العراق: ضمانات مكررة من "الحشد" بعدم استهداف القوات الأميركية

العراق: ضمانات مكررة من "الحشد" بعدم استهداف القوات الأميركية

04 مايو 2019
فصائل عراقية وجّهت تهديدات سابقة للأميركيين(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

حصلت "العربي الجديد" على تفاصيل توافق سياسي جرى في بغداد خلال الأيام الماضية، نجح من خلاله رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، قبل توجّهه في جولته الأوروبية الحالية، والتي تهدف لحشد الدعم لمساعدة بلاده في ملف الإعمار والخدمات، في انتزاع ضمانات للمرة الثانية في غضون أكثر من شهرين، من فصائل مسلحة قريبة من طهران، بعدم الاحتكاك مع القوات الأميركية أو مصالحها في العراق. المعلومات التي كشفها مسؤول عراقي حكومي، أكدها قيادي في تحالف "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر، قائلاً في حديث مع "العربي الجديد"، إن مختصر التفاهم أو الاتفاق هو التعاهد على عدم تحويل العراق إلى ساحة صراع أميركية إيرانية وتغليب مصلحته. وكانت "العربي الجديد" قد حصلت على معلومات مماثلة حول ضمانات من "الحشد" لعبد المهدي بعدم التعرض للقوات الأميركية، في فبراير/شباط الماضي.

وقال مسؤول حكومي في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن عبد المهدي "نجح في الحصول على ضمانات من قيادات في فصائل عراقية مسلحة معروفة بتوجّهاتها القريبة من سياسة إيران بعدم الاحتكاك مع القوات الأميركية أو القيام بأي تصرف يُفهم منه أنه تصعيد أو تهديد لجنودها في العراق، أبرزهم زعيم (عصائب أهل الحق) الشيخ قيس الخزعلي، وزعيم حركة (النجباء) المدرجة أخيراً على قائمة العقوبات الأميركية، أكرم الكعبي، ونائب رئيس (هيئة الحشد الشعبي)، أبو مهدي المهندس، وحامد الجزائري، وآخرون من المحسوبين على فصائل مسلحة ضمن (الحشد) تعهدوا بالالتزام بإبعاد العراق عن أي توتر أميركي إيراني مقبل". كما كشف أن رئيس "هيئة الحشد"، مستشار الأمن الوطني العراقي، فالح الفياض، فضلاً عن زعيم "منظمة بدر" هادي العامري "نقلا رسائل من الحكومة إلى قيادات عراقية مسلحة بسبب العلاقة التي تربطهما مع تلك الأطراف".

وبحسب المسؤول نفسه، فإن المرجع الديني علي السيستاني، "يدعم تحركات الحكومة لإبعاد العراق عن أي مواجهة أميركية إيرانية، ويتحفّظ في الوقت نفسه على أي خطوات استعداء لإيران انطلاقاً من العراق". ووفقاً للمسؤول، فإنه يوجد توافق سياسي حالياً في العراق حول ضرورة إبعاد العراق عن أي مواجهة بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما منح مساحة كبيرة للحكومة في التحرك نحو الفصائل المسلحة القريبة من طهران. ولفت إلى "وجود مخاوف لدى الحكومة من أن الطرفين (الأميركيين والإيرانيين) قد يلجآن في مرحلة ما إلى التصعيد، وبالتالي يمكن اعتبار التحركات الحكومية في العراق حالياً وقائية". وكشف أن "العراق لن يُقدم على أي زيادة في صادرات النفط لتعويض السوق عن النفط الإيراني، بعدما صرّحت دول أخرى في أوبك كالسعودية والإمارات باستعدادها لزيادة إنتاجها من النفط".

هذه المعطيات أكدها قيادي رفيع في تحالف "سائرون"، الذي يُعد مقتدى الصدر زعيمه الروحي، لكنه استدرك في تصريح لـ"العربي الجديد"، بالقول إن الاتفاق الذي جرى هو تغليب مصلحة البلاد، والكتل السياسية تلتزم بما جاء، لسبب بسيط أن أي مواجهة أميركية إيرانية في البلاد تعني تهديد العملية السياسية برمتها، ولا طهران ولا واشنطن تريد ذلك الآن، مضيفاً "لكن السؤال هو هل ستلتزم الفصائل بذلك؟ فلدينا كتائب حزب الله والنجباء والخراساني والأبدال وسرايا عاشوراء والعصائب وقوى مسلحة أخرى تعتبر توجيهات المرشد الإيراني علي خامنئي ملزمة لها شرعياً، والدليل أنها لم تنسحب حتى الآن من سورية على الرغم من تحفّظ مرجعية النجف على وجودها هناك"، معتبراً أنه "لا شيء يمكن القول عنه إنه اتفاق نهائي، فحتى الدستور تم تجاوزه في الكثير من المرات".


من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، فالح الخزعلي، لـ"العربي الجديد"، إنه يوجد "حرص سياسي وأمني من قِبل المسؤولين العراقيين على أن يكون العراق بمنأى عن الصراع الإيراني الأميركي، وأن تكون المصلحة الوطنية العراقية هي الأهم وتتقدّم على أي مصلحة"، مستدركاً "لكن مع ذلك، توجد روابط عقائدية ودينية لعراقيين يقلّدون المرجعية الدينية في إيران، ومنها فصائل في الحشد الشعبي التي اندمجت مع المنظومة الأمنية النظامية، وبالتالي لا أعتقد أن أي فصيل سيُجازف بالانخراط في مواجهة أميركا لصالح إيران، على المستوى المؤسساتي، ولكن على المستوى الجماهيري لا توجد ضمانات بالسيطرة على ردود فعل الشعب العراقي بكل مكوّناته تجاه الولايات المتحدة". ولفت إلى أن "الحشد الشعبي ضد الوجود الأميركي العسكري وليس ضد إقامة علاقات متوازنة ومشتركة على المستوى الاقتصادي أو غيره".

أما القيادي في "الحشد الشعبي" (محور الشمال) علي الحسيني، فأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحشد الشعبي بكل فصائله ضمن المنظومة الأمنية العراقية الرسمية، ولن ينخرط أي فصيل في معارك جديدة إلا بأمرٍ من الدولة العراقية، مع العلم أن أميركا تحاول بشتى الطرق أن تشق وحدة الصف العسكري العراقي وتحديداً الحشد الشعبي، بالقول إن أطرافاً منه تتبع للعراق وأخرى تتبع لدول خارجية". ولفت إلى أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأطرافاً أخرى في الخليج العربي يحاولون حالياً خلق أي حجة للصدام مع الحشد"، لكنه استدرك بالقول "بصراحة لن تبادر أي جهة للخروج عن إرادة بغداد، ولا داعي للقلق من فصائل النجباء وحزب الله وبدر والعصائب، لأنها تخضع للقوانين العراقية".

إلى ذلك، قال هاشم الموسوي، المعروف باسم "أبو وارث"، وهو المتحدث العسكري باسم حركة "النجباء" التي أدرجتها واشنطن قبل أسابيع على لائحة الإرهاب، إن "الضغوط الاقتصادية التي تُمارس على إيران وعلينا هي قنابل صوتية، وليس لها وجود أو واقع، وما تفرضه أميركا لن يتحوّل إلى حرب عسكرية، والحديث عن تطور الخلاف الأميركي الإيراني هو خلاف التوقعات". ورأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أميركا تريد جعل إيران تخضع، والأمر ذاته مع فصائل المقاومة الإسلامية، وتقديم تنازلات، وهذا غير ممكن. مع ذلك، لن نواجه أميركا ولا نفكر بالأمر، وفي الوقت الذي نريد فيه مواجهتها سنواجه ولسنا خائفين".
واعتبر الموسوي أن "سياسات ترامب تهدف إلى جرّ فصائل المقاومة إلى مرحلة الاصطدام، وهذا الأمر غير محتمل الحدوث، كما أننا لا نتفق مع من يقول إن فصائل من الحشد ستواجه الأميركيين رداً على تصنيف الحرس الثوري كتنظيم إرهابي، لأن هذا الحديث يراد به القول إن بعض فصائل المقاومة هي أذرع تابعة لإيران ومحو وطنيتها العراقية"، مضيفاً "كل ما يفعله ترامب معنا هو من أجل كسب ود الشعب الأميركي وصعوده لمنصب الرئاسة مرة جديدة".