إطلاق سراح المعتقلين السودانيين: شواهد على مناورات النظام

إطلاق سراح المعتقلين السودانيين: شواهد على مناورات النظام

31 يناير 2019
دخلت الاحتجاجات أسبوعها السابع (فرانس برس)
+ الخط -
على نحو مفاجئ، زار مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق أول صلاح عبد الله قوش، أول من أمس الثلاثاء، سجن الهدى في أم درمان غربي الخرطوم، لساعات عدة، دخل فيها في حوار مع مجموعة من الشباب المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الأخيرة في البلاد. وسرعان ما نشرت تقارير صحافية تلت الزيارة تضمنت أنباء عن قرار اتخذه قوش بإطلاق سراح عدد 136 معتقلاً. لكن تلك التقارير تغيرت كلياً بعد ساعتين، حينما نشرت وسائل إعلام حكومية قرار مدير جهاز الأمن بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين على خلفية الاحتجاجات التي دخلت، أمس الأربعاء، أسبوعها السابع وينتظر أن تشهد زخمأً إضافياً، في ظل تواصل الفعاليات الاحتجاجية وتأكيد المعارضة السودانية، وفي مقدمتها تجمع المهنيين السودانيين، أنه لا تراجع عن استمرار التظاهرات التي اندلعت في التاسع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا بسقوط نظام عمر البشير.

ومنذ لحظة إعلان القرار، عاشت أسر الموقوفين حالة من الترقب والانتظار لمعرفة ما إذا كان أبناؤها من ضمن المفرج عنهم، قبل أن تتوالى الشواهد على عدم دقة ما أعلنته السلطات، فيما تختلف التقديرات والإحصاءات حول عدد المعتقلين، إذ يتحدث وزير الداخلية، أحمد بلال عثمان، عن أكثر من 800 شخص، فيما تفيد أوساط المعارضة بوجود آلاف المعتقلين.
وكان ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي جزموا سريعاً بعدم صحة الحديث عن إطلاق سراح المعتقلين، أخذاً بعين الاعتبار أن السلطات اعتقلت، في ذات اليوم، ناشطين جددا. كما أوقفت السلطات، أمس الأربعاء، نائبة رئيس حزب الأمة القومي، مريم الصادق المهدي، لساعات قبل أن تطلق سراحها.



لكن جهاز الأمن والمخابرات أكد إطلاق سراح 186 معتقلاً من الشباب، بعد مبادرة الفريق صلاح عبدالله قوش، خلال زيارته للمعتقلين. وذكرت النشرة التي أصدرها الأمن أن الحوار مع الشباب المعتقلين توصل إلى تفاهمات حول الأسباب التي دعتهم إلى التظاهر. كما توصل إلى تكوين لجنة من الشباب لبحث قضاياهم، مع تعهّد من قوش بالسعي إلى حلها عبر النقاش والحوار.
لم ينته الأمر عند ذلك الحد، بل بث التلفزيون الحكومي مقابلات مع بعض المفرج عنهم، أشادوا خلالها بالمعاملة التي وجدوها خلال فترة الاعتقال، مؤكدين فيها أيضاً رغبتهم في الدخول في حوار مع الحكومة.
لكن تلك الإفادات رجح ناشطون أنها مجرد تمثيلية تحاول الحكومة عبرها إخراج حوار مع جهات لا تمثل الشباب، وذلك بهدف الحد من تصاعد التظاهرات السلمية.
وما عزز تلك الشكوك هو خروج أحد الذين أجريت معهم المقابلات، من المفرج عنهم، واسمه طه الهادي، في مقطع فيديو خاص، بثه على مواقع التواصل الاجتماعي يعلن فيه اعتذاره عن ما جاء على لسانه في المقابلة. كما أنّ مئات الأسر أكدت أن أبناءها وبناتها لا يزالون رهن الاعتقال. كذلك أصدر تجمع المهنيين السودانيين بيانا أكد فيه أن "الحرية حق وليست مطلبا، وأن هذا النظام أصبح أسطورةً في الالتفاف وانعدام المصداقية". ولفت البيان إلى أن "قائمة الأطباء المعتقلين لاتزال كما هي، بل في ازدياد مستمر مع صبيحة كل يوم، إضافة إلى الكم الهائل من المعتقلين من كافة فئات الشعب وقطاعاته، وهذا دليل عملي على تفنيد كل ما يشاع حول هذا القرار (إطلاق سراح المعتقلين)". كما أشار البيان إلى أن جهاز الأمن أجبر "المعتقلين المفرج عنهم على الإدلاء لوسائل الإعلام بحسن المعاملة وانعدام العنف الجسدي والنفسي تحت تأثير التهديد". 

وفي السياق، قال محامي عدد من المعتقلين، الناشط الحقوقي المعز حضرة، إن الحديث عن إطلاق سراح كل المعتقلين عار تماماً عن الصحة، وأنه شخصياً اتصل بعدد كبير من الأسر التي كلفته بالترافع عن أبنائها وأكدت له بقاء أبنائها وبناتها في زنازين النظام.

وأضاف حضرة، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه حتى لو تم إطلاق سراح جميع المعتقلين، فإن ذلك لا يعدو أن يكون تصحيحاً لخطأ ارتكبه جهاز الأمن والمخابرات الذي اعتقل متظاهرين سلميين أرادوا التمتع بحقهم الذي تكفله لهم المادة 40 من دستور السودان، والتي تنص صراحة على حق التجمع السلمي.
واستبعد الناشط الحقوقي أن تؤدي خطوة إطلاق سراح المعتقلين إلى الحد من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في كافة أنحاء السودان، نتيجة لأسباب موضوعية راهنة وأسباب تراكمية تاريخية تتمثل في أخطاء 30 عاماً من نظام الرئيس عمر البشير. وذكر أن الشباب الذي يريد النظام التحاور معه يعلم مثل غيره من السودانيين أن هذا النظام لا يحترم تعهداته، وأنه سبق أن وقّع على أكثر من اتفاق مع أحزاب سياسية وجماعات مسلحة ولم يلتزم بها. واستشهد باتفاقية السلام مع الجنوب، التي خرقها النظام، ما أدى إلى انفصال الجنوب في عام 2011.
ولفت حضرة إلى أن إطلاق سراح الشباب والدعوة إلى الحوار جاءت متأخرة جداً، وأن النظام في الأساس لم يعترف بالشباب أنفسهم، وبدأ منذ اليوم الأول من الاحتجاجات في وصف الثائرين منهم بأنهم عملاء وخونة. كما قال إنهم تابعون لحركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، في حين اتهمهم مدير جهاز المخابرات نفسه بأنهم عملاء لإسرائيل، وحتى البشير اعتبرهم مجرد مندسين، وبالتالي لا يمكن للشباب أن يتحاوروا في ظل تلك الاتهامات وعدم الاعتراف بهم. وأكد أن ما يقوم به النظام مجرد مسرحية من المسرحيات اعتاد على تمثيلها وإخراجها منذ مجيئه في عام 1989.
لكن عضو القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الشيخ النذير الطيب، نفى، في حديث مع "العربي الجديد"، ما يردده البعض حول وجود تمثيلية حكومية عبر إطلاق سراح معتقلين غير حقيقيين وبثّ مقابلاتهم في التلفزيون الحكومي. وأشار إلى أن هذا الاتهام لا قيمة له، مؤكداً أن السلطات الأمنية أطلقت سراح أشخاص حقيقيين أوقفوا خلال التظاهرات، وأنها ماضية في إطلاق سراح مزيد منهم، بل الذهاب بعيداً بالتقليل من عمليات الاعتقال نفسها في الفترة المقبلة.
كما أكد الطيب جدية ورغبة حزبه والحكومة في تدشين حوار شامل مع الشباب وإكمال ما بدأه مدير جهاز الأمن، الفريق أول صلاح قوش، مع مجموعة الشباب المعتقلين في سجن الهدى.
وأوضح الطيب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن شريحة الشباب قادت التظاهرات الحالية إلى أهداف مطلبية تتعلق أولاً بوجود فراغ كبير وسطهم، وعدم وجود فرص لاستيعاب طاقاتهم الفكرية والثقافية والوظيفية. وبرأيه، فإن "كل ذلك خلق حالة من عدم وضوح الرؤية عندهم، لذا حرصوا على الاستجابة لدعوات تغيير النظام، اعتقاداً منهم أن ذلك سيغير واقعهم".

ووفقاً للطيب، فإنه "مع مرور الوقت وتولّد قناعة داخلهم بفشل محاولات تغيير النظام عبر التظاهر، وجدوا الآن في خطوة مدير جهاز الأمن الوطني بإطلاق سراحهم والحوار معهم، فرصة لتحقيق مطالبهم وأهدافهم عبر النظام الموجود". وأشار إلى أن الحوار، وبعد أن دشنته الأجهزة الأمنية، سترعاه الأذرع السياسية، سواء في الحكومة أو الحزب الحاكم أو حتى الأحزاب الأخرى. وأشار إلى أن الحوار سيستمر طويلاً للوصول إلى رؤية كلية وشاملة لكافة قضايا الشباب.

ونفى الطيب أن يكون الهدف من إطلاق سراح المعتقلين من الشباب والحوار معهم، هو الحد من التظاهرات الحالية، لأن الاحتجاجات، وحسب تقديره، تمضي في الانحسار يوماً بعد يوم. وبرأيه، فإن "الحشود في الولايات والخرطوم التي قوبل بها الرئيس البشير، والدعم الخارجي الإقليمي الأفريقي والعربي والدولي الذي يجده، جميعها عوامل تؤكد أن الحكومة باقية ولن تتغير إلا بصناديق الاقتراع في 2020، هذا غير نجاح الحكومة ذاتها في حلحلة الكثير من الأزمات الاقتصادية"، على حد وصفه.

المساهمون