مناصب هيئة الانتخابات تثير الخلاف داخل نظام السيسي

مناصب هيئة الانتخابات تثير الخلاف داخل نظام السيسي

09 اغسطس 2017
ستستعين هيئة الانتخابات بنحو 50 ألف موظف (فرانس برس)
+ الخط -

تسيطر الخلافات على الأجهزة الحكومية والقضائية المصرية المختصة بتنفيذ القانون الجديد الذي يستحدث هيئة وطنية للانتخابات، ستكون هي المشرفة الدائمة على مختلف الاستحقاقات الانتخابية والاستفتائية، بدلاً من اللجان العليا المؤقتة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستفتاءات، وكذلك اللجان الحكومية التي كانت تشرف سابقاً على انتخابات المحليات. وينص القانون الجديد، الذي أقره البرلمان قبل نهاية دورته الماضية مباشرة وأصدره الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي أول من أمس، على أن ترشح الهيئات القضائية المختلفة ممثلين عن كل منها لعضوية مجلس إدارة الهيئة الجديدة، بينما سيكون المنصب الأهم في الهيئة هو مديرها التنفيذي.
وفي السابق كانت كل هيئة قضائية، سواء مجلس القضاء الأعلى أو مجلس الدولة أو هيئة قضايا الدولة أو النيابة الإدارية، ترشح ممثليها في لجان الانتخابات بالأقدمية المطلقة، لكن القانون الجديد أغلق الباب أمام اتباع نفس الخطوات، واشترط ألا تقل المدة الباقية لبلوغ القضاة، أعضاء مجلس إدارة الهيئة، سن التقاعد عن 6 سنوات عند ندبهم للعمل في الهيئة ندباً كاملاً، أي أن المرشحين ستكون أعمارهم أقل من 64 عاماً، ما أدى إلى زيادة أعداد شرائح القضاة المرشحين لتولي المهمة، وزاد التنافس بين بعضهم البعض لنيل هذه الوظيفة رفيعة المستوى، كما أدى إلى تفاقم الخلافات بين شيوخ كل هيئة قضائية حول الترشيحات، إذ يفضل كل منهم شخصاً أو اثنين، ما يصعب الاتفاق في ما بينهم.

أما الأمر الجديد من نوعه على مثل هذه الترشيحات، فتمثل في التدخل المباشر من وزير العدل، المستشار حسام عبد الرحيم، المعروف بعلاقته الوطيدة بالمستشار أحمد السيسي، شقيق رئيس الجمهورية، لاختيار ممثلي محكمة النقض ومحكمة الاستئناف في مجلس الإدارة، ولا سيما أن ضمان ولاء الممثلين الأربعة لهاتين الجهتين سيجعل الوزير متحكماً بصورة شبه كاملة في أداء مجلس الإدارة، لأن القانون ينص على أن يكون رئيس الهيئة هو أقدم ممثلي محكمة النقض، كما ينص على أن يكون عدد أعضاء مجلس الإدارة 10، ما يجعله ضامناً لنسبة 40 في المائة على الأقل من الأصوات، يضاف إليها أيضاً نسبة تمثيل هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، وهما الهيئتان الخاضعتان في العديد من شؤونهما حتى الآن لسلطة وزير العدل.

وتكشف مصادر قضائية بمحكمة استئناف القاهرة أن الوزير أوعز إلى رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، المستشار مجدي أبو العلا الذي عينه السيسي في منصبه بدلاً من القاضي الأقدم منه المستشار أنس عمارة، بترشيح 4 قضاة بعينهم من محكمة النقض والاستئناف، وأرسل له أسماءهم بالفعل، وذلك بعد موافقة الجهات الأمنية والاستخباراتية عليهم. وتوضح المصادر أن "مجلس القضاء الأعلى سيقتصر دوره في هذا الشأن على التصديق على ترشيحات الوزير التي سيقدمها أبو العلا لزملائه"، وأن أقدم أعضاء النقض المرشحين، والذي سيترأس الهيئة بحسب القانون، كان يعمل في دائرة وزير العدل عندما كان رئيساً لمحكمة النقض، وأن باقي المرشحين مقربون من الوزير وبعض مساعديه.



وتشير المصادر إلى أن رغبة وزير العدل في الاستحواذ على المناصب المهمة في الهيئة لا تتوقف عند حد مجلس الإدارة، فهدفه الرئيسي منصب المدير التنفيذي الذي يترأس الجهاز التنفيذي للهيئة، ويختص بجميع شؤونها الإدارية والمالية والفنية وإعداد مشروعات القرارات والوثائق والمستندات والدراسات، كما يتولى التنسيق بين الهيئة والوزارات والجهات القضائية في عملية الإشراف على الانتخابات والإعداد اللوجستي والتأميني لها، ما يجعله المنصب رقم واحد عملياً في الهيئة، والأهم من رئيس مجلس الإدارة. وتكشف المصادر أن حسام عبد الرحيم كان يفاضل، حتى ساعات قليلة مضت، بين قاضيين لتولي هذا المنصب، الأول هو القاضي أحمد محمد رفعت قاسم، وهو قاضٍ شاب في محكمة النقض تربطه بالوزير صلة قرابة وكان منتدباً في مكتبه الفني، والثاني هو المستشار محمود الشريف، مساعد وزير العدل للشؤون الإدارية وشقيق النائب محمد حلمي الشريف، عضو الأكثرية النيابية "دعم مصر"، والذي تقدم سابقاً بمشروع قانون تسليط رئيس الجمهورية على اختيار رؤساء الهيئات القضائية، والمعروف بعلاقاته الوطيدة بدائرة السيسي. وتبدو أسهم القاضي قاسم أوفر حظاً من الشريف، فعلى الرغم من تزكية الشريف من دائرة السيسي، لخبرته الإدارية الكبيرة وعلاقته القوية بالأجهزة، إلا أن الوزير وشقيق السيسي متحمسان بصورة أكبر لقاسم، خشية الهجوم الإعلامي أو القضائي، لوجود شبهة تعارض مصالح بين تعيين الشريف ووجود شقيقه في البرلمان، واعتياد أسرته الدفع بمرشحين في مختلف الانتخابات. كما أن تعيين أحمد قاسم سيسمح ببقائه في المنصب لفترة طويلة، ما يكسب المنصب استقراراً من وجهة نظرهم.

وفي المقابل، تحاول الأجهزة الأمنية الترويج لمرشحها الخاص، وهو مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات، اللواء رفعت قمصان، والذي يعتبر الأوفر خبرة بين الأسماء المرشحة، لمشاركته في تنظيم جميع الاستحقاقات الانتخابية منذ 2005 وحتى 2014. كما يحاول قمصان الترويج لنفسه كمرشح محتمل لمنصب المدير التنفيذي بتصريحاته المتتالية في وسائل الإعلام، إلا أن وزير العدل غير متحمس للتعاون معه، ويرى أن على الهيئة الجديدة الابتعاد عن جميع الأسماء القديمة التي شاركت في الانتخابات السابقة، وهو بذلك أيضاً سيضمن السيطرة بشكل غير مباشر على الهيئة، من دون منازعة من قمصان المعروف باعتداده برأيه.
ويكاد يكون ملف العاملين في الهيئة هو الوحيد البعيد عن النزاع، لأنه محسوم بقرار غير معلن من دائرة السيسي. فوفقاً للقانون ستضم الهيئة في جهازها التنفيذي العشرات من الموظفين الدائمين، وستستعين بصورة مؤقتة بعشرات الآلاف من الموظفين في عملية الإعداد اللوجستي والإشراف على الانتخابات والاقتراع وإحصاء الأصوات ثم تفكيك اللجان. ويقدر مصدر حكومي، لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة ستضطر في مواسم الانتخابات للاستعانة بنحو 50 ألف موظف، إلى جانب موظفيها الدائمين الذين سيمثلون نواتها الصلبة. ووفقاً للمصدر فإن أولوية التعيين في الهيئة بعقود العمل الدائمة، أو التعاقد المؤقت لأكثر من عام، ستكون للشباب الخريجين من البرنامج الرئاسي لإعداد القادة الجدد، والذي يرعاه السيسي شخصياً، وتجري مراحله بإشراف المجلس الاستشاري للرئاسة ووزارات الدفاع والخارجية والتعليم العالي، أما الوظائف المؤقتة الموسمية فسيشغلها موظفون حكوميون بنظام الندب أو الإعارة. ويوضح المصدر أنه لم تحدد حتى الآن موازنة خاصة بالهيئة، في انتظار حساب فوائض الموازنات السابقة للجنة الانتخابات الرئاسية التي كانت تسيطر عليها المحكمة الدستورية العليا واللجنة العليا للانتخابات، على أن يمول إجراء الانتخابات الرئاسية والمحلية المقبلة، والمقررة دستورياً في 2018، من فوائض تلك الموازنات وحساب المصروفات الأخرى من الموازنة العامة للدولة.

المساهمون