وقف الخليلي... أرض مجاورة للسفارة الأميركية المتوقعة في القدس

30 يناير 2017
تظاهرات في نابلس ضد نقل السفارة (نضال إشتيه/الأناضول)
+ الخط -
تعد الأرض الوقفية المملوكة لعائلة الشيخ محمد الخليلي صب لبن، الواقعة في الطريق إلى صور باهر جنوبي القدس المحتلة، شوكة في حلق المخططات الاستيطانية الإسرائيلية، وتثير أزمة لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة التي شيدت بقربها قنصليتها الجديدة.

ويقول حفيد الشيخ الخليلي أحمد صب لبن الباحث في شؤون الاستيطان لـ"العربي الجديد": "إن الأرض تقع خلف مبان ضخمة تمتد على طريق القدس بيت لحم، حيث تتوارى الآن عن الأنظار بفعل المباني التي شيدها الاحتلال على امتداد الشارع".

ويؤكد صب لبن، ملكية جده الخالصة لتلك الأرض باعتبارها أرضا وقفية تحمل اسم الشيخ محمد الخليلي، وهو من مشايخ وعلماء القدس المشهورين، وكانت أوقفت مساحات كبيرة من الأراضي باسمه، بما في ذلك المتحف الفلسطيني شمال البلدة القديمة من القدس والمطل على أسوارها العتيقة، والذي بات يحمل الآن اسم متحف روكفلر، ويضم في جنباته بناء على ما يشبه قصرا قديما كان يحوزه الشيخ الخليلي.

ويبدو أن هذه المكانة للأرض، هو ما دفع الإدارات الأميركية في السابق لعدم البناء على تلك الأرض استشعاراً لحساسية القضية والاعتداء على أرض وقفية، فيما استبدلت خطط البناء بأخرى، إذ تم بناء مقر ضخم على أراضي صور باهر تم شراؤها قبل عقد لغرض بناء المقر.

ويتوقع صب لبن أن يكون هذا المبنى هو المقر الذي سيتخذ منه السفير الأميركي في تل أبيب مقرا له ومن مكاتبه يدير أعماله، وربما ينتقل بمكتبه إلى مقر القنصلية الأميركية قبالة مقبرة مأمن الله في القدس الغربية، وهو احتمال كبير، ما يعني أن الإدارة الأميركية الجديدة ستتلافى عندها ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية، وفي الوقت ذاته سيظهر هذا التزام ترامب بوعده نقل مقر السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

هذا الاحتمال يؤكده، أيضا خليل تفكجي مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس في حديث لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن مبنى القنصلية في حي أرنونا جنوب المدينة المقدسة من الضخامة بحيث يصلح لأن يتحول إلى سفارة أميركية، لكن هذا سيعيد الجدل بين الأميركيين والفلسطينيين، لأن مبنى القنصلية في حي "أرنونا" يقع في الشطر الشرقي المحتل من القدس وليس في غربها كما يقول صب لبن.

في زمن الشيخ محمد الخليلي، أقبل الغرباء على شراء الدور والأراضي في القدس، فوقف جميع ما يملك وقفاً ذرياً ودعا قومه إلى الحفاظ على الأرض المقدسة.

وعودة إلى الشيخ الخليلي، فهو محمد بن محمد الخليلي، كما تذكر المصادر التاريخية، وهو عالم متصوف جمع بين العلم والعمل والوعظ والتجارة، وأصله من أسرة صب لبن من مدينة الخليل.

اشتغل في شبابه ببيع الزيت والسيرج (زيت السمسم) في بلده، ولقيه مرة أحد الصالحين وطلب منه أن يملأ له كوزاً معه بالسيرج فملأه له فدعا له بالخير ونصحه أن يسافر إلى مصر لطلب العلم. واستجاب الشيخ لنصحه ودرس في الأزهر العلوم الدينية كالتفسير والحديث والفقه والقراءات، وطاف في بلاد الشام وأخذ في مدينة حماة الطريقة القادرية عن شيخها. ثم عاد إلى القدس سنة 1104هـ/1692 ميلادية وسكن في المدرسة البلدية في جدار المسجد الأقصى، وأخذ يدرس ويعظ ويصدر الفتاوى على المذهب الشافعي.

وأجازه الشيخ عبد الغني النابلسي، ولقبه "بعلامة البلاد المقدسية وفخر العلماء الصالحين وعمدة الفقهاء الكاملين". وحج سنة 1111هـ/1699م ثم عاد إلى القدس "قائماً بكمال العبودية صائما غالب أيامه خفية لا علانية، محباً للفقراء، مكرماً للضيفان، مكثراً للبر والصدقات".
وعرفت الدولة العثمانية مكانته فأرسلت إليه "الفرامانات" أي القرارات، السلطانية بخلع الرتب الدينية. ونظم الشعر الديني بلغة بسيطة تفهمها العامة، وجمع فتاواه الكبرى في مجلدين والصغرى في مجلد واحد.

ووقف الشيخ الخليلي سنة 1139هـ/1726 على طلاب العلم، مكتبة كبيرة احتوت على نحو 7.000 كتاب في التفسير والحديث والفقه والأصول والتوحيد والتصوف والقراءات والفرائض والحساب والفلك والنحو والمعاني والبيان والمنطق واللغة والأدب والتاريخ، وحبس عليها جزءا من ماله وجعل مآلها إلى الزاوية المحمدية القائمة في صحن الصخرة. وهي أقدم مكتبة عامة في القدس ما يزال بعض كتبها محفوظاً.

توفي الشيخ الخليلي، في الخليل سنة 1147هـ/1734م ودفن بمدرسة البلدية في القدس وترك عددا من المؤلفات، ومن مصنفاته: "فخر الأبرار في بعض ما في اسم محمد من الأسرار".


المساهمون