ياسمينة طاية: العادات الاجتماعيّة تكبّل عمل المرأة

ياسمينة طاية: العادات الاجتماعيّة تكبّل عمل المرأة

09 مارس 2015
أعمل على دعم الاستثمارات النسائية في غير قطاع(العربي الجديد)
+ الخط -
تقول أول سيدة أعمال جزائرية، ياسمينة طاية، إن مشوارها في مجال المال والأعمال لم يكن سهلاً، بل ناضلت وتحدّت جميع العراقيل التي وضعت في دربها، لتكوّن مجموعة من الشركات الناجحة
وهذا نص المقابلة:
* كيف كانت بدايتك في مجال المال والأعمال؟
لم يكن ضمن حساباتي يوماً أن أصبح سيدة أعمال، إذ كان ولوجي إلى هذا العالم بشكل فجائي، عندما قررت في بداية زواجي أن أقف إلى جانب زوجي، وأساعده على مصاعب الحياة، وبالتالي انطلقت بفكرة إقامة مصنع صغير للمشروبات الغازية، في مدينة القالة على الحدود الجزائرية التونسية في العام 1979، وكان مصنعاً صغيراً بآلات قديمة. ولحسن الحظ، بعد خمس سنوات، نجح المشروع، فقررت أن أوسّع أفق استثمارنا، فكانت فكرة الصيد البحري هي الأولى ثم مقاولة البناء. ونظراً لتمكني من إدارة الأعمال، فقد تكفلت برئاسة الإدارة العامة لهذه المؤسسات الثلاث وسهرت على تطويرها، وذلك بالاعتماد على تكويني الجامعي في المجال القانوني، وكذلك علم النفس وإدارة الاعمال واستراتيجية المؤسسات. ولم تكن مسؤولياتي العائلية وأولادي الأربعة متضاربة مع عملي، إذ منذ أن بدأت في نشاطي هذا، سعيت قدر المستطاع إلى التوفيق بين المسؤوليتين.

* هل كانت لديك أي صعوبات أو معوّقات اعترضت طريقك في تحقيق هذه المشاريع الاستثمارية؟
في الحقيقة، نعم، واجهت صعوبات وعراقيل كبيرة جداً في بداية مشواري في مجال الأعمال، ولكنني تحديتها بعزيمة وإصرار كبيرين. وكانت أولى هذه المعوقات هو المجتمع الذي لا يقبل بفكرة أن تكون امرأة سيدة أعمال، وترأس مؤسسة اقتصادية. فكنت في البداية، أفضّل عدم الظهور كمسيّرة ومشرفة رئيسية على هذه المؤسسات. أما المعوّق الآخر، فيتعلق بالنظام الاقتصادي السائد بالبلاد آنذاك، وأقصد النظام الاشتراكي الذي لم يكن يسمح بسهولة بقيام مؤسسات اقتصادية خاصة. لكنني وقفت في وجه هذه العوائق كلها، واستطعت أن أجعل من مؤسسة صيد الأسماك مؤسسة رائدة في مجال صيد وتصدير سمك ثعبان البحر أو "الأنغويا". فكنت أعمل على صيده وتصديره إلى إيطاليا.
بالإضافة الى ذلك، كنت أواجه مشاكل كبيرة في ما يتعلق بتراخيص التصدير إلى الخارج، وتراخيص عبور الشاحنات الإيطالية المخصصة لنقل سمك "الأنغويا" حياً عبر الحدود التونسية، وذلك بعد رسوّ السفن التي تقلّها إلى الشواطئ التونسية، بالإضافة إلى عدم توفر الإمكانات التقنية الكافية لتحليل مياه البحيرات التي تعيش فيها هذه الأسماك.
كذلك، عانيت خلال تلك الفترة من مركزية التسيير، فلا يمكنك خلال تلك الفترة أن تحل أي إشكال على المستوى المحلي، بل عليك التوجه إلى الجزائر العاصمة على مستوى الوزارة الوصية لحل المشكل. وعلى الرغم من ذلك، ثبتُّ في الميدان وأصبحت أول امرأة جزائرية تصدّر منتوجاً جزائرياً خاصاً إلى الخارج. وأمضيت عامين كاملين من المفاوضات مع الوزارة من أجل الحصول على دفتر شروط لاستغلال هذه الأسماك بثلاث بحيرات وفي مصب وادي المفرق.

* هل تملك الجزائر ما يكفي من هذا النوع من السمك حتى يصدّر إلى الخارج؟
هذا السمك لا يستهلكه الجزائريون، وهو ثروة سمكية نادرة وذات قيمة غذائية كبيرة لدى الأوروبيين. ولحسن الحظ يتوفر في الجزائر بكميات هائلة، فهو في مراحل نموه الأولى يهاجر من بحر "السرجاسو" إلى بحريات ووديان البحر الأبيض المتوسط، وذلك في هجرة عكسية ضد التيار، كي يكتمل نموه بهذه البحيرات. ثم يعاود الهجرة مرة أخرى من المياه العذبة إلى بحر السرجاسو عبر البحر الأبيض المتوسط ثم المحيط الأطلسي في رحلة اللاعودة، ليتكاثر هناك وتنتهي دورة حياته. وعملية صيده تكون ممكنة فقط خلال فترة هجرته من البحيرات إلى البحر، حيث نترصّده في الوديان عند مشارف البحر لنصطاده، ولكن للأسف الشديد لا يتم اصطياده هنا بالجزائر إلا نادراً. وقد أكدت مراراً وتكراراً للجهات الوصية على ضرورة الاهتمام بهذا النوع من السمك، الذي أعتبره ثروة كبيرة تذهب سدى من بين أيدينا لترمى في البحر. ودعوت إلى إقامة سدود بالوديان على مشارف البحر لوقف نزيف هذه العملة الصعبة والاستفادة منها، لكن لا حياة لمَن تنادي.

* هل حاولت القيام بشراكة اقتصادية بين شركاتك والمؤسسات الإيطالية العاملة في هذا المجال؟
نسمع الكثير من الأحاديث عن مفهوم الشراكة، وعلى الرغم من أن هناك شراكات مفيدة، إلا أنني أرى أن هذه الشراكة مع الأجانب على العموم غير مفيدة تماماً بشكلها الحالي. فقد عملت بطريقة ذكية مع شركة إيطالية في هذا المجال، واتفقنا معها على أن يكون منتوجنا حصرياً لها، مقابل تثمين هذا المنتوج، واستمرت المفاوضات بيننا خمس سنوات كاملة إلى أن تمكّنّا في النهاية من الحصول على تجهيزات تقنية حديثة من إيطاليا لصيد سمك الأنغويا، وتبادل الخبراء في ما بيننا، الأمر الذي ساعد على تطوير إنتاجنا ومضاعفة مدخولنا من العملة الصعبة. وهنا أؤكد أنه يمكن للشركات الجزائرية أن تستفيد من هذه الشراكات بشكل كبير، شريطة أن تتصرف بذكاء، وإلا فلا طائل من عمليات الشراكة. وأنا مستعدة لأن أضع خبرتي وتجربتي في هذا المجال لكل متعامل اقتصادي جزائري ينوي إقامة شراكة مع متعامل أجنبي.

* هل تلقيتم أي دعم من قبل الدولة في نشاطكم الاستثماري؟
للأسف الشديد، لم نتلق أي دعم، بل بالعكس تلقينا حجماً كبيراً من المشاكل والصعوبات التي كان الهدف من ورائها ثنينا عن المضيّ قدماً في هذا النشاط. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه في البلدان ذات التوجه الاقتصادي المشابه للجزائر، تتلقى الشركات التي تقوم بتصدير إنتاجها إلى الخارج وساماً من قبل رئيس الجمهورية. ولكن في الجزائر، للأسف، سعت بعض الأطراف الى تدمير الشركة، وتوقفنا عن مزاولة أعمالنا سنتين، لكننا واجهنا هذه المؤامرة بالإعلام، وأثرنا ضجة كبيرة على مستوى الصحافة الوطنية، وعبر المراسلات العديدة لوزارة الصيد البحري ورئاسة الجمهورية. ما مكنني من استعادة الشركة ومواصلة نشاطي. في المقابل، حصلت على عدة شهادات تقديرية وأوسمة من الخارج، أهمها الجائزة الاقتصادية "لازيو" لأوروبا وحوض المتوسط، وجائزة التنمية المستدامة باسم أفريقيا من مجموعة فيتون.

* ما رأيك في سياسة الدولة حالياً في مجال الصيد البحري؟
ما زالت النظرة الأحادية والتسيير الأفقي الغالب عليها. علمت أخيراً أن هناك مسعى في الوزارة لوضع دفتر شروط جديد لتنظيم مهنة الصيد البحري. لكن، وكالعادة، لم تتم استشارة أصحاب الخبرة من المهنيين الناشطين في المجال. ففي أي بلد يكون للشركة التي صمدت لأكثر من 18 عاماً في مجال الإنتاج والتصدير الأولوية في المشورة، قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بنشاطها، لكن عندنا جرى تهميش كل من يمكنه أن يقدم إضافة في مجاله.

* الحكومة حالياً، وفي ظل تراجع أسعار النفط، أقرت سياسة دعم الإنتاج الوطني وتشجيعه من أجل تنويع مصادر الدخل، فما هي المجالات الاستثمارية التي تعتبرين أنها تستحق خوض المغامرة؟
للجزائر إمكانات اقتصادية ضخمة خارج قطاع النفط. ففي القطاع البحري، على سبيل المثال، تملك الجزائر شريطاً ساحلياً يصل إلى 1200 كلم، ولدينا وزارة كاملة للصيد البحري، لكننا لم نخطُ أي خطوة نوعية من شأنها أن تجعلنا نستفيد بطريقة فعلية لاستغلال إمكانياتنا في مجال الصيد البحري. إضافة إلى ذلك، ما زلنا لا نجيد ممارسة نشاط السوق الدولية والانفتاح الاقتصادي الإيجابي على العالم في مجال الصيد البحري. نحن لحد الآن نفتقر إلى الهياكل القاعدية اللازمة على مستوى الموانئ في البر، والتي من شأنها تحويل وتعليب الأسماك، وتقديم قيمة مضافة للمنتوجات البحرية، وحتى المنتوجات الزراعية، والتي يمكن أن تكون رافداً آخر من روافد الاقتصاد الوطني خارج النفط، لم يتم استغلالها بشكل صحيح.

* كيف تقيمين واقع النشاط الاستثماري للمرأة الجزائرية حالياً؟
لا بد أولاً من التنويه بأن القوانين الجزائرية لا تمنع المرأة من العمل، إذ لا يوجد أي نص قانوني يمنع المرأة من مزاولة الأنشطة، خاصة الاستثمارية، أو يفرّق بينها وبين الرجل. وحتى صيغ دعم التشغيل المختلفة التي اعتمدتها الدولة، لا تضع أي فرق أو عراقيل أمام المرأة، وتعطيها حق المبادرة، ولا تشترط عليها أي وصاية من أي طرف كان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المصارف. ولكن في الممارسة الميدانية، نجد إقبال المرأة على الاستثمار في بلادنا ضعيفاً، وهذا يتطلب دراسة حقيقية للوقوف على مكمن المشكلة، حيث أعتقد بأنها مشكلة اجتماعية بالدرجة الأولى عائدة إلى ذهنيات بالية.

* هل تعتبرين أن هذا الواقع شكل الدافع الرئيسي لك لتأسيس جمعية النساء رئيسات المؤسسات؟
تأسست الجمعية في 12 يونيو/ حزيران من العام 1993، وكنت إحدى عضواتها المؤسسات، وهي حالياً تضم أكثر من 100 عضو نشط، تشرّفت برئاستها سابقاً. وقد طلبت من أعضائها أن يتركوا مجال رئاستها للجيل الجديد. أصر الجميع على تعييني رئيسة شرفية للجمعية مدى الحياة، كوني أول سيدة أعمال جزائرية، ونضالي طويل من أجل دعم الاستثمارات النسائية. وتعمل الجمعية حالياً على تشجيع المرأة للدخول في عالم الاستثمار ومرافقتها، وإلى حد الآن ساعدنا عشرات المشاريع الاستثمارية النسوية المختلفة، التي أصبحت لها مكانتها في السوق الوطنية، ومنها من اقتحمت السوق الدولية.

* ما هي الرسالة التي تودين توجيهها للمرأة الجزائرية خاصة، والعربية عامة، التي ترغب في ولوج عالم الأعمال؟
لا ينبغي للمرأة الراغبة في دخول هذا المجال، الاعتماد على الرغبة فقط، بل عليها أن تتحلى بالشجاعة الكافية، وأن تمتلك المعلومات والمعرفة الكاملة بالسوق والتسويق الداخلي والخارجي، وإلا فكيف نعطي القيمة الحقيقية لإنتاجنا وتطويره. وبمناسبة إحياء يوم المرأة العالمي، أتوجه للمرأة الجزائرية خاصة، والعربية عامة، بالقول لهن تسلّحن بالعلم والمعرفة لخوض غمار عالم الاستثمار.

بطاقة تعريف
ياسمينة طاية، الرئيسة الشرفية لجمعية "النساء رئيسات المؤسسات"، تأسست في العام 2013 من أجل تشجيع النساء على الدخول في مجال الاستثمار. وهي أول سيدة جزائرية خاضت مجال الاستثمار، وأسست ثلاث شركات، ونالت جوائز عالمية، أبرزها الجائزة الاقتصادية، "لازيو"، وجائزة التنمية المستدامة

التفاوت كبير في سوق العمل
أشار تقرير للمركز الإحصائي الجزائري إلى أن نسبة العاملين الذين تراوح أعمارهم بين 15 سنة فما فوق، بلغت 39% في العام 2013. وتبلغ هذه النسبة 7.63% بالنسبة للرجال و9.13% لدى النساء. وارتفعت عمالة المرأة بنسبة 17% بين عامي 1977 و2013. وبحسب نتائج التقرير السنوي الذي حمل عنوان "نشاط وتشغيل وبطالة"، الصادر عن المركز الإحصائي، فقد بلغت نسبة عمالة النساء الحاصلات على شهادات التعليم العالي 1.58%، في حين بلغت نسبة العمالة الحاصلة على شهادات التكوين المهني ما يقارب 1.37%، في حين أن أكثر من 6.6% من النساء ليس لديهن أي شهادة. وبلغ حجم الفئة النسائية الناشطة في مجال العمل ما يقارب 2.2 مليون امرأة في العام 2013، مرتفعة بنسبة 37% عن ما حققته في العام 2005. وبحسب التقرير، فإن غياب مشاركة المرأة في العمل يعود إلى ارتفاع نسب البطالة أصلاً في سوق العمل، نتيجة السياسات المتبعة. ويقدّر حجم البطالة في الجزائر في العام 2014، بحسب التقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية، بـ9.7%، ويتوقع أن تصل إلى 9.2% عام 2018. وبحسب التقرير، فإن البطالة لم تتراجع خلال 18عاماً سوى 1%، ويعزو ذلك لفشل الإصلاحات الاقتصادية وعجزها عن خلق فرص عمل، الأمر الذي ينعكس سلباً على اندماج المرأة الجزائرية في سوق العمل.

إقرأ أيضاً: الخصخصة في الأردن: إصلاح أم مدخل للفساد؟ 

المساهمون