دروس خان طومان: عودة التوازن العسكري لحلب

دروس خان طومان: عودة التوازن العسكري لحلب

10 مايو 2016
كبّدت المعارضة النظام وحلفاءه خسائر غير مسبوقة (محمد مستو/الأناضول)
+ الخط -
لم تمنع أيام الهدن الأخيرة في عدد من المدن السورية، من تكريس معادلات إضافية في الميدان، تتعلق تحديداً بمحافظة حلب وأريافها، خصوصاً بعدما تمكنت فصائل في المعارضة السورية من إلحاق خسائر تعد الأقسى في صفوف القوات الإيرانية منذ بدء مشاركتها في القتال المباشر في سورية، في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى الحدود التركية السورية مع تسارع وتيرة التسريبات التركية عن استعدادات تجريها القوات الخاصة التركية من أجل دخول المدن المجاورة للحدود التركية منها مدينة جرابلس السورية بهدف طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من المناطق التي يسيطر عليها في ريف حلب الشمالي الشرقي.

خطط التدخل التركي
ووفقاً لما نقله موقع "خبر 7" التركي، الموالي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن الخطط التركية تقوم على أن تساند طائرات ومقاتلات حربية الكتائب التابعة للقوات الخاصة أثناء العملية العسكرية في الأراضي السورية، والتي من المتوقع أن تكون بعمق 50 كيلومتراً داخل الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" في ريف حلب. وبحسب التسريبات أيضاً لن تستقر القوات الخاصة التركية في الأراضي السورية، بل ستعود إلى قواعدها، على أن تسلم المناطق التي يتم الانتهاء من تمشيطها إلى كتائب الجيش السوري الحر الموجودة في المنطقة، في حين لن يتم السماح لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) بالسيطرة عليها. وأشار الموقع إلى أنه في حال حصول مقاومة عنيفة من "داعش"، فإن القوات المسلحة ستوسع العملية العسكرية لتشمل 8 نقاط لم يحددها.


وجاءت هذا التسريبات بعد يوم واحد من الكشف عن تنفيذ فرقة من القوات الخاصة التركية، عملية عسكرية برّية محدودة داخل الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة "داعش" مقابل مدينة كيليس التركية، وضعت في إطار "أغراض استكشافية من أجل رصد مواقع منصات إطلاق الصواريخ التابعة للتنظيم"، التي يستخدمها لاستهداف كيليس. كذلك تأتي هذه التسريبات بعد يوم من توجيه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انتقادات شديدة للدول التي تعلن الحرب على "داعش" بسبب ما اعتبره "تملّصها من تقديم الدعم لتركيا"، مجدداً المطالب التركية بإنشاء المنطقة الآمنة كجزء من حل للأزمة السورية.

وبينما أشارت التسريبات إلى أنه تمّ تزويد الولايات المتحدة وروسيا مسبقاً بمعلومات عن العملية البرية التركية، علمت "العربي الجديد"، أمس الإثنين، أن واشنطن تقدمت باقتراح جديد لأنقرة حول كيفية إبعاد تنظيم "داعش" عن الحدود التركية. ويقضي الاقتراح بأن تقوم قوات "سورية الديمقراطية" بالعمليات على الأرض، مدعومة بدعم جوي أميركي لتحرير الحدود السورية التركية التي يسيطر عليها التنظيم وتمتد لمسافة 98 كيلومتراً وعمق 50 كيلومتراً، على أن يتم إعادة هيكلة الفرق التي ستقوم بالعمليات غرب الفرات. وبحسب الاقتراح الأميركي، فإنه ستتم إعادة هيكلة القوات التي من المقرر أن تتولى بتنفيذ العمليات على أن يتم إبعاد قوات الاتحاد الديمقراطي وكذلك القيادات العسكرية التي لا ترغب أنقرة بوجودها، ويتم تعيين قيادات جديدة تحظى بقبول كل من الأتراك والأميركيين. كما ستتم إضافة المزيد من القوات العربية والتركمانية لها. وتشكلت قوات سورية الديمقراطية في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 بدعم أميركي. وبحسب قائد هيئة الأركان الأميركية، الجنرال جوزيف دانفور، فإنها تتكون بنسبة تقارب 80 في المائة من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، في حين تتشكل النسبة المتبقية من قوات عربية وتركمانية.

دروس خان طومان
وبعيداً عن الحدود التركية السورية، تمكنت فصائل المعارضة السورية من تكبيد كل من قوات النظام السوري والقوات الإيرانية خسائر فادحة وغير مسبوقة على جبهات القتال في حلب، لتعيد بذلك توازن القوى بين الطرفين، بعد أشهر من تمكن قوات النظام وحلفائها من ترجيح كفتها إثر التدخل الروسي الذي منح النظام أفضلية على حساب المعارضة في ريف حلب خلال شهر فبراير/شباط الماضي.
وعادت قوات المعارضة السورية في حلب وريفها إلى وضع الهجوم ضد قوات النظام والقوات الإيرانية والمليشيات المساندة لهما منذ يوم الثلاثاء الماضي، لتنجح في تحقيق انتصارات عسكرية هامة، جعلت قوات النظام والقوات الإيرانية في وضع ميداني حرج بعد خسارتهما منطقة خان طومان الاستراتيجية والمناطق المحيطة بهما جنوب حلب، فضلاً عن سقوط عشرات المقاتلين تنوعت رتبهم العسكرية على عموم جبهات القتال في حلب وريفها.
وفي السياق، أفاد "جيش السنة"، وهو أحد الفصائل المعارضة المنضوية في "جيش الفتح"، أمس الإثنين، عبر حسابه على موقع "تويتر"، أن "عميداً في الحرس الثوري قتل خلال معارك ضد جيش الفتح، في ظل صمود أسطوري، على الرغم من 57 غارة روسية يوم أمس (الأحد)".



وكان ناشطون إعلاميون محليون، مقربون من فصائل المعارضة في ريف حلب، قد نشروا خلال الأيام الأربعة الأخيرة صوراً تظهر نحو خمسة مقاتلين أجانب من عناصر المليشيات الآسيوية، الأفغانية، والإيرانية، بعدما وقعوا أسرى في يد قوات "جيش الفتح" بريف حلب، فضلاً عن صور لمقاتلين من عناصر المليشيات المحلية وقعوا أسرى في يد قوات المعارضة بمنطقة خان طومان أثناء محاولات قوات النظام والمليشيات المحلية والأجنبية الموالية لها استرجاع البلدة الاستراتيجية الوقعة قرب أوتوستراد حلب دمشق الدولي جنوب حلب.
وكانت إيران قد أكدت يوم السبت الماضي مقتل 13 "مستشاراً عسكرياً" خلال المواجهات في خان طومان فضلاً عن إصابة 21 شخصاً و
أسر ستة عسكريين كرهائن. كما أكدت مواقع إيرانية، أمس الإثنين، أن الضابط في الحرس الثوري الإيراني جواد الله كرم، قد قتل في سورية.

وفي محاولة لإعادة ترميم صورتها العسكرية، لم تتوقف محاولات القوات السورية والإيرانية، مدعومة بالمليشيات، خلال الساعات الماضية عن محاولة استعادة خان طومان. إلا أن قوات المعارضة السورية، تمكنت أمس الإثنين، من التصدي لمحاولة هي الثانية خلال أربع وعشرين ساعة لقوات النظام والمليشيات الإيرانية والأفغانية لاستعادة البلدة. ويفيد عضو مكتب ريف حلب الجنوبي، الإعلامي عبدالله زكريا، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "قوات جيش الفتح، التابعة للمعارضة تمكنت من تكبيد قوات النظام والمليشيات التابعة لها خسائر فادحة". ويوضح أن "خسائر قوات النظام شملت، خلال أربع وعشرين ساعة، تدمير ثلاث دبابات ونحو أربعة مدافع ثقيلة وثلاث عربات مدرعة ناقلة للجند بالإضافة إلى اغتنام قوات المعارضة دبابة وعربتين ناقلتين للجند وثلاثة مدافع رشاشة من عيار 23 و14.5 ملم، وذلك إثر تمكن قوات المعارضة من التصدي لهجومين متتاليين على بلدة خان طومان والتلال المحيطة بها تزامناً مع عشرات الغارات الجوية التي شنتها طائرات روسية على مناطق سيطرة المعارضة، وتمكنها أيضاً من شن هجوم كبير على قوات النظام على جبهة القتال في منطقة الحميرة القريبة". ووفقاً لزكريا "نتج عن المعارك في المنطقة مقتل وإصابة العشرات من جنود قوات النظام والمليشيات الأجنبية، وأسر ثلاثة مقاتلين أفغان ونحو ستة سوريين من المليشيات المحلية".
وتحولت جبهة خان طومان وجبهات القتال القريبة منها في ريف حلب الجنوبي إلى "محرقة" لقوات النظام السوري وللمليشيات الأجنبية المساندة لها، إذ عانت من نزيف حاد في عناصرها وضباطها وعتادها العسكري في ريف حلب الجنوبي خلال الأيام الماضية نتيجة نجاح قوات المعارضة في تنفيذ هجومها في المنطقة وتمكنها من الدفاع عن المناطق التي سيطرت عليها بشكل أفشلت معه جميع محاولات قوات النظام لاستعادتها.
ولم يقتصر نزيف قوات النظام والمليشيات على جبهات القتال في ريف حلب الجنوبي، إذ أعلن لواء القدس، وهو مليشيا محلية موالية للنظام في حلب مكونة في غالبها من مقاتلين فلسطينيين، مساء الأحد، عن قائمة بأسماء 46 من عناصر وضباط اللواء كانوا قد قضوا يوم الثلاثاء الماضي بالتفجير الكبير الذي نفذته قوات المعارضة في نفق حفرته أسفل مبنى الميتم قرب فرع المخابرات الجوية بمنطقة الزهراء غرب حلب، وهو المبنى الذي كانت قوات لواء القدس تتحصن به لتشكل خطاً دفاعياً أول عن مبنى المخابرات الجوية.
وجاءت هذه التطورات الميدانية الأخيرة في حلب وريفها لتجبر قوات النظام على إعادة النظر في خطتها الرامية لاجتياح مناطق سيطرة المعارضة في حلب. وقد أثبتت قوات المعارضة أنها لا تزال تتمتع بكفاءة قتالية عالية، توازي بأقل تقدير كفاءة قوات النظام والمليشيات المساندة لها، بعدما تمكنت قوات المعارضة من إثبات تفوقها في جبهات القتال غرب وجنوب مدينة حلب.



المساهمون