الاختراق الإسرائيلي لسيناء: تجاهل مصري يعزز سيناريو "الحرب بالوكالة"

الاختراق الإسرائيلي لسيناء: تجاهل مصري يعزز سيناريو "الحرب بالوكالة"

13 فبراير 2017
إسرائيل تشدد الرقابة على الحدود مع مصر(Getty)
+ الخط -
لم يكن استخدام تنظيم "ولاية سيناء" عبارة "حرب الوكالة" في بيان إعلان مسؤوليته عن إطلاق صواريخ "غراد" على الأراضي الفلسطينية المحتلة أخيراً، بعيداً عن الدور الذي تمارسه إسرائيل في سيناء منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، والذي يصرّ الجانب المصري على إنكاره. ومع استمرار مسلسل الاختراق الإسرائيلي للأجواء والأراضي المصرية، وعلى الرغم من وجود الكثير من الأدلة والشواهد التي تؤكد حصوله بشكل متكرر، إلا أن السلطات المصرية تلتزم الصمت التام تجاه ذلك، وهو ما يعني قبولاً ضمنياً به.

وظهر اختراق إسرائيل المجال الجوي المصري جلياً، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، حين قصفت طائرة من دون طيار 10 مدنيين عقب خروجهم من صلاة الجمعة، في منطقة العجراء بمدينة رفح، ليرد تنظيم "ولاية سيناء" بقصف أم الرشراش (إيلات) بصواريخ غراد، الأربعاء الماضي. وتوعّد التنظيم، في بيان تبني الهجوم الصاروخي، بمزيد من العمليات، قبل أن يؤكد أن ما تقوم به إسرائيل هي "حرب وكالة"، في إشارة إلى مشاركتها مع الجيش المصري في الحرب عليه. وقد حلّقت طائرات من دون طيار خلال اليومين الماضيين على طول الشريط الحدودي بين مصر والأراضي المحتلة.



وكشفت مصادر خاصة من سيناء عن توعّد عناصر من تنظيم "ولاية سيناء" بمواصلة إطلاق صواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال الفترة المقبلة، رداً على انتهاك الطائرات من دون طيار الإسرائيلية لسيناء. وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن عناصر التنظيم أكدوا للأهالي والمقربين منهم مواصلة قصْف الإسرائيليين في الأراضي المحتلة، للثأر لعمليات قصف الطائرات من دون طيار. 
ولفتت المصادر إلى أن الطائرات من دون طيار الإسرائيلية تخترق الأجواء المصرية بصورة شبه يومية، منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، مشيرة إلى أن هذا الأمر يتم، بكل تأكيد، بالتنسيق مع الجانب المصري، وفق تعبيرها. وتابعت أن هذا النوع من الطائرات لا يقصف فقط ولكن يضطلع بمهام استطلاعية لرصْد تحركات المسلحين ومساعدة الجيش المصري في مهماته على الأرض. وأشارت إلى أن أهالي سيناء ضاقوا من القصف المتكرر من قبل الطائرات الإسرائيلية والجيش المصري، فضلاً عن جملة الانتهاكات الأخرى من اعتقالات وتصفيات جسدية.
وأوضحت المصادر ذاتها أن عملية إطلاق صواريخ تجاه الأراضي المحتلة ليست بالسهلة على الإطلاق، لا سيما في ظل تشديد دولة الاحتلال الرقابة على الحدود مع مصر، ورصد تحركات العناصر المسلحة على طول الشريط الحدودي. وأكدت أن الموساد يجنّد بعض من وصفتهم بـ"العملاء" للإبلاغ عن أية تحركات لمسلحين قرب الحدود، لرصد الدوريات العسكرية الإسرائيلية تمهيداً لتنفيذ هجوم مسلح عليها أو إطلاق صواريخ، وفق المصادر.

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في أغسطس/آب الماضي عن ثلاثة مشاهد لاختراق إسرائيل لسيناء، أولاً اختراق طائرات من دون طيار إسرائيلية المجال الجوي المصري وتنفيذ عمليات قصف ضد أهداف هناك، وثانياً الاعتماد على شبكة من الجواسيس الذين يتعاملون مع الموساد الإسرائيلي لنقل تحركات المسلحين، وأخيراً قيام ضباط إسرائيليين بالاتصال بأهالي سيناء لحثّهم على نقل تحركات المسلحين وتحذيرات من التعامل معهم، فضلاً عن حثهم على الرحيل من المناطق التي تشهد عمليات مسلحة.

وأول واقعة تورّطت فيها إسرائيل بقصف أهداف في سيناء كانت من خلال طائرة من دون طيار، حين تم استهداف أحد عناصر الجماعات المسلحة ويدعى إبراهيم عويضة. ونفذت طائرة من دون طيار قصف لدراجة نارية كان يستقلها عويضة. ووفقاً لأقوال بعض المتعاونين مع الجانب الإسرائيلي، في اعترافات حصل عليها تنظيم "أنصار بيت المقدس" لاحقاً، فإنهم زرعوا شريحة إلكترونية في دراجة عويضة لإمكانية تحديد مكانه وقصفه، في أواخر عام 2012.

عقب ذلك توالت عمليات القصف الجوي من قبل طائرات من دون طيار، يُعتقد بأنها إسرائيلية، لعدم امتلاك مصر هذا النوع من الطائرات، التي يمكنها حمل صواريخ والمشاركة في عمليات قتالية، بحسب ما أكدت مصادر عسكرية مصرية خاصة لـ"العربي الجديد".

وما بين واقعة عويضة في 2012 ومقتل 10 مدنيين أخيراً، توجد عشرات الحالات لقصف طائرات من دون طيار لأهداف في سيناء، خلال ما يزيد عن ثلاثة أعوام، ومنها مقتل مواطن يدعى، ناجح سليمان، في أغسطس/آب الماضي، إثر قصف السيارة التي كان يستقلّها، في مدينة رفح المصرية، من طائرة بدون طيار مجهولة المصدر. وبحسب روايات اﻷهالي في سيناء حينها، قتل سليمان في قصف لطائرة من دون طيار مجهولة، من المرجح أن تكون إسرائيلية، لا سيما أنه تلقى تهديدات بعدم المرور في المناطق الحدودية.

انتهاكات وعصيان

وفيما تتصاعد الانتهاكات بدرجة غير مسبوقة ضد أهالي سيناء، أفاد تقرير لما يسمى "البرلمان المصري بالخارج"، بأنه تم رصد وصول عدد القتلى والجرحى من المدنيين إلى 94 مواطناً، بينهم نساء وأطفال.

وفي سياق دعوات العصيان المدني، التي بدأت أولى خطواته في مدينة العريش، السبت الماضي، بدت الأوضاع هادئة، لا سيما أن الدعوة لا تتضمن عدم التوجه إلى العمل، ولكن فقط الاكتفاء بعدم دفع فواتير الكهرباء والماء. وجددت اللجنة الشعبية المنبثقة عن اجتماع أهالي العريش في ديوان آل أيوب، ترحيبها بكل دعم شعبي لها، نظراً لكون سيناء هي قضية كل الشعب المصري وليس أبناء سيناء فقط، بحسب قولها، وسط تأكيد على أن اللجنة مستقلة في تعبيرها عن أبناء سيناء وتلك الاستقلالية لا تتنافى مع أي دعم لها، وفق ما ذكرت اللجنة. وشددت على التمسك بقرارها السابق بالدعوة لمؤتمر العريش الثاني يوم 25 فبراير/شباط 2017، فضلاً عن الترحيب بمندوبين من كل مدن شمال سيناء ممن يعانون يومياً من التضييق على حياتهم، حتى تكون الخطوات المقبلة معبّرة ليس فقط عن أبناء العريش وإنما عن أبناء سيناء كلهم، وفق ما أعلنت اللجنة نفسها.

وحاول الجيش المصري إظهار أن الأمور في العريش طبيعية إلى أقصى درجة، خلافاً لحالة الغضب الشعبي الواسعة. ونشر المتحدث الرسمي العسكري باسم الجيش عدة صور تجمع عدداً من أفراد القوات المسلحة مع بعض الأهالي خلال وجوده في سيناء. وقال المتحدث في بيان مقتصب تعليقاً على تلك الصور: "قوات إنفاذ القانون بشمال سيناء تتلاحم مع أهالي سيناء الشرفاء لحماية مقدرات الشعب المصري، والتصدي بكل حسم لكل من تسوّل له نفسه المساس بأمن واستقرار الوطن"، وفق البيان العسكري.

ومارست الأجهزة الأمنية والسيادية ضغوطاً شديدة خلال الأيام القليلة الماضية، لإفشال خطوات التصعيد التي قرر أهالي العريش اتخاذها، رداً على جملة الانتهاكات المستمرة المصاحبة للعمليات العسكرية، وأبرزها تصفية 10 شباب بدعوى "ضلوعهم في أعمال إرهابية". ويشار إلى أن الضغوط الأمنية لم تشمل أهالي العريش فحسب، بل امتدت لتشمل سكان مدينتي رفح والشيخ زويد، لعدم السماح لأي فرصة لتصعيد قبلي ضد القوات المشتركة من الجيش والشرطة المصريين، وبالتالي النظام الحالي بأكمله.

المساهمون