هل اقترب موعد أفغانستان مع بداية طي صفحة الحرب؟

هل اقترب موعد أفغانستان مع بداية طي صفحة الحرب؟

23 اغسطس 2019
من جولة مفاوضات سابقة في الدوحة (فرانس برس)
+ الخط -
راجت في الأيام الأخيرة سوق التكهنات في واشنطن حول احتمال التوصل قريباً إلى اختراق ما في أفغانستان. ليس بالضرورة من نوع الحل الشامل. بل ربما تسوية انتقالية تمهد لبدايات طي صفحة حرب الـ18 سنة.

استند هذا التفاؤل وإن المتحفظ جداً إلى جملة مؤشرات وتلميحات ومشاورات عالية المستوى، تلاحقت في أعقاب جولة المفاوضات الأخيرة في الدوحة، والتي وصفت بأنها حققت بعض التقدم. يضاف إلى ذلك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتعجل الانسحاب الجزئي إن لم يكن الكلي من الساحة الأفغانية خلال العام الانتخابي الجاري. وربما تكون صيغة إخراج مثل هذا الانسحاب، محور محادثات الجولة التالية من المفاوضات.

بدأت الدلائل تتوالى مع تصريح زير الخارجية مايك بومبيو مؤخراً بأن الرئيس ترامب قد أوعز إليه بالبحث عن صيغة تكفل مغادرة قوات أميركية من أفغانستان قبل انتخابات الرئاسة في السنة القادمة. كلامه أثار مخاوف جهات أميركية أمنية ومعنية بالسياسة الخارجية، من تكرار سيناريو العراق في 2011 وما ترتب عليه من تداعيات مكلفة.

قبل ثلاثة أيام تراجع الوزير ليحيط تصريحه بطبقة من الضباب مع التشديد على أن "خفض القوات في أفغانستان مرهون بالوضع على الأرض وبما يتحقق معه من تقليص للمخاطر والكلفة في مواصلة تدمير القاعدة وداعش" هناك. حصر الخصومة بهذين التنظيمين ولم يأت على ذكر "طالبان". وفي الاعتقاد أن المفاوضات قطعت شوطاً في العمل على الفصل بين الحركة و"القاعدة".

كما أعرب الرئيس ترامب الثلاثاء مرة أخرى عن رغبته "في تقليص حجم القوات الأميركية في أفغانستان"، مع التلميح إلى أن المباحثات الثلاثية الجارية ربما تنتهي إلى الانسحاب التام الذي لم يستبعده وإن لم يؤكده.

ويذكر أن هذه الإشارات الواعدة صدرت عنه بعد أيام قليلة من الاجتماع غير الاعتيادي الذي ترأسه لمجلس الأمن القومي في منتجعه الصيفي بولاية نيوجرسي يوم الجمعة الماضي، بحضور المبعوث الخاص زلماي خليل زاد الذي وضع المجلس في صورة "التقدم" الذي تحقق في الجولة الأخيرة من المفاوضات. ثم جاءت عودة المبعوث قبل يومين إلى الدوحة "لمواصلة الحوار"، لتعزّز الاعتقاد بأن المفاوضات حققت قدراً من الحلحلة المفتوحة على التطوير في قضايا وقف النار والانسحاب الأميركي التدريجي.

شرط واشنطن بوجوب دخول "طالبان" وكابول في مفاوضات ثنائية مباشرة، يبدو أنه ما زال عقبة كبيرة، وإذا تحقق يوفر الغطاء السياسي لانسحاب واشنطن باعتبار أن جلوسهما يحول المسألة إلى مشكلة سياسية أفغانية يسعى أطرافها عبر التفاوض إلى تسوية تكفل المشاركة في الحكم. لكن حركة "طالبان" ترفض هذه الصيغة بذريعة أن الحكومة "ألعوبة بيد واشنطن".

مع ذلك ثمة من يرى أن تمسك "طالبان" بهذا الرفض ليس سوى ورقة تستخدمها لتحسين شروط التفاوض مع واشنطن وأنها ستتنازل عنها في آخر المطاف لضمان مخرج تسعى إليه. لكن في قراءات أخرى أن "طالبان" تعرف مدى استعجال الرئيس ترامب على صيغة انسحاب تحفظ ماء الوجه، وبالتالي من المستبعد أن تتخلى عن رفضها الجلوس الثنائي مع الحكومة الأفغانية. ولذا تتخوف بعض الجهات من أن تُقدم الإدارة على "تنازلات تتجاوز معها بعض الشروط الأساسية بغية تمهيد السبيل للانسحاب ولو من دون ترسيخ أسس السلام".

وهذا الاحتمال ليس خارج حسابات الإدارة برغم التحذيرات من عواقب ما بعد المغادرة. فالرئيس ترامب يعرف ثلاث حقائق: أن الحرب الأطول في تاريخ أميركا مكروهة لدى الأميركيين والمطالبة كاسحة بوجوب وضع حد لها بأقرب ما يمكن.

ثانياً أن حسمها العسكري غير وارد إلا في حالة "قتل الملايين من الأفغان وفي مدة لا تتجاوز الأسبوع وهذا ما لا أريده" كما قال ملوحاً بالسلاح النووي المستبعد. ثالثاً أنه ليس هناك من يملك حلاً مفضلاً وقابلاً للتطبيق. على أساس هذه المعطيات، لن يكون من المجازفة التوقع بأن يبدي البيت الأبيض ليونة تكفل فتح طريق الخروج من مأزق هذه الحرب.