مقاطعة الانتخابات المغربية تجمع يساريين وإسلاميين

مقاطعة الانتخابات المغربية تجمع يساريين وإسلاميين

06 سبتمبر 2016
50% من المواطنين لم يتسجلوا بالقوائم الانتخابية(عبدالحق سينا/فرانس برس)
+ الخط -

كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية في المغرب، تصاعدت دعوات مقاطعة هذا الاستحقاق من إسلاميين ويساريين، يعتبرون التصويت في الانتخابات "ملهاة سياسية لا فائدة ترجى من ورائها"، وأن "الانتخابات في المملكة لا تعبّر عن صوت الشعب". ومثل الانتخابات السابقة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، فإن جماعة "العدل والإحسان"، إحدى المنظمات الإسلامية القوية في المغرب، وحزب "النهج الديمقراطي"، ذا المرجعية اليسارية الشيوعية، وأيضاً حركة "20 فبراير"، التي ظهرت في مرحلة الربيع العربي، دعت جميعها إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المرتقبة في 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ومقابل دعوة حزب "النهج الديمقراطي" المواطنين المغاربة إلى مقاطعة التصويت في الانتخابات، فإن أحزاباً تنتمي إلى العائلة اليسارية في البلاد كحزب "الاشتراكي الموحد" وحزب "الطليعة"، أعلنت مشاركتها في الانتخابات، فيما كان لافتاً دعوة "الحزب المغربي الليبرالي" الذي يقوده وزير سابق إلى مقاطعة الانتخابات.
جماعة "العدل والإحسان" التي ظلت على موقفها الراسخ منذ نشأتها بهذا الاسم عام 1987، بعدم المشاركة في المسارات السياسية والمحطات الانتخابية، تتفق مع اليسار الراديكالي الممثل في "النهج الديمقراطي"، في سرد أسباب سياسية لموقف المقاطعة. في المقابل أعلن "الحزب المغربي الليبرالي"، في خطوة مفاجئة عدم مشاركته في الانتخابات التشريعية المقبلة، عازياً القرار إلى "أسباب مادية" تتعلق بتمويل الانتخابات، وتفضيل وزارة الداخلية مبالغ مالية ضخمة للأحزاب التي تسمى كبيرة، مقابل ميزانية هزيلة لـ"الأحزاب الصغيرة".
أما جماعة "العدل والإحسان"، التي أسسها الراحل عبد السلام ياسين، فتعتبر أن الانتخابات في المغرب ليست سوى وسيلة لدى النظام الحاكم من أجل "إدماج جميع القوى السياسية تحت لوائه"، كما أنها "مجرد قناع زائف يظهر البلاد كأنها دولة ديمقراطية بينما هي خلاف ذلك"، وفق الجماعة.
وظلت الجماعة المعروفة بنهجها الدعوي والتربوي، على مواقفها السياسية السابقة سواء في الانتخابات المحلية التي جرت في المملكة في الرابع من سبتمبر/أيلول الماضي، حين دعت كل القوى السياسية والمدنية الحية إلى مقاطعة تلك الانتخابات، بسبب "فساد أساسها الدستوري والسياسي، وشكلية مؤسساتها المنتخبة، واستبداد آلياتها القانونية والتنظيمية". وبحسب "الجماعة"، فإن "المخزن"، وهو مصطلح دأب عليه هذا التنظيم للدلالة على النظام الحاكم، يحاول إلهاء القوى السياسية واستغفال الشعب المغربي والالتفاف على مطالبه بانتخابات صورية تكرس النزعة التسلطية، وتفتح الباب واسعاً للسلب والنهب والتلاعب بمشاعر المغاربة وإرادتهم دون حسيب أو رقيب من خلال مؤسسات شكلية".
وفي الانتخابات التشريعية السابقة، التي جاءت في خضم رياح الربيع العربي، عادت الجماعة الإسلامية إلى الدعوة لمقاطعة الانتخابات، مطالبة "النخبة المغربية" بالانضمام لما سمّته "حركة الشعب المقهور، وتحمّل مسؤوليتها التاريخية في عدم الترويج لكذبة التغيير من داخل مؤسسات الوهم"، وفق تعبيرها.
وتنتقد "العدل والإحسان" الانتخابات لسبب رئيسي يتمثّل في أنها بحسبها "لا تفضي إلى آليات تتوفر على مراقبة ومحاسبة الحاكم الحقيقي"، كما أنها ترفض "خيار الإصلاح من داخل المؤسسات"، لأنه خيار أثبت فشله أكثر من مرة من خلال أحزاب عريقة حاولت الإصلاح من داخل المؤسسات، فتغيّرت الأحزاب ولم يتغيّر النظام، وفق الجماعة المعارضة.


من جهة اليسار الممثل في حزب "النهج الديمقراطي"، فإن "الانتخابات مجرد وسيلة بيد المخزن يطوّعها كيفما يشاء، ولا تكون إرادة الحكم بيد المواطن". ودعا الحزب إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، والمطالبة بنظام ديمقراطي يشمل تناوباً وتداولاً حقيقياً على سلطة حقيقية لا صورية، بحسب الحزب.
"النهج الديمقراطي" له قراءة مغايرة للمشهد السياسي والحزبي في المملكة، كما أنه يتردد في توجيه سهام نقد لاذع للسلطة الحاكمة في البلاد. وفي هذا الصدد، قال زعيم الحزب مصطفى براهمة، إن النظام الحاكم لا يقبل إلا بالأحزاب التي تخضع له، وحتى لو وصلت إلى الحكومة فإنها تظل مكتوفة الأيدي من دون سلطات حقيقية تمارسها.
هذا الحزب اليساري، الذي لم يسبق له أن شارك في انتخابات سابقة، يعتبر أن الأحزاب التي قادت الحكومات المتعاقبة منذ استقلال البلاد سنة 1955، لم تصل إلى الحكم بل وصلت فقط إلى الحكومة، بينما الأحزاب التي اختارت موقع المعارضة، فتزاول معارضة شكلية للحكومة لا معارضة للحكم بنفسه. ووفق هذا الحزب ومناصري طرحه الرافض للمشاركة في الانتخابات المغربة، فإن "اللعبة السياسية" في البلاد مكشوفة وواضحة المعالم، يحكم فيها "المخزن"، بينما باقي الأحزاب تلعب أدوارها في الحكومة والمعارضة من دون الخروج عن بنية النظام القائم ومن دون بلوغ تداول حقيقي للسلطة.
منشأ رفض هذا التيار اليساري المغربي للمشاركة في الانتخابات يعود أساساً إلى الدستور، فـ"النهج الديمقراطي" تماماً مثل موقف "العدل والإحسان"، يصف الدستور بكونه "دستوراً ممنوحاً"، أي أن النظام هو من وضع الدستور على قياسه ولم يكن ثمرة توافق شعبي يعطي سلطة حقيقية للحكومة والبرلمان ويتيح محاسبة حقيقية لمدبري الشأن العام.
ويعتبر الحزب اليساري ذاته أن مقاطعة الانتخابات المقبلة قرار اتخذه ملايين المغاربة دون حثهم على ذلك، بالنظر إلى أن خمسين في المائة من المواطنين لم يذهبوا للتسجيل في القوائم الانتخابية الحالية، ما يعني مقاطعة تلقائية لهذه الاستحقاقات، مشيراً أيضاً إلى ما حدث في الانتخابات السابقة التي أفرزت نسبة عالية من الأوراق الملغاة، وهو شكل مغاير من المقاطعة وفق "النهج الديمقراطي".
من جهتها، ترى حركة "20 فبراير"، التي ظهرت إبان مرحلة الربيع العربي، حين خرج آلاف الشباب إلى الشوارع طيلة أسابيع مطالبين بمحاربة الفساد والاستبداد، قبل أن يدعو الملك إلى الاستفتاء على الدستور، ترى عدم جدوى المشاركة في الانتخابات لكونها مبنية على دستور لا شعبي، يمنح سلطات صورية لرئيس الحكومة فيما يحتفظ الملك بالسلطات الحقيقية.
أما "الحزب المغربي الليبرالي" الذي يقوده الوزير الأسبق لحقوق الإنسان محمد زيان، فخلق "مفاجأة سياسية" في الفترة الأخيرة بعد أن دعا إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية، لكن ليس لأسباب سياسية وإيديولوجية مثل "العدل والإحسان" و"النهج الديمقراطي"، بل لسبب مادي بالأساس. وأوضح الحزب ذاته أن قرار مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة يعود إلى ما وصفه زيان بالتمييز بين الأحزاب المغربية في الدعم المالي الذي تخصصه الدولة لها، إذ وصل إلى حزبه مبلغ اعتبره زهيداً بالمقارنة مع ما تلقته أحزاب سياسية توصف بالكبيرة.

دلالات