"لوموند": معركة عفرين تكشف تناقضات الحلفاء الغربيين لـ"قسد"

"لوموند": معركة عفرين تكشف تناقضات الحلفاء الغربيين لـ"قسد"

23 يناير 2018
تركيا تصمّم على تأمين حدودها (فاتح اكتاس/ الأناضول)
+ الخط -


تساءلت صحيفة "لوموند" الفرنسية حول ما إذا كان الانتهاء من محاربة تنظيم "داعش" في سورية سيترك "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي يهيمن عليها الأكراد، تحت رحمة تناقضات حلفائها، وذلك في ظل استمرار القوات التركية وحلفائها منذ يوم السبت الماضي بخوض معارك في منطقة عفرين ضد المليشيات الكردية، شمالي سورية.


واستحضرت الصحيفة أنه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي طرد عناصر "داعش" من أنقاض عاصمتهم المزعومة، مدينة الرقة، بدعم وثيق من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. ولكن الحلفاء السوريين لواشنطن وباريس ولندن يواجهون، الآن، تركيا، ثاني أقوى جيوش حلف شمال الأطلسي "ناتو"، في شمال غربي البلاد. ومنذ 20 يناير/ كانون الثاني الحالي تهاجم القوات التركية وحلفاؤها من المعارضة السورية مواقع "قسد"، من دون أن يُظهر العرّابون الغربيون قدرتهم على كبح طموحات الأتراك وحلفائهم.


وتشير الصحيفة الفرنسية إلى إصرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أنه "لا عودة إلى الوراء"، وهو يتحدث عن الجبهة الجديدة التي فتحتها أنقرة في الصراع السوري، بعد دخول القوات التركية وحلفائها، يوم الأحد الماضي، إلى الخطوط الكردية. وهو ما دفع "قسد" للحديث عن مواجهات عنيفة، الإثنين، على جبهات عدة، على هوامش الجيب الذي يوجد تحت سيطرة الأكراد، نافية تقدم القوات التركية، على الرغم من أن بلدات حدودية عدة سقطت في أيدي الأتراك منذ بدء العمليات.

الحلقة الضعيفة
وتشكل عفرين، بحسب "لوموند"، الحلقة الأضعف في المجموع الترابي الذي أسسته "قسد" شمال سورية؛ إذ هي محاصرة بين الحدود مع تركيا والمناطق المتمردة الخاضعة للتأثير التركي والأراضي التي استعادها النظام السوري. كما أن هذا القطاع مقطوع عن أراضٍ شاسعة تحت سيطرة قوات، يهمين عليها الأكراد في شمال شرقي البلاد، انتُزِعت من تنظيم "داعش".

ولتفسير سبب تركيز الأتراك على هذه المنطقة، في الوقت الراهن، تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن منطقة عفرين، البعيدة عن الخطوط القديمة لجبهة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، لم يتمّ أبداً إدماجُها في نطاق المصالح الاستراتيجية الأميركية، على الرغم من أنها، من وجهة نظر السلطات الكردية السورية، تحتل، على الرغم من عزلتها، مكانة مركزية، من وجهة نظر سياسية ورمزية.

وعلى الرغم من أن الصراع ضد تنظيم "داعش" ابتلع مجمل قواتها، إلّا أن التأطير الكردي في "قسد" لم يتخلَّ عن العمل على خلق ربط واتصال بين أراضيه في الشمال الشرقي وعفرين. ولكن بناء منطقة متواصلة تحت سيطرة كردية على طول حدودها الجنوبية مع تركيا ترى فيه هذه الأخيرةُ، حسب "لوموند"، تهديداً وجودياً يحدّد أساس السياسة السورية لتركيا.

ولا تخفي الصحيفة الفرنسية أن "قوات سورية الديمقراطية" تنحدر من الرَّحِم العسكرية والأيديولوجية والتنظيمية لحزب العمال الكردستاني (بي. كي. كي)، الذي تصنّفه أنقرة تنظيماً إرهابياً، ويقود حرب عصابات ضد الدولة التركية منذ سنة 1984. كذلك تكشف أيضاً أن حزب العمال الكردستاني يحظى في منطقة عفرين بشعبية قديمة تعود إلى بدايات نشاطه المسلح.

وتتميز عفرين، كما تقول الصحيفة، بوجود أغلبية سكانية من الأكراد، خلافاً لبقية الأراضي التي تسيطر عليها "قسد"، إضافة إلى أنها أرض لجوء واستقبال للحركة الكردية، وقد حصلت على نوع من الاستقلال ابتداءً من سنة 2012.

ثم ترى الصحيفة أنه إذا كان التحالف بين واشنطن و"قسد" في شمال شرقي سورية ازداد بشكل عميق، إلا أن الوحدات الكردية الموجودة في منطقة عفرين لا تتمتع بحماية التحالف الدولي. وهو ما يعني أن هذه القوات الكردية هي ضحية فعلية لتناقضات لا تُحتَمَل لسياسة واشنطن في سورية. إذ بينما كان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، يُفصّل، يوم 17 الجاري، مَحاور الاستراتيجية السورية للولايات المتحدة الأميركية، التي تتضّمن حُضوراً غير مُحدَّد لقوات أميركية لدى "قسد" وتحديداً لدور كبير جداً لهذه القوات الأميركية في فرض الاستقرار في الأراضي التي تتم استعادتها من تنظيم "داعش" في الشمال الشرقي، كان وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، يستعرض، يوم الأحد الماضي، "القلق الأمني الشرعي" لتركيا في ما يخص "قسد" في عفرين، مستبعِداً أي شكل للتدخل بين المتصارعين.

ولأن "قوات سورية الديمقراطية" لا تستطيع أن تعتمد على دعم حليفها الأميركي في عفرين، فقد أقامت علاقات تكتيكية، خلال السنوات الماضية، مع موسكو، التي يعتبر تأثيرها السياسي والعسكري مُهيمِناً في هذا الجزء من سورية. وفي فبراير/ شباط 2016، استطاعت أن تستولي على مدينة تل رفعت وعلى قاعدة منغ الجوية المجاورة من خلال تنسيق حركاتها المنطلقة من عفرين مع القوات الروسية النشيطة في المنطقة. كما أن الروس يحافظون، أيضاً، على حضور عسكري في المنطقة الكردية، مع ما يستتبعه من ظهور علني ومنتظم لضباط روس إلى جانب قيادات "قسد" إلى فترة قريبة.



منبج.. الهدف التركي المقبل؟
وترى الصحيفة أن قادة "قسد" لم يخفوا غبطتهم من قدرتهم على الحفاظ على علاقات براغماتية ومتزامنة مع موسكو وواشنطن، ولكن هذا الأمر لم يكن كافياً لتأمين وضعيتهم في عفرين؛ إذ لم يستطيعوا أن يعتمدوا على وساطة الروس، الذين كان رِضاهُم ضرورياً للتدخل التركي، وهو ما أكده الرئيس التركي، أمس، حين قال: "لقد تطرقنا للتدخل في عفرين مع أصدقائنا الروس، ونحن على اتفاق معهم".

وتوضح الصحيفة الفرنسية أن هذه الأزمة، التي تضع العلاقات بين "قسد" وحلفائها الغربيين، العاجزين عن الحؤول دون التدخل التركي، موضع الاختبار، يمكن أن تحثّ القوات الكردية على صرف جهودها ومواردها عن الشرق السوري، حيث لا تزال بصماتُها حديثة العهد، من أجل تعزيز مواقعها في المناطق التي تتعرض لتهديد تركي مباشر.

وهنا ترى صحيفة "لوموند" أن مدينة منبج، ذات الأغلبية السكانية العربية، التي انتزعتها "قسد" من تنظيم "داعش"، تحدثت عنها تركيا، بشكل مباشر، باعتبارها الهدف المقبل، على الرغم من وجود وحدة عسكرية أميركية فيها. وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن مواقع كردية في الشرق السوري، على طول الحدود التركية، كانت، هي الأخرى، هدفاً لقصف متقطع للمدفعية التركية، أمس، وهو ما يغذّي مخاوف من توسيع مناطق الصراع.

وأخيراً توقفت الصحيفة الفرنسية على أنه مَهما كانت نتيجة ما يجري، الآن، فإن المواجهات الحالية في منطقة عفرين أصبحت تهدد أهداف الاستقرار الذي حمله التحالف الدولي في سورية، كما أنها تنذر بمرحلة جديدة من الصراع، في الوقت الذي، بالكاد، تنتهي فيه مكافحة تنظيم "داعش".