العقوبات على إيران: حسابات أميركا قد لا تصيب

العد التنازلي للعقوبات على إيران: حسابات أميركا قد لا تصيب

03 نوفمبر 2018
تعول أميركا على تأثر الاقتصاد الإيراني بالعقوبات (فاطمة بهرمي/الأناضول)
+ الخط -
كان من المتوقع مع اقتراب موعد تطبيق الشق الهام من عقوباتها ضد إيران، أن ترفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من لهجة تحذيرها الآخرين من عواقب الخروج على خطوتها. وتعوّل إدارة ترامب على العقوبات باعتبارها تستهدف قطاعات حساسة وأساسية تؤذي الاقتصاد الإيراني، في مقدمتها النفط والتعاملات المالية الدولية. وكانت الإدارة الأميركية نبّهت في أغسطس/آب الماضي إلى أنها لن تتسامح مع الدول ولا مع الشركات الأجنبية التي لا تلتزم بمقاطعة إيران في هذه المجالات وغيرها، وهددت بمعاقبتها ووقف تعاملها مع المصارف والسوق الأميركية في حال واصلت علاقاتها التجارية مع طهران. كما كانت قاطعة في أنها "لن تمنح إعفاءات" لأي من هذه الجهات مهما كانت ظروف أعمالها ودواعي استمرارها في إيران، كما قال آنذاك وزير المالية ستيفن منوتشين. 

لكن مع اقتراب موعد دخول العقوبات حيز التنفيذ صباح الإثنين المقبل، تغيرت النبرة الرسمية الأميركية. وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ابتعد في مقابلة معه قبل أيام، عن لغة التهويل التي سبق واستخدمتها الإدارة مع الأوروبيين واستعاض عنها بلغة التعاون عندما قال: "نعمل معهم لشرح الموقف"، من دون أي إشارة إلى عقوبات ثانوية ولو بالتلميح. كما لم يذكر أي شيء عن الصين التي تنوي مع الهند مواصلة استيرادها النفطَ الإيرانيَ. كذلك، فعلت وزارته في اللقاء الصحافي أول من أمس، حين كرر متحدث رسمي باسمها التذرع بـ"الإرهاب الإيراني" كمبرر للعقوبات التي دأبت الإدارة على القول إنها "لا ترمي سوى إلى حمل طهران على تغيير سلوكها".

إلا أن المؤشر الأهم على تراجع لغة التهويل كان في ما ورد على لسان مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، المعروف بتشدده تجاه إيران. ففي مقابلة معه أول من أمس، أبدى ليونة مفاجئة وتفهماً غير متوقع تجاه "عدد من الدول التي ربما لا تتمكن من التوقف الفوري وبشكل كامل عن استيراد النفط الإيراني". ومما قاله: "نريد ممارسة ضغوط قصوى، لكننا لا نريد الإضرار بأي من أصدقائنا وحلفائنا".

وسرعان ما أضيف إلى كل ذلك تنازل أميركي آخر، بعدما نقلت وكالة بلومبرغ، أمس الجمعة، عن مسؤول أميركي قوله إن الولايات المتحدة وافقت على السماح لثماني دول بالاستمرار في شراء النفط الإيراني بعد إعادة فرض عقوبات على طهران بدءاً من الأسبوع المقبل، بينها كوريا الجنوبية، الحليف المقرب من الولايات المتحدة، واليابان والهند، فيما لا تزال الصين تجري مباحثات مع الولايات المتحدة، على أن تعلن القائمة النهائية للدول يوم الإثنين المقبل على الأرجح.
في الواقع، الإدارة لا تقوى على ممارسة الضغوط على أصدقائها وحتى حلفائها، فهي في شبه حرب تجارية مع أطراف دولية وازنة. وبالتالي، لا تتحمل زيادة عدد الخصوم والدخول في حرب عقوبات واسعة قد ترتد سلباً خلال فترة قريبة على الاقتصاد الأميركي. كما أن توقعاتها وتلويحها بالعمل على "تصفير" الصادرات النفطية الإيرانية غير واقعية. التقديرات المتداولة تستبعد تحقق هذا الهدف المبالغ فيه. بعضها يرى أن طهران قد لا تخسر تصدير سوى مليون برميل يومياً. كما تذهب تقديرات أخرى إلى أنه سيبقى في وسع إيران تصدير ما لا يقل عن مليون برميل. وفي الحالتين "قد يكون في ذلك ما يكفي لدعم اقتصادها وتمكينها من الصمود لغاية نهاية رئاسة دونالد ترامب"، كما تنقل صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن خبراء في شؤون الطاقة.

يضاف إلى ذلك ويوازيه في الأهمية، إن لم يكن أكثر، أن رصيد الإدارة مع العديد من الدول في العالم هزيل وعلاقاتها مع هذه الدول متوترة، خصوصاً في ما يتعلق بانسحابها من الاتفاق النووي الإيراني، فضلاً عن انسحاباتها من اتفاقيات دولية أخرى.
الخصومة الدولية الواسعة مع سياسة إدارة ترامب الخارجية، وضعتها في عزلة قد تحاصر عقوباتها وتنتقص من فعاليتها. وازدادت هذه العزلة في الفترة الأخيرة بعد مقتل الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وذلك بعد أن بدت واشنطن "مشاركة في عملية التستر" ولو مواربة على القاتل. وبالمناسبة، كرر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مقابلته موقف الإدارة الذي يخفي محاولة لـ"لفلفة" الجريمة، إذ اكتفى بالتركيز على ضرورة "تقصي الحقائق" مع تجاهل السؤال عن هوية صاحب قرار القتل. وهو سؤال لا يزال يحتفظ بزخمه مع سؤال آخر: أين رفات جمال خاشقجي؟
لا ينكر مراقبون أن العقوبات الجديدة ستكون مكلفة لاقتصاد إيران ولوضعها الداخلي، السياسي وربما الأمني. لكن، ليس كما وعدت إدارة ترامب. المشكلة الرئيسية تكمن في أن العقوبات ليست دولية. ومن هنا يمكن فهم تراجع لهجة المسؤولين، بما يعكس انخفاض توقعاتهم من مردود العقوبات.