم"، تعتبر بوراس أن توجه حفتر للوقوف إلى جانب الفيدراليين "قد تكون وراءه عواصم عربية، وأهمها القاهرة".

وفي هذا الصدد، رأت أن "القاهرة تعتبر الشرق الليبي عمقاً أمنياً لها، ولذا فهي تدعم حفتر، كما أن لعابها لا يتوقف عن السيلان طمعاً في نفط البلاد الواقع تحت سيطرته"، لافتة إلى أن الذهاب إلى شكل الحكم الفيدرالي سيمكن مصر من الاستفادة بشكل كبير من النفط الليبي، الذي توجد أكثر منابعه في شرق البلاد.

وقالت بوراس أخيراً إن "حفتر، وإن انصاع لرغبات مصرية، إلا أنه لم يتوقف عن طموحه العسكري بالوصول إلى حكم ليبيا بأي شكل سياسياً أو عسكرياً، وما ارتفاع أصوات الفيدراليين، إلا ضغطاً على خصومه السياسيين الذين سيزعجهم تشجع أقليات أخرى كالأمازيغ وغيرهم إلى الذهاب بالاتجاه ذاته".

المساهمون