تونس: هل يستكمل النواب المحكمة الدستورية بعد صدمة الخميس؟

تونس: هل يستكمل النواب المحكمة الدستورية بعد صدمة الخميس؟

04 يوليو 2019
قضت قوات الأمن على عنصر إرهابي ليل الثلاثاء-الأربعاء (الاناضول)
+ الخط -
يجتمع أعضاء مجلس النواب في تونس، اليوم الخميس، مرة جديدة، لانتخاب نصيب البرلمان من أعضاء المحكمة الدستورية، وهي المهمة التي فشلوا فيها على امتداد السنوات الخمس الماضية بسبب مناخ الخلافات وغياب الثقة بين الأحزاب. غير أنّ هذا الاجتماع بالذات سيكون مختلفاً، إذ يأتي تحت تأثير أحداث يوم الخميس الماضي الذي شهد ثلاثة اعتداءات إرهابية ودخول رئيس البلاد الباجي قائد السبسي، إلى المستشفى العسكري تحت عنوان "وعكة صحية حادة" فتحت باب التأويلات أمام تداعياتها الممكنة على المرحلة الانتخابية والاستقرار السياسي والمسار الديمقراطي في تونس. وتتشكّل المحكمة الدستورية في تونس من اثني عشر عضواً، موزعين بين السلطة القضائية (المجلس الأعلى للقضاء)، والتشريعية (البرلمان)، والتنفيذية (رئيس الجمهورية). ويعيّن رئيس البلاد أربعة من هؤلاء الأعضاء، فيما ينتخب مجلس نواب الشعب أربعة آخرين، وينتخب المجلس الأعلى للقضاء الأربعة المتبقين، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون.

إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّ مرض أي رئيس مسألة طبيعية تحدث في كل البلدان، خصوصاً في ظلّ وجود إجراءات دستورية تعالج مسألة الشغور المؤقت أو الدائم في الرئاسة، وتقدّم لذلك مخرجات قانونية واضحة، وهو الأمر الذي يجري في تونس أيضاً، إلا أنّ معاينة أي شغور محتمل من مهمة المحكمة الدستورية، التي فشل البرلمان التونسي في انتخابها. وقد أثار هذا الأمر أخيراً، مخاوف مختلف الأحزاب من فراغ ممكن، قد يدعو إلى البحث عن مخارج قانونية جديدة وتأويلات دستورية، كما نبّه في الوقت نفسه الطبقة السياسية إلى الخطأ الكبير الذي وقعت فيه بسبب فشلها في تشكيل المحكمة الدستورية وغيرها من المؤسسات الأخرى.

وفي هذا الإطار، أكّد رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، في جلسة ساخنة للبرلمان أول من أمس، الثلاثاء، تخللتها إشارة إلى محاولة انقلاب وتعيين رئيس جديد لمجلس النواب، أنّ "تجربة تونس الديمقراطية مستهدفة ومحلّ تهديد"، مضيفاً أنّ هذه التجربة "غير مقبولة من دول عدة". ولفت إلى أنّه "من مسؤوليات المجلس النيابي في نهاية الدورة البرلمانية 2015-2019، تركيز الهيئات الدستورية بقطع النظر عن الاختلافات الحاصلة بين الكتل البرلمانية".

بدوره، قال رئيس كتلة "الائتلاف الوطني" ونائب رئيس الهيئة السياسية لحزب "تحيا تونس"، مصطفى بن أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الكتلة النيابية التي يترأسها "متمسّكة بإرساء المحكمة الدستورية، قبل انتهاء الدورة النيابية"، مضيفاً أنّ كتلته "تخلّت عن كل الاعتراضات والاحترازات التي رفعتها سابقاً ضدّ بعض المترشحين، وأعلنت على ضوء ما عاشته البلاد نهاية الأسبوع الماضي، أنها على استعداد للدخول في أي توافقات هدفها إرساء المحكمة الدستورية، باستثناء مرشح وحيد لا يمكن القبول به"، في تلميح للفيتو الذي رفعته الكتلة في وجه العياشي الهمامي، مرشّح كتل "الجبهة الشعبية" والكتلة "الديمقراطية" وكتلة "الاتحاد الوطني الحر" قبل حلها.

ووفق بن أحمد، فإنّ الأزمة التي تلت العمليتين الإرهابيتين في العاصمة، الخميس الماضي، وتدهور صحة السبسي، لم تنته، وظهرت آثارها بشكل أوضح "من خلال ترويج أخبار عن انقلابات داخل البرلمان والتي ما زالت مستمرة"، معتبراً أنّ "من انحازوا لمنطق الانقلابات واستثمروا سياسياً في الشائعة، كان هدفهم تعديل انطباعات التونسيين وتوجيهها في فترة حرجة". واستغرب رئيس كتلة "الائتلاف الوطني" إصرار بعض الفاعلين السياسيين لغاية اللحظة، التأكيد على أنّ انقلاباً دبّر أو خطط لتنفيذه في البلاد، انطلاقاً من البرلمان لعزل رئيسه، نظراً لاستحالة ذلك، ودقة وتعقيد الإجراءات اللازمة لاستبعاد رئيس البرلمان وتعويضه بآخر.

وبمجرد خروج السبسي من المستشفى العسكري، عادت الخصومات إلى المشهد السياسي التونسي بعد سلسلة من المواقف التي عكست نضجاً كبيراً في التعامل مع أحداث الخميس الماضي، وكأنّ الأحزاب والشخصيات التونسية لا تتوافق إلا تحت تهديد الأزمات، ولا تتنازل إلا إذا شعرت بالخطر الداهم واستهداف تجربتها الديمقراطية.

وقد تبادل النواب أخيراً اتهامات بمحاولة استغلال أحداث الخميس وتعيين رئيس جديد للبرلمان، في ما وصف بمحاولة الانقلاب، في حين أنّ القوانين واضحة في هذا الباب وكذلك الإجراءات واضحة ومتاحة في كل وقت، ولا يحتاج أمر كهذا لأزمة بعينها لتحقيقه. وتقضي الإجراءات أولاً بسحب الثقة من رئيس البرلمان ثمّ انتخاب آخر، وهي إجراءات حتى وإن حدثت، تعدّ دستورية لا انقلاب فيها ولا خروج عن القانون. هذا بالإضافة إلى أنّ رئيس البرلمان عاد إلى عمله الطبيعي، وكذلك رئيس الدولة، ما يعني عودة الأمور إلى طبيعتها. ومع ذلك، فقد أصرّ بعض النواب على تسجيل نقاط جديدة ضد نواب من كتل أخرى، كما كان الأمر عليه طيلة السنوات الماضية.

وبعد جلسة الثلاثاء الساخنة، قرر رئيس البرلمان محمد الناصر، تشكيل لجنة تحقيق في ما تم ترويجه عن شبهة محاولة انقلاب، عقب تعرض السبسي لوعكة صحية ودخوله إلى المستشفى. وأعلن أنه سيرفع الطلب المقدّم من قبل عدد من الكتل البرلمانية لإجراء تحقيق حول هذا الأمر إلى الاجتماع المقبل لمكتب المجلس. ووسط هذه التطورات، يُنتظر أن يحمى الوطيس أكثر إذا دخل الجميع مرحلة الانتخابات، خصوصاً أنّ مستشاري السبسي أكدوا أنه سيتولى توقيع القرار المتعلق بدعوة الناخبين، وكذلك قرار التمديد في حالة الطوارئ، أي أنه سيقوم بكل المهام الموكلة إليه، والتي تنتهي آجالها خلال هذا الأسبوع.

إلى ذلك، اعتبر رئيس كتلة "مشروع تونس"، الأمين العام للحزب، حسونة الناصفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الوعي بضرورة استكمال المهام المتعلقة بإنهاء فترة الانتقال الديمقراطي نحو مؤسسات مستقرة، لم يغب يوماً عن النواب، وإنما نجم كل هذا التعثّر عن التوجهات التي أقرها دستور 2014". وأوضح الناصفي أنّ "الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه المشرع التونسي هو إسناد السلطة للبرلمان، ليتحكم في كل الاختيارات المتعلقة بمؤسسات دستورية حساسة، من المفترض أن تتحلّى بالحدّ الأدنى من الحياد، وألا تخضع لمنطق المحاصصة". وأضاف "تبعاً لذلك، فإنه لا يمكن تجاوز العقبات بسهولة، لأنّ إرساء المحكمة الدستورية وغيرها من الهيئات بقي رهينة التجاذبات السياسية، ورفض كل طرف تقديم أي تنازل. وهو واقع ملموس تعيش على وقعه الحياة البرلمانية".

ولا يقع اللوم على البرلمان وحده في التقصير، وفق الناصفي، "إذ قصّرت الحكومة بدورها أيضاً، فلم تحلّ مشاريع قوانين هامة لتنظيم الحياة السياسية على غرار قانون الأحزاب السياسية وقانون الجمعيات، إضافة إلى تهاون بعض اللجان وتجاهلها أحياناً لمقترحات النواب".

وعلاوة على ما سبق، اعتبر الناصفي أنّ "هذا التعثّر ناجم أيضاً عن غياب الانسجام بين الحكومة والأحزاب التي تشكل حزامها السياسي، إذ عجزت عن تمرير مشاريع قوانين بنت عليها برامج اقتصادية وقدمت وعوداً للتونسيين بتحقيقها". لكنه استدرك بالقول إنه على الرغم من ذلك "لا يمكن التشكيك في ما أنجزه البرلمان طيلة هذه الفترة، على الرغم من غياب الانسجام، ونقص التجربة وضعف الإمكانيات وتقلبات الساحة السياسية عبر بروز أحزاب جديدة لناحية العمر والتجربة".

وعلى الرغم من أنّ التونسيين تابعوا باستحسان واضح مواقف الأحزاب والشخصيات السياسية بعد مرض الرئيس ودعوتهم للوحدة الوطنية، إلا أنه تبيّن لهم أنّ صدمة الخميس لم تؤت مفعولها إلا لفترة زمنية قصيرة للغاية. لكنهم أبقوا على أملهم في تحقيق إنجاز أخير للبرلمان يتمثّل في انتخاب أهم مؤسسة دستورية ضامنة للتجربة الديمقراطية، وهي المحكمة الدستورية، وارتفاع نسبة الوعي بأنّ البلاد ليست في مأمن من ضربات جديدة، خصوصاً بعد نجاح قوات الأمن، ليلة الثلاثاء الأربعاء، في القضاء على عنصر إرهابي خطير جداً قام بتفجير نفسه في حيّ الانطلاقة بضواحي العاصمة بعدما حاصرته قوات الأمن، لتعلن الداخلية لاحقاً أنه العقل المدبّر لتفجيرات الخميس، في وقت تتجه فيه السفارة الأميركية في تونس إلى إلغاء احتفالها بالعيد الوطني الموافق اليوم، في 4 يوليو/ تموز، لأسباب أمنية، وكانت قد أغلقت أبوابها للأسباب ذاتها منذ ثلاثة أيام.