قبرص في قلب الصراع بين روسيا وتركيا

قبرص في قلب الصراع بين روسيا وتركيا

04 ديسمبر 2015
روسيا لا يعنيها الحل في قبرص (ياسين بلبل/الأناضول)
+ الخط -

ارتفع التوتر بين روسيا وحلفائها من جهة وتركيا وحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى، بشكل دراماتيكي، خلال الأيام الماضية، وبات أقرب إلى الصراع المفتوح. كما بدأت التحرّكات الروسية للردّ على الأطلسي، إثر التصعيد العسكري والدبلوماسي غير المسبوق، الذي باشره الحلف ضد روسيا، يوم الأربعاء، وذلك عبر رفع حجم ترسانته العسكرية في الشرق الأوسط، وإعادة فتح ملف توسيع الحلف في يوغوسلافيا السابقة، ومن ثم الحديث عن "المنطقة الآمنة" في سورية. كما تُدرج الاتفاقات التركية القطرية الموقّعة، يوم الثلاثاء، وحديث بعض المسؤولين الأتراك، حول نيّتهم تخفيف استيراد الغاز الروسي بمقدار 25 في المائة، بمثابة ضربة مهمة أخرى للاقتصاد الروسي المتهالك.

في هذا السياق، توعّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الخميس، الحكومة التركية بـ"مزيد من الإجراءات"، رداً على قيام أنقرة بإسقاط الطائرة الروسية "سوخوي 24" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قائلاً: "لن ننسى قيام تركيا بإسقاط الطائرة الروسية، ولن نتجاهل المساعدات التي تُقدّمها للإرهابيين، وستندم على ذلك". وشدّد بوتين على أن "ردّ روسيا لن يقتصر على العقوبات الاقتصادية".

لم يتأخر ردّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على بوتين، مشيراً إلى أنه "سنتصدى لأي تهديد يستهدف أمن تركيا. والشعب التركي لن يتنازل عن استقلاليته". ويضيف "ماذا تبحث روسيا في سورية؟ هل لديها صلاحيات من مجلس الأمن للتدخل؟ يقول الروس: إننا هناك بدعوة من الإدارة السورية، ولكنهم لم يكونوا مضطرين للاستجابة لدعوة (الرئيس السوري بشار) الأسد الذي قتل أكثر من 380 ألف إنسان".

وفيما يخصّ الحملة التي تشنّها روسيا على تركيا، باتهامها بـ"شراء النفط" من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، التي يشارك بها الإيرانيون أيضاً، قال أردوغان: "تحدثت مع الرئيس الإيراني (حسن روحاني) في الأمر، وقلت له: انظر، إنكم ترتكبون خطأً كبيراً، وإن استمر الأمر هكذا سيكون ثمن ذلك ثقيلاً، والثمن أنتم كإيران ستدفعونه. وبعد أن استمرت الحملة الإيرانية حوالي عشرة أيام، أزالت مواقعهم الإلكترونية هذه الأخبار، لأنها افتراء وكذب".

يبدو أن الروس قد بدأوا تحرّكاتهم للردّ، إذ أعلن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، في خطوة رمزية، لا تأثير لها، عن تجميد بلاده مشروع "السيل التركي"، الذي لم يبدأ العمل عليه بعد، وهو الأنبوب الذي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود وتركيا. وتوقّف ذلك بعد تأكيد فلادمير كوزجين مساعد بوتين، أن موسكو بدأت بتنفيذ عقود نظام صواريخ "إس 300" الدفاعية الجوية، إلى إيران، ما يعني خرقاً للعقوبات المفروضة عليها، وإحداث خلل كبير في التوازن الإقليمي للقوى العسكرية في المنطقة، ما قد يدفع حليف بوتين الجديد، إسرائيل للابتعاد عنه، بل واتخاذ خطوات عدائية ضده.

اقرأ أيضاً أردوغان مجدداً: أستقيل إذا أثبت أحد شراءنا نفط داعش

تتسع ساحة المواجهة بين الروس والأتراك، وفضلاً عن الأراضي السورية والعراقية، تبدو كل من قبرص وأذربيجان مكاناً محتملاً لمواجهات مقبلة. وقد وجّه رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، انتقادات شديدة لموسكو، قبل توجّهه للعاصمة الأذرية باكو، أمس الخميس، لمناقشة مواضيع الطاقة وعودة التوتر على الحدود بين أذربيجان (حليفة تركيا) وأرمينيا (حليفة إيران وروسيا) في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه. واعتبر داود أوغلو أنه "في عصر الحرب الباردة، كان للسوفييت ماكينة إعلامية، كانت تنتج مختلف أنواع الأكاذيب يومياً، وقبل ذلك كانوا يقومون بتصديقها، ومن ثم كانوا ينتظرون من العالم أن يصدقها. وبعد حوالي 20 ــ 25 عاماً من انتهاء الحرب الباردة، ظننا أن روسيا نسيت ذلك، لكن ميزات الاتحاد السوفييتي تظهر الآن واحدة تلو الأخرى". وجدّد رئيس الوزراء التركي دعم بلاده الكامل لأذربيجان، بالقول، إن "تركيا ستبقى إلى جانب أذربيجان حتى تحرر أراضيها في إقليم ناغورنو كاراباخ".

ويحلّ الصراع بينما تعود الجزيرة القبرصية لتصبح محط أنظار الدبلوماسية العالمية، إذ زار داود أوغلو القسم التركي من الجزيرة، يوم الثلاثاء، قبل أن يقوم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بزيارة القسم اليوناني من الجزيرة، يوم الأربعاء، ليليها زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أمس، ولكن زيارته تشمل الجانبين اليوناني والتركي من الجزيرة. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية قبل بدء الزيارة "لقد أحرزنا تقدماً مهماً"، مضيفاً أن "السعي إلى إعادة توحيد الجزيرة على شكل اتحاد بمنطقتين ومجموعتين، مشروع ندعمه بقوة".

وقبل زيارته قبرص، شكر لافروف القبارصة اليونانيين على "موقفهم الداعم لروسيا"، إثر قيام أنقرة بإسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية، مشيراً إلى "دعمه لإيجاد حل ّفدرالي للقضية القبرصية"، وبينما التقى لافروف بكل من وزير خارجية القبارصة اليونانيين، لانيس كاسوليديس، ورئيس الجمهورية، نيكوس أناستاسياديس، رفض رئيس جمهورية قبرص التركية، مصطفى أكنجي، دعوة لافروف له للقائه في المنطقة العازلة، معتبراً أن "مقاربة لافروف للجانبين ليست متساوية".

ويؤكد الأستاذ المساعد في جامعة الشرق الأدنى في القسم التركي، نور كوبرلو، أن "روسيا لا يعنيها الحل في قبرص وليست ملتزمة به". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الروس يتحدثون عن حلّ في قبرص، ولكني لا أظنهم ملتزمين به، لأن بقاء الجزيرة من دون حلّ، هو أمر مناسب أكثر لموسكو، كونه يخدمها في جوانب عدة، سواء في إطار صراعها العالمي مع الغرب الآن، أو في الصراع على الشرق الأوسط وشرق المتوسط".

ويتابع كوبرلو: "يبدو واضحاً من أداء روسيا أنها لا تريد حلولاً، بقدر ما تبحث عن إثبات وجود كما يحصل الآن في سورية". ويلفت إلى أنه "يُمكن تلخيص الأداء الروسي الدبلوماسي في الفترة الأخيرة بالجملة التالية: من دوني لا يمكن أن يحصل شيء". ويُشدّد على أنه "إذا نظرنا بصورة شمولية أكثر، فإن روسيا خسرت كثيراً مما كانت تعتبره حديقتها الخلفية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لصالح الغرب. كما رأينا مبارزة العودة عبر جورجيا ومن ثم أوكرانيا، والآن تحاول روسيا العودة إلى الشرق الاوسط وشرق المتوسط عبر سورية وقبرص. كما أن ضرب الحلّ القبرصي، سيعني إفشال الاتفاق التركي الأوروبي، ومنع الاستيعاب النهائي للجزيرة في الكتلة الغربية بكل ما سيعنيه ذلك من تغيير في الجغرافية السياسية في المنطقة، وإن كان ذلك سيزعج الأوروبيين، وقد يدفعهم إلى إجراءات شديدة ضد القبارصة".

إن ما يدفع موسكو للتقارب مع نيقوسيا ليس فقط العداء التاريخي لتركيا أو الرابطة الأرثوذكسية التاريخية، أو حقول الغاز والنفط حول الجزيرة التي تُقدّر بحوالي 147 مليار متر مكعب من الغاز، قد تكون في المستقبل بديلاً لأوروبا عن الغاز الروسي، لكن الموقع الاستراتيجي لقبرص لا يخفى لأحد.

لا تبعد قبرص أكثر من 326 كيلومتراً عن دمشق، كما تضمّ قاعدتين بريطانيتين، في وقتٍ حصلت فيه روسيا على قاعدة جوية في مطار حميميم في اللاذقية، بالإضافة إلى قاعدتها البحرية في طرطوس. كما تعمل على توسيع نفوذها في المنطقة، حتى أنه كان يتم الحديث العام الماضي، عن قيام موسكو بفتح موضوع إنشاء قاعدة بحرية في مدينة بافوس القبرصية، أو على الأقل التعامل مع الميناء كمركز دعم لوجستي للسفن الروسية، كما كان حال ميناء طرطوس قبل اندلاع الثورة السورية (2011).

بالإضافة إلى ذلك، إن للعامل الاقتصادي دوراً مهماً في العلاقات بين الجانبين، وتُشكّل حصة روسيا في الاستثمارات الأجنبية في قبرص، نحو 80 في المائة من عموم الاستثمارات، بما يصل قيمته إلى 33.1 مليار دولار، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 653.3 مليون دولار عام 2014، لم تتجاوز فيها قيمة الصادرات القبرصية أكثر من 43 مليون دولار. كما تُعتبر قبرص مركزاً كبيراً لغسيل الأموال والتهرّب الضريبي بالنسبة لرجال الأعمال الروس، وأيضاً مركزاً لشركات وهمية يديرها الروس للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليهم.

اقرأ أيضاً ضغوط متزايدة على روسيا: "الأطلسي" يتوسّع على حدودها