محلّ تجاري في القدس... قطعة فنية عبثية

محلّ تجاري في القدس... قطعة فنية عبثية

20 يونيو 2016
رامي النابلسي داخل محله (العربي الجديد)
+ الخط -
هو بائع مجوهرات ومصمم لها، وجامع للتحف الشرقية، وللطوابع. في محله في عقبة السرايا داخل أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، يجمع رامي النابلسي عبق فلسطين وتاريخها بكتب قديمة وطوابع وعملات أثرية ومراسلات وقصاصات ورقية لها دلالاتها التاريخية. وكذا يحاول بأنامله صناعة مجوهرات يصعب إيجادها في أي مكان آخر في البلدة، وربما في كل فلسطين... هكذا تحوّل محل النابلسي إلى قطعة فنية عبثية بحد ذاته.

كأنك دخلت متحفاً
محل رامي لا يشبه غيره من المحال، تدخله فتظن نفسك قد دخلت متحفاً. لم يتخصص بشيء بل يجمع بداخله كل شيء. وفي نهاية المحل تجد ابن السابعة والثلاثين عاماً يجلس محاطاً بأدوات تصميم وصناعة المجوهرات والحلي المصنوعة من الفضة. خواتم وسلاسل وأقراط وأساور، يعرضها داخل الخزانة الخشبية المقابلة له، تحف شرقية، وأوراق ووثائق قديمة لا يستطيع تحديد تاريخ صدور معظمها.
العملة الفلسطينية من أهم المقتنيات التي يحرص رامي على تجميعها، ولأن ثمنها باهظ والزبائن يترددون في شرائها، كان المخرج أن يستغل موهبة التصميم ليدخلها إلى المجوهرات التي يصممها، فأضافها للسلاسل الفضية والخواتم والأقراط، ويمكن للزبونة أن تجدها بأحجام مختلفة...
أما الكتب والوثائق التاريخية، فعددها بالآلاف في المحل، تراكم عليها الغبار فدل على قدمها، الذي يعود إلى أكثر من مئتي عام، ومن بينها أجزاء من صحف ومجلات فلسطينية مثل مجلة المجتمع التي كانت تصدر في مدينة الناصرة، والدليل السياحي وتذاكر دخول مساجد الأقصى التي كانت تباع للسياح بمبلغ 250 فلساً، بالإضافة إلى كتاب طبع في فلسطين وجمعت فيه مراسلات تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية والتي استخدمها ما بين عامي 1929 و1932...

ويحفظ رامي مجموعة طوابع ربما هي من الأكبر في العالم، معظمها يرجع تاريخه إلى ما قبل عام 1960، حصل عليها من مغلفات الرسائل أو بادلها مع غيره من هواة جمعها. وهناك أعداد هائلة من عملات العالم القديمة التي غلفها بطريقة خاصة لحفظها من التلف. كذلك، يحتوي المحل مجموعة دفاتر تعود إلى ما قبل النكبة، دوّن عليها تجار فلسطينيون ديون الزبائن، وعلب سجائر كانوا يستوردونها من خارج فلسطين، وغيرها من الأثواب وأدوات المطبخ والنجارة والزراعة الفلسطينية التقليدية.


هوايات تحولت إلى مهنة
يقول رامي لـ "العربي الجديد": "هوايتي جعلتني أخرج في جولات خاصة لأبحث عن كل ما هو قديم، هذا المحل جزء من شخصيتي وطفولتي، دوري يتمثل بالحفاظ على كل ما هو فلسطيني قديم حتى لا يضيع، كل شيء كتب عليه فلسطين هو هدفي".
استخدم والد رامي المحل كمشغل للحدادة التي كانت مهنته التي يتقنها، ولعل هذا السبب الذي جعل رامي منذ الصغر يهوى جمع العملات والمعادن وخاصة بعد امتلاكه إحدى العملات التي أهداه إياها والده وهنا بدأت الحكاية، ومنذ سنتين وبعد وفاة والده انتقل ومقتنياته من منزل العائلة الذي يقع فوق المحل ليعيد افتتاح مملكته الفنية.
يستذكر رامي تجربة المعتقل التي عاشها لعدة أشهر خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكيف أنه كان يخترع أطباقاً جديدة لا تخطر على بال أحد، فهو الذي عبأ حشوة الأرز واللحم المعلب بفاكهة الشمام وطبخها مع اللبن، لا أحد يعرف كيف، لكن هذا ما حصل، فكانت تجربة وإن بدت غريبة قد حفرت عميقاً في ذاكرته، وجعلته يتمسك أكثر بتاريخه وقضية شعبه. وعندما سنحت له الفرصة ليستقر في أوروبا ويعمل مع أكبر شركات تصميم المجوهرات لم يطق ذلك، وعاد مسرعاً إلى القدس، مفضلاً أرضه وحيّه والبقاء بين أهله على "فرصة العمر".

تصاميم غير تقليدية
وعما يميز رامي عن غيره يقول: "أصمم ما هو غير تقليدي وغريب، لا أصنع شيئاً من فراغ، فوراء كل قطعة حكاية، والتاريخ دائماً حاضر في تصاميمي".
المردود المادي من صياغة المجوهرات بحسب صانعها ليس كبيراً، فبالرغم من كونه كما غيره من أهل المدينة يشكو من الضرائب الباهظة وغلاء الأسعار ومحدودية السوق في القدس، إلا أنه حريص على بيع قطعه بما يتناسب مع جميع المستويات الاجتماعية، لكن هذا لا يعني عدم وجود قطع ثمينة جداً يفضل الاحتفاظ بها على أن يبيعها بخسارة، ووفقاً لتعبيره فالمهم أن ننظر للمجوهرات وصناعتها كفن بعيداً عن الهدف التجاري والربح.

المساهمون