إسطنبول ـ باريس.. الطوارئ بسرعتين مختلفتين

إسطنبول ـ باريس.. الطوارئ بسرعتين مختلفتين

23 يوليو 2016
حالة الطوارئ في تركيا لا تستهدف الحياة العامة(دورسون ايدمير/الأناضول)
+ الخط -

حالة الطوارئ مصطلح له وقع خاص، لأنه يعني قبل كل شيء تجميد العمل بالدستور والقوانين وإعطاء الجيش والأمن صلاحيات استثنائية. ورغم أن تطبيقات هذه الحالة تتدرج بين خفيفة وقصوى، حسب مستوى خطورة الوضع العام، إلا أن مجرد ذكر الطوارئ يثير حالة من الخوف والاستنفار حتى في الدول الديمقراطية.

تعيش تركيا منذ يوم الخميس الماضي في ظل حالة طوارئ، أقرّها البرلمان بنسبة 346 صوتاً من أصل 555. ولكن لا أثر لهذه الحالة على صعيد ايقاع الشارع على الإطلاق. بل على العكس، خرج أكثر من مسؤول تركي ليشرح للشعب أن المسألة لا تستهدف الحياة العامة، وهي مقتصرة على جملة من الإجراءات التي تهدف إلى معالجة مفاعيل الانقلاب وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية. وبدلاً من أن تطلب الحكومة التركية من المواطنين أن يلزموا منازلهم لكي تتفرغ لعمليات "التنظيف" التي تواصل القيام بها، فهي تحثهم كل يوم على النزول للشوارع، ولذا تعيش الساحات التركية وضعاً يمكن وصفه بالاستثنائي، فهي تغص على مدار الوقت بالمتظاهرين الذين باتت حركتهم أكثر سهولة منها في الظروف العادية. ومنذ صباح السبت الماضي، تقوم البلديات بتأمين طعام مجاني للمتظاهرين، بالإضافة إلى ذلك باتت المواصلات العامة مجانية إلى إشعار آخر، كما بادرت بعض شركات الاتصالات الهاتفية بإهداء المشتركين حوالي ساعة ونصف.



حالة الطوارئ في تركيا، باتت تجيز للسلطات تمديد فترة الاعتقال الاستثنائي مدة شهر. وبمقتضاها، أصدر النائب العام قراراً بإغلاق حوالي ألف وقف ديني ومدرسة وعدة هيئات تعليم عليا محسوبة على "حركة الخدمة"، التي تتبع للداعية فتح الله غولن.

والطريف في وضع حالة الطوارئ، أن الأتراك أخذوا يقارنون تطبيقات الحالة بين تركيا وفرنسا، ويعتبرون أن بلدهم أكثر منها مرونة وشفافية وأقدر على إدارة الأزمة.

في فرنسا، جرى فرض حالة الطوارئ منذ بدء العمليات الإرهابية التي أصابت باريس مطلع العام الماضي. وجرى تمديدها مرات عدّة. وكان الرئيس فرانسوا هولاند قد أعلن قبل يوم من جريمة نيس يوم 14 يوليو/تموز عن نية باريس رفع حالة الطوارئ، ولكن العملية الإرهابية استدعت تمديدها.

وفي جميع الأحوال، لا يمكن المقارنة بين طوارئ فرنسا وتركيا، نظراً لاختلاف الأسباب؛ فتركيا واجهت أعمالاً إرهابية من قبل حزب "العمال الكردستاني" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ولكنها لم تعلن حالة الطوارئ. ولكن الانقلاب فرض عليها اللجوء للقوانين الاستثنائية.

وعلى كل حال، لا تقل الإجراءات الفرنسية شدة عن مثيلتها في تركيا، حيث تتابع الأجهزة الأمنية حركة المتهمين بتنفيذ أعمال إرهابية. وهناك عدد كبير من المعتقلين بموجب مذكرات من النائب العام. ومن حاول عدم الامتثال للأنظمة، واجه عملية الاعتقال أو القتل، وجرى إغلاق مدارس تعلم اللغة العربية وبعض الجوامع. وواصلت السلطات عمليات ترحيل أئمة مساجد بتهمة الحض على الكراهية الدينية. وعملت السلطات الفرنسية على إنشاء أنظمة من التعاون في هذا المجال مع بعض البلدان العربية، كالمغرب ومصر من أجل تأهيل الأئمة لمواجهة التطرف.

ويتحدث الأتراك عن جانب آخر من المسألة وهي المظاهر الأمنية. ورغم أن تركيا خارجة حديثاً من انقلاب عسكري لا يزال يتفاعل، فإن الشوارع خالية كلياً من قوات وآليات الجيش وقوات الأمن وكذلك المطارات. في حين أن فرنسا تنشر أعداداً كبيرة من قوات الجيش والشرطة في المطارات ومحطات القطارات. وبات وجود الآليات العسكرية مألوفا في شوارع المدن وقبالة الأماكن التي يرتادها السياح مثل محلات التسوق والترفيه والمتاحف، وهو الأمر الذي يكاد يكون منعدماً في الحالة التركية.

ويذهب بعض الأتراك بعيداً ليقارن بين الانقلاب الذي تعرض له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليل الجمعة الماضي، وما واجهه الجنرال شارل ديغول عام 1961، من حركة انقلاب قام بها الجنرالات الفرنسيون الذين كانوا يحكمون الجزائر، التي كانت تعتبرها فرنسا أرضاً فرنسية. وقد عارض الجنرالات في حينه قرار ديغول ببدء مفاوضات الاستقلال مع جبهة التحرير الجزائرية. وكان رد فعل ديغول إعلان حال الطوارئ والاستعانة بالشعب، واتخاذ إجراءات ردع فورية واعتقالات واسعة، وحصلت عمليات أمنية لمعارضي قرار استقلال الجزائر من عسكر فرنسا.

حالة الطوارئ في تركيا، تسير جنباً إلى جنب مع سيطرة شعبية على الساحات بناء على الدعوة التي وجهها أردوغان، في ظل شعار وحيد لا غير "السلطة للشعب". وكي تنفي الحكومة عن نفسها احتكار الساحات من قبل جماهير حزب "العدالة والتنمية"، سمحت لتظاهرة كبرى ينظمها حزب "الشعب الجمهوري" اليساري مساء غد الأحد ضد الطوارئ، وضد الانقلاب في ميدان "تقسيم" في إسطنبول. 

المساهمون