"الممر الاقتصادي" يصعّد التوتر الباكستاني الهندي

"الممر الاقتصادي" يصعّد التوتر الباكستاني الهندي

06 يونيو 2015
باكستانيون ينددون بأفعال الهند في كشمير (عمير قرشي/فرانس برس)
+ الخط -

يشهد إقليم بلوشستان الواقع في شمال غرب باكستان على الحدود مع كل من إيران وأفغانستان، نزاعات قبلية وعرقية وطائفية منذ أعوام، إضافة إلى وجود الحركات الانفصالية البلوشية، التي تدّعي باكستان أنها تلقى الدعم من قبل الاستخبارات الهندية.

وفي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت وتيرة أعمال العنف بصورة مفاجئة، وطالت جميع العرقيات وشرائح المجتمع، كان آخرها عملية خطف وقتل عشرين شخصاً من أبناء العرقية البشتونية المتاخمة على طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية. جرت العملية بصورة مخططة، بعد فحص بطاقات هوية الضحايا من قبل المهاجمين، وهو ما يفسره الخبراء والمراقبون بمحاولة لإشعال فتيل الحرب بين العرقيتين البشتونية والبلوشية، اللتين تعيشان مع بعضهما البعض في جو من الإخاء منذ عقود طويلة.

اقرأ أيضاً: باكستان تتهم الهند بدعم الإرهاب و"طالبان"

وتقول الحكومة الباكستانية إن الهجمات الأخيرة وراءها يد هندية، تسعى لإفشال مشروع الممر الاقتصادي المشترك بين الصين وباكستان، الذي يربط ميناء غوادر الباكستاني الواقع في إقليم بلوشستان، بميناء كاشغر الصيني. كما أن المشروع يربط الصين بأفغانستان، ومن خلالها بدول آسيا الوسطى. 

وأصابت عملية الخطف والقتل الأخيرة للمواطنين البشتون الحكومة الباكستانية بصدمة، استدعت رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى عقد مؤتمر يشمل كافة الأحزاب السياسية في مدينة كويته، لدراسة تبعات العملية ومجمل الوضع الأمني المتفاقم في إقليم بلوشستان. وشاركت في المؤتمر القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية. وأوضح في بيان له، أن باكستان لن تسمح بإفشال مشروع الممر الاقتصادي، مشدداً على أن أعداء باكستان يعكفون على إفشال الممر، الذي من شأنه أن يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها. 

بدوره، شدد رئيس الوزراء الباكستاني، وهو أكبر الداعمين لمشاريع صينية في باكستان، أثناء اجتماعه مع وفد من مؤسسة "البحث والتنمية الدولية" الباكستانية الصينية المعنية بمشروع الممر الاقتصادي، على أن المشروع سيكون له آثار إيجابية جمة على دول المنطقة بأسرها، وأنه ضامن للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع الدول، لذا لن تسمح حكومته بإفشال هذا المشروع، مهما كان الثمن.

وأثار المشروع قلق الهند منذ يوم توقيعه بين الصين وباكستان، إضافة إلى غيره من المشاريع التي سيتم تنفيذ بعضها في الشطر الباكستاني من إقليم كشمير المتنازع عليه بين الدولتين (الهند وباكستان). ولذا لم تكتف بالرد على اتهامات باكستان إزاء التدخل في شؤونها الأمنية، ولكنها أعربت عن قلقها الشديد إزاء الممر الاقتصادي، وتزايد التواجد الصيني في الجوار. وقالت وزيرة الخارجية الهندية سوشما سوراج، إن الهند أبلغت بكين تحفظاتها حول المشاريع الصينية في باكستان، التي تبلغ قيمتها إلى 46 مليار دولار.

وجاء الرد الباكستاني سريعاً على تصريحات وزيرة الخارجية الهندي، إذ رفضت الخارجية الباكستانية التحفظات الهندية، وقال مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للأمن القومي والشؤون الخارجية سرتاج عزيز إن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان يخص بكين وإسلام آباد وليس أي دولة أخرى، وإن تصريحات الوزيرة الهندية تنعكس سلباً على الجهود التي تبذل لتقويض الأعمال الإرهابية التي تستهدف المنطقة بأسرها. وشدد على أن بلاده تؤمن بالتعايش السلمي مع جميع دول المنطقة، بما فيها الهند، ولكنها تطمح في الوقت نفسه إلى ألا تتدخل الهند في شؤونها.

 ويرى خبراء سياسيون وعسكريون في باكستان أن الهند القلقة إزاء تواجد الصين المتزايد في باكستان، كما أنها ترفع الموضوع عبر القنوات الدبلوماسية، وتشنّ حملة إعلامية ضد مشروع الممر الاقتصادي بين باكستان والصين، فهي كذلك تعمل لتقويض هذا المشروع من خلال الجماعات المسلحة التي تستهدف أمن باكستان واستقرارها. والموجة الجديدة من العنف التي يتعرض لها إقليم بلوشستان، أتت لهذا الغرض. وهو ما أشار إليه رئيس وزراء الحكومة الإقليمية بإقليم بلوشستان عبد المالك بلوش قائلاً إن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان عقّد الملف الأمني في الإقليم أكثر، وزاده حدة، ولكن قوات الأمن على أتم الأهبة للتصدي لكل من يستهدف الأمن والاستقرار.

وإزاء تصاعد التوتر، قررت الحكومة الباكستانية عقد مؤتمر لسفراء باكستان لدى الدول المهمة في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، بهدف التشاور حول التعاون الاقتصادي والتجاري بين باكستان والصين، ومحاولات الهند لتقويضها. وقال مصدر في وزارة الخارجية الباكستانية لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تحاول أن تضع من خلال المؤتمر الذي يستمر عدة أيام، استراتيجية للدفاع عن موقف باكستان عالمياً، ورد الموقف الهندي على جميع الأصعدة الدبلوماسية.

كذلك عمدت باكستان مجدداً إلى إثارة قضية كشمير العالقة بين الجارتين الهند وباكستان، وذلك مقابل انتقادات الهند للمشاريع الصينية. وأكد قائد الجيش الجنرال راحيل شريف، الأربعاء الماضي، أن الشطر الهندي من إقليم كشمير لا يزال الجزء العالق في تقسيم دول شبه القارة الهندية، وأن باكستان ترغب في حل هذه القضية وفق قرارات مجلس الأمن وطموحات الشعب الكشميري. وفي الإشارة إلى الأمن الداخلي، قال شريف إن بعض دول المنطقة، في إشارة إلى الهند، تدعم الإرهاب لزعزعة استقرار باكستان، ولكن القوات المسلحة على جاهزية تامة لقمع كل من ينوي استهدافها.

العين على أفغانستان

من جهة ثانية، فإن العلاقات الباكستانية الأفغانية تلعب دوراً رئيسياً في مدى نجاح المشاريع الاقتصادية أو فشلها، وذلك لأن الصين لا ترغب في إنشاء الممر الاقتصادي مع باكستان لأجل الأخيرة فقط، بل تريد من ورائه الوصول إلى دول آسيا الوسطى من خلال أفغانستان؛ وتحسن العلاقات الأفغانية الباكستانية وتدهورها، والوضع على الحدود بين الدولتين، يؤثران مباشرة على هذا المشروع. لذا يرى الخبراء أن الصين دخلت على خط المساعي الرامية لحلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية من أجل تأمين مشاريعها الاقتصادية في المنطقة.

علماً أن العلاقات الباكستانية الأفغانية تمر هذه الأيام بمرحلة حساسة جدا بعدما وجه الرئيس الأفغاني أشرف غني الأسبوع الماضي رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني أمهله فيها مدة شهر للعمل ضد قيادات "طالبان أفغانستان" المتواجدين في باكستان.

اقرأ أيضاً: الرئيس الأفغاني يمهل باكستان شهراً لمحاربة "طالبان" 

ويقول مصدر في الخارجية الأفغانية، فضل عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس الأفغاني اعتبر خلال لقاء رئيس الوزراء الباكستاني في زيارته الأخيرة إلى كابول، أنه آن الأوان أن تقوم باكستان ضد "طالبان أفغانستان"، على غرار ما فعلت ضد "طالبان باكستان". لكن لا يبدو في الأفق حتى الآن أي مؤشر إلى أن باكستان ستقوم بعمل ما ضد "طالبان أفغانستان"، على حدّ قول نائب الرئيس التنفيذي في الحكومة الأفغانية، حاجي محقق. 

وقال محقق في خطاب له أمام جمع من المواطنين الأفغان في إقليم مزار شريف، الأربعاء الماضي، إن الحكومة الباكستانية اكتفت حتى الآن بمجرد وعود، وإنها لم تستطع أن تجذب "طالبان" إلى طاولة المفاوضات، كما فشلت في إقناعها بوقف عملية الربيع.

ولا شك أن الهند والصين ودول المنطقة بأسرها تراقب العلاقات الأفغانية ــ الباكستانية عن كثب، ونيودلهي مستعدة لأي نوع من التعاون العسكري والاقتصادي والتجاري مع كابول، لكن بشرط أن تعود العلاقات الأفغانية الهندية إلى ما كانت عليه أيام الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي، لأن تدهور العلاقات الباكستانية الأفغانية وتحسن علاقات الأخيرة مع الهند يؤثر سلباً على المشاريع الصينية في المنطقة، بما فيها الممر الاقتصادي. 

 وليست الهند فحسب بل حتى  إيران، التي  تتدخل في شؤون باكستان من خلال حدودها في إقليم بلوشستان، كما تدعي السلطات الباكستانية، كذلك تعارض المشروع وترغب في إفشاله، كما يرى المحللون. 

ويعد مشروع الممر الاقتصادي مشروعا عملاقا، يربط غرب الصين بميناء غوادر الباكستاني على بحر العرب، ضمن خطة تجارية صينية ونفوذها في آسيا الوسطى، مع وصولها الشرق الأوسط والحد من اعتمادها على النقل البحري. كما يمكن أن تستفيد من المشروع دول المنطقة، لا سيما أفغانستان ودول آسيا الوسطى. وتمتد شبكة الطرق إلى نحو 3000 كيلومتر بين ميناء غوادر الباكستاني وميناء كاشغر الصيني.

المساهمون