ظهر الفساد وعشَّش في اقتصادنا

ظهر الفساد وعشَّش في اقتصادنا

09 مارس 2015
الفساد ينخر مختلف القطاعات في الجزائر (Getty)
+ الخط -
قد لا يصدق الناس أن الفساد في الجزائر فاق كل مستويات الفساد في العالم. هنا، لم يبق الفساد ‏محصوراً في فئات محدودة ومعيّنة بذاتها بل شمل كل المستويات، ليضرب الهرم كله من البواب إلى الوزير، أما الطامة ‏الكبرى فعندما يشمل الفساد أناساً وضعت الأمة ثقتها فيهم... 
في الجزائر، لا يمكن سوى طرح الأسئلة التالية: ماذا بقي لنا عندما نكتشف ‏قضايا فساد كان بطلها وزيرنا السابق للطاقة والمناجم، وهو الذي كان على رأس وزارة لمدة ‏طويلة جداً؟ ماذا ننتظر من ذلك الموظف الذي يرى المسؤول الأكبر في وزارته فاسداً؟ لا ‏ننتظر إلا الخراب.
فعلاً، امتد الفساد إلى كل شيء، ليطال خصوصاً الأشغال العمومية. مثلاً في ما يتعلق بالطريق ‏السيار في الجزائر، يعتبر سعر الكيلومتر الواحد منه الأغلى في العالم، وهذا بسبب الفساد الذي ينخر ‏فيه.
إذ تم إنجاز عدد من المشاريع الكبرى خلال فترة فاقت الخمس عشرة سنة الماضية، وبلغت نفقاتنا ‏عليها وعلى توابعها ما يفوق 800 مليار دولار.‏.. هو مبلغ خيالي، لدرجة أنه لا يمكن أن نتخيل بل نعجز أمام ضخامته حين ننظر إلى واقع الجزائر اليوم بعدما أنفق ‏عليها هذا المبلغ، حيث لا ترى أي تغيّر حقيقي وملموس في شتى المجالات. وكأن المبلغ أكله ‏البحر أو حرق في النار.‏
إنه الفساد الذي مهما تغذى على عرق الناس وثروات البلد لن يشبع ولن يتوقف عن طلب ‏المزيد، خاصة إذا وجد البيئة التي تغذّيه. بيئة تواطأت على مجاراة الفاسدين والسكوت عنهم. ‏بيئة ما تزال تعتبر الفاسد رجلاً ثورياً يأخذ من أجل الفقراء ويحارب الظلم والقهر. إنه الوجه ‏الكاذب والمغالطة التي دخل فيها عامة الناس وخاصتهم، فكل واحد يحلف بأغلظ الأيمان ‏أنه لو تتاح له الفرصة لفعل أكثر من الفاسد.‏
هنا في الجزائر، بنينا المستشفيات لكنها بقيت هياكل دون روح، بقيت مرافق دون أطباء، وخصصت لها ‏الميزانيات الضخمة التي أكلت أموالاً طائلة في تجهيزات لا يستفيد منها المواطنون. والنتيجة هي الضرر ‏الشديد الذي لحق بالوضع الصحي للسكان نتيجة الفساد العظيم الذي ضيع قطاع الصحة ‏في بلادنا، خاصة مع بروز القطاع الصحي الخاص الذي ظهر كبديل فإذا به يصبح الحليف الأول ‏لأولئك الفاسدين الذين دمروا الصحة في بلادنا.‏
ها نحن نرى الصيدلية المركزية تحرق أكثر من 700 مليار سنتيم دواء فاتت صلاحيته، رغم أن العجز ‏المسجل في المستشفيات في مجال الدواء رهيب جداً. غير أن الفساد الإداري دفع بهذه الأدوية لتأكلها النار بدلاً من أن يستفيد منها المريض في بلادنا... إنه الفساد في أبشع صوره.‏
ثم يأتي السياسي الذي يحكمنا ليطلق لجنة لمكافحة الفساد تتابع الصغار وتترك الكبار. تتابع ‏الصغار بدقة وكأنها تقول لهم: "لماذا لستم حوتاً كبيراً حتى نخاف منكم ولا نقرب حصنكم المنيع؟"... ‏
هكذا تترسخ صورة نموذجية في بلدي: الحوت الكبير الفاسد يأكل الحوت الصغير. وهكذا يظهر الفساد ويعشش في اقتصادنا.
(خبير اقتصادي جزائري)

إقرأ أيضاً: الأردن.. خطوات وتحديات 

المساهمون