مصير مجهول لمختطفي التظاهرات العراقية: الأهالي يطرقون أبواب الفصائل

مصير مجهول لمختطفي التظاهرات العراقية: الأهالي يطرقون أبواب الفصائل


26 ابريل 2020
أهالي المختطفين لا يعولون على الأجهزة الأمنية(حيدر همداني/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال الناشط والمحامي علي جاسب مجهول المصير، بعد أن اختطف في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إثر مشاركته في الاحتجاجات بمدينة ميسان جنوبي العراق، حاله كحال العشرات من الذين تم تغييبهم بطرق غامضة خلال الأشهر الماضية، بعد تفجر التظاهرات الشعبية في مدن جنوب ووسط العراق وبغداد، ولا يعرف ذووهم أياً من المعالم الواضحة عن طبيعة أماكن اختطافهم ووضعهم وهل هم أحياء أم أموات. 

ولم يعد أهالي المختطفين يعولون كثيراً على الأجهزة الأمنية، ومنها الشرطة والجيش والأمن الوطني، في كشف مصير أبنائهم، والتي وعدت بالتحقيق والمتابعة دونما تنفيذ. لذلك يُجربون طريقة أكثر تماساً مع الخاطفين، عبر التواصل مع نواب وقادة في الفصائل المسلحة، في سبيل معرفة مصير المغيبين. وبالرغم من أن حملات اختطاف الناشطين والمتظاهرين في العراق، تزامنت مع اندلاع الاحتجاجات في بغداد ومدن وسط وجنوب البلاد، فإن الحكومة العراقية لم تعترف بوجود هذه الحملات، بل تلجأ في كثير من الأحيان إلى تكذيبها، من خلال المتحدث العسكري باسم الحكومة العراقية عبد الكريم خلف.

جاسب حطّاب هو والد المحامي علي حطاب، أبرز الشبان الذين غيبهم الاختطاف جنوبي العراق وتحديداً في محافظة ميسان، إحدى أسخن مناطق الاحتجاجات وأغنى مدن العراق وأفقرها في الوقت ذاته. يقول لـ"العربي الجديد"، إن "الجهات التي اختطفت ابنه تنتمي إلى الحشد الشعبي، وقد كانت تستخدم آليات مصفحة تملكها فصائل مسلحة. وقد تواصل خلال الأشهر الماضية مع كثير من الجهات الأمنية النظامية، ولكن دون جدوى، حتى أنه لجأ إلى مديرية الحشد الشعبي في بغداد، ولم يستقبله أحد". وبيّن، في اتصال هاتفي، أن "الحشد الشعبي، إذا كان مؤسسة أمنية خاضعة لسلطة الدولة العراقية، فعليه أن يكشف عن مصير المختطفين بواسطة الفصائل المسلحة، والتي تستخدم أسلحة الحشد وسياراته".

وبشأن آخر المستجدات عن ابنه المختطف، أشار إلى أن "المعلومات متضاربة، فبعض قادة الأجهزة الأمنية يعتقدون أنه اختطف إثر خلاف بينه وبين إحدى موكلاته، وتمّت تصفيته. لكن هذا غير منطقي، لأن التسجيل المصور للكاميرات أظهر أن مسلحين في سيارات حكومية قاموا باختطاف علي"، موضحاً أن "علي كان شارك، قبل أيام من اختطافه، في التظاهرات، ثم تطوع مع مجموعة من المحامين للدفاع عن المعتقلين من المحتجين لدى السلطات العراقية، وهذا هو سبب الاختطاف الذي تحول إلى تغييب".



ما يجري مع أهل علي جاسب، يحدث أيضاً مع ذوي الكاتب والباحث العراقي مازن لطيف، والصحافي توفيق التميمي، اللذين اختطفا واختفى أثرهما بسبب دعمهما للحراك الشعبي في البلاد، ولم تتبنَ أي جهة حتى الآن مسؤولية اختفاء الناشطين. وعقب الإعلان عن اختطافهما، اتهم النائب العراقي فائق الشيخ علي استخبارات الحشد الشعبي بخطفهما، مبيناً، في تغريدة عبر "تويتر"، أن "استخبارات الحشد هي التي اختطفت مازن لطيف وتوفيق التميمي. ولأن الأول يكتب عن يهود العراق فقد اتهمته الاستخبارات بمناصرة إسرائيل. ولأن الثاني طالب بإطلاق سراحه اعتبروه شريكاً له...".

وقال أحد الأصدقاء المقربين من مازن لطيف، لـ"العربي الجديد"، إن "لطيف مختطف منذ أكثر من شهرين على أيدي عناصر مليشيات مسلحة في بغداد، تعمل منذ انطلاق التظاهرات العراقية على إنهائها بمختلف الطرق، عبر اغتيال الناشطين والصحافيين وخطف المشاركين أو الداعمين لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي". وأكد أن "آخر ظهور للطيف كان في بغداد، في الأول من فبراير/شباط الماضي، وكان قد اتصل بأصدقاء له، وقال لهم إنه داخل مقهى في ساحة الميدان وسط العاصمة، ثم اختفى، وأُغلق هاتفه". ولفت إلى أن "الأجهزة الأمنية لا تتعاون مع ذوي الخاطفين، كما أنهم يعتقدون أن معظم المختطفين، كانوا يعانون من مشاكل اجتماعية وتم اختطافهم بسبب ذلك، مع العلم أن مازن وغيره لم يكونوا من أصحاب المشاكل"، مستدركاً بالقول إن "المليشيات التي قتلت المتظاهرين هي ذاتها التي اختطفت مازن، وهي موالية للحكومة العراقية والنظام الإيراني".

ولغاية الآن، لا تتوفر حصيلة بعدد المختطفين من ناشطي التظاهرات العراقية، إلا أن مدن بغداد وميسان والناصرية والبصرة تتصدر عندما يتمّ الحديث عن الملف. وقبل نحو شهرين، كشفت وسائل إعلام عراقية عن العثور على جثة ناشط في التظاهرات بمحافظة بابل، كان سُجل اختفاؤه مع تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية بالمحافظة. وقتْل الناشطين والمتظاهرين ليس ظاهرة جديدة، إذ تمّت تصفية العديد منهم منذ العام 2010، عبر اقتحام المنازل واغتيالهم بأسلحة كاتمة للصوت. كما اختطف ثلاثة من أبرز النشطاء، وهم جلال الشحماني في بغداد صيف 2015، ولا يزال مغيباً، أعقبه الناشط واعي المنصوري من بغداد، ثم فرج البدري أحد منسقي تظاهرات محافظة ذي قار في العام 2018، وهم من الذين عُرفت عنهم مساهمتهم وقيادتهم للتظاهرات والوقفات الاحتجاجية.

وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" قد حذرت، في وقت سابق، من وجود "كيانات مجهولة تعتدي على المتظاهرين والصحافيين وتضايقهم وتهددهم بالموت، وتعمل على ترويعهم". ودعت قوات الأمن العراقية إلى أن تتصدى لتلك الكيانات المجهولة وفق القانون. واتهم رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، سابقاً، فصائل في الحشد الشعبي، من دون تسمية فصيل بعينه، بتنفيذ عمليات اختطاف في بغداد. وقال: "كشفنا الكثير من خلايا الخطف. وبعض من نقبض عليهم لهم علاقة بالفصيل الفلاني، والفصيل يتبرأ منهم"، مضيفاً: "نحتاج للكثير من البحث في هذا الإطار، لأن هؤلاء مجرمون يقومون بعمليات خطف إجرامية". كما وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اتهاماً صريحاً لفصائل في الحشد الشعبي بالوقوف وراء اختطاف الناشطين العراقيين في أكثر من مناسبة، معتبراً أن الخاطفين هم "إرهابيون ينتمون إلى المليشيات الوقحة"، في إشارة إلى فصائل مسلحة تابعة لإيران وتتصدرها "عصائب أهل الحق" المنشقة عن تيار الصدر.

في غضون ذلك، أعلن عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي، أن "الناشطين والمتظاهرين المختطفين، يُعاملون من قبل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية على أنهم يمثلون خطراً على الأمن القومي في البلاد". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الأساليب الحكومية القمعية المستنسخة من نظام صدام حسين، لا تزال متواصلة ضد العراقيين، وهذا أمر نرفضه، وقد خاطبنا السلطات بالامتناع عن تعنيف المتظاهرين والناشطين، ولكنها لا تُجيب".