موازنات ملغومة لتغطية الفساد المالي في سورية

موازنات ملغومة لتغطية الفساد المالي في سورية

04 ابريل 2016
أمل بواقع مختلف (عامر الموهباني/ فرانس برس)
+ الخط -
في تقليد سنوي، يجتمع مجلس الشعب السوري بحضور وزير المال لمناقشة تقرير الموازنة العامة للدولة وإقرارها في قانون. يحدث هذا "النقاش الوطني" في بضع ساعات، تنتهي بموافقة مجلس الشعب بالإجماع. ومن ضمن 102 دولة شملتها مبادرة مسح الموازنة المفتوحة الدولي الذي يقيس الشفافية، لم تتمكن المبادرة من مسح الموازنة العامة السورية، وذلك لتردي الوضع الأمني. وإذ لا يمكن تكهن بالمرتبة التي تحتلها سورية وفق معايير الموازنة المفتوحة، لكن الأكيد، وفق المعلومات المتاحة وبحسب آراء الخبراء، تحتل مرتبة متأخرة. ويقول الخبير الاقتصادي سمير سعيفان: "تأتي سورية في آخر سلم دول العالم بما يخص كل ما يتعلق بالموازنة من النواحي الثلاث: شفافية الموازنة ومشاركة المواطنين وأجهزة الرقابة المستقلة في عملية الموازنة".

ويشير الواقع السوري إلى عدم إشراك المواطنين أو مؤسسات المجتمع المدني في أي شيء يتعلق بالموازنة، لا في مرحلة الإعداد ولا في التنفيذ، ولا حتى ما بعد التنفيذ، ما يعزز من انتشار الفساد في عملية إنفاق المال العام. ويتابع سعيفان: "حتى مؤسسات الدولة نفسها ليس لها دور فعلي، فهي ترفع مقترحاتها للموازنة، ولكن وزارة المال من تقرر حصراً كل ما يتعلق بالموازنة، ويعود لها الدور الوحيد في تنفيذها".
يعتبر الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري رامي سيف أن "الموازنة الحكومية يجب أن تشكل صلب العملية التنموية في سورية، فهي الأداة الأقوى لتلبية احتياجات الشعب، وخاصة الطبقات الفقيرة والمهمشة، سواء على صعيد الصحة أو التعليم أو الحد الأدنى للأجور. ولذلك، من الأهمية مشاركة العديد من الفعاليات والنقابات والمنظمات وممثلي القطاع الخاص في إعدادها إلا أن ذلك لا يحدث في سورية"، ويقول: "المشاركة معدومة وهو ما يمنع حدوث تحسينات جوهرية في أسلوب الحكم وإدارة الدولة من جهة، وتعزيز التنمية ومحاربة الفقر من جهة أخرى".

تنمية معدومة 

بحسب البنك الدولي، هناك رابط قوي بين شفافية الموازنة من جهة، والحصول على مؤشرات أفضل على صعيد التنمية البشرية، وتعزيز التنافسية، ومحاربة الفساد من جهة أخرى. كما أن مبادرة الموازنة المفتوحة من جهتها، تؤكد على ضرورة شفافية الموازنة من أجل تشجيع الاستثمارات ومحاسبة الحكومة على إدارة المال العام. ويقصد بالشفافية بحسب منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي "الإفصاح الكامل عن جميع المعلومات المتعلقة بالمال العام في الوقت المناسب وبطريقة منتظمة". إلا أن سيف يقول: "لا يوجد أي شكل من أشكال الشفافية في إعداد الموازنة، إذ لا يتم الإفصاح عن الموارد العامة على صعيد الوطن، وكيف يتم استغلال تلك الموارد لتوفير الخدمات العامة للمواطنين". ويضيف: "يغيب أيضاً شرح الموازنة العامة للرأي العام وتزويده بمعلومات شاملة عن أنشطة المالية العامة السابقة والحالية والمقبلة".
أما بالنسبة إلى الرقابة، ومن ضمن منظور الحكومة السورية، فإنها تقتصر على قيام الحكومة بمراقبة نفسها. فالمؤسسة الحكومية التي تقوم بإعداد الموازنة العامة للدولة تضطلع أيضاً بدور الرقابة عليها. ونتحدث هنا عن وزارة المال، والتي تمارس الرقابة الداخلية. أما الرقابة الخارجية فهي من مهام كل من "الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش" التي تتبع مباشرة لمجلس الوزراء، والجهة الوحيدة المخولة بالرقابة من خارج أجهزة السلطة التنفيذية فهي مجلس الشعب السوري.
ولكن مجلس الشعب لا يحظى إلا بدور هامشي، وهو بحسب سعيفان "لا يملك حق تعديل رقم واحد فيها وعليه الموافقة عليها كما ترد من وزارة المال. ومنذ عام 1958 تم إلغاء ديوان المحاسبات التابع لمجلس الشعب الذي كان يقوم بدور المراقب الداخلي للحكومة، وانتهت وظيفة الرقابة". لا يقتصر غياب الرقابة على مرحلة إعداد وإقرار الموازنة العامة في سورية، بل يشمل مرحلة تنفيذها، إذ لا تنشر وزارة المال أي تقارير عن تلك المرحلة، ولا تتيح توزيع المعلومات للأكاديميين أو الباحثين ولا حتى لمؤسسات الحكومة الرسمية، كالمكتب المركزي للإحصاء، لتتبع مرحلة التنفيذ وذلك بحسب سعيفان، والذي يضيف: "يكتفي المكتب المركزي للإحصاء بنشر الموازنة، أي خطة الإيرادات والنفقات للعام المقبل، وهي تختلف كثيراً عما يتم تنفيذه، وخاصة الخطة الاستثمارية الإنمائية".
وبحسب سعيفان: "هناك عدة إجراءات يجب القيام بها لتحسين واقع الشفافية والمشاركة والرقابة بما يخص الموازنة العامة للدولة في سورية. يبدأ ذلك بالتغيير السياسي للوصول إلى نظام ديمقراطي يعطي المجتمع القوة المطلوبة في مواجهة السلطة. بمعنى أن يكون نظام سياسي يتمتع به مجلس الشعب بسلطة حقيقية قادرة على المناقشة والمحاسبة، عندها فقط يمكن وضع إجراءات تقنية وآليات محددة لجعل الموازنة العامة للدولة السورية، ومجمل نشاطات الحكومة، شفافة وعرضة للمساءلة مع توفر قدرة فعلية على المحاسبة".

المساهمون