محادثات الدوحة: غموض المستقبل

محادثات الدوحة: غموض المستقبل

25 ابريل 2016
تثبيت الإنتاج النفطي (Getty)
+ الخط -
غادر كبار منتجي النفط في العالم جلسة تفاوضية مطولة يوم الأحد من الأسبوع الماضي في الدوحة، دون التوصل إلى اتفاق لتجميد إنتاج النفط الخام كما كان متوقعاً. والذي كان بمثابة رسالة "تحذير" بأن الأمور ليست بالسهولة التي تتصورها أسواق الطاقة. أمضى وزراء نفط معظم البلدان الأعضاء في منظمة "أوبك" مع عدد من الدول غير الأعضاء، والذين يمثلون معاً نحو نصف إنتاج النفط في العالم، أكثر من 10 ساعات في التشاور حول تجميد محتمل للإنتاج دون تحقيق نجاح يذكر.
كان من شأن مبادرة تجميد الإنتاج أن تساعد في إنهاء هبوط أسعار النفط الخام بعدما شهدت ارتفاعاً من 26 دولاراً للبرميل منذ فبراير/ شباط الماضي إلى أكثر من 40 دولاراً. لكن فشل المنتجين الرئيسيين في اتخاذ خطوات تدعم أسعار النفط يعكس الانقسام الحاصل بين أكبر عضوين من أعضاء "أوبك"؛ السعودية وإيران، مع إصرار الأخيرة على رفع إنتاجها بعد سنوات من العقوبات الدولية.
ولكن ما الذي جرى في الدوحة؟ لقد بدأت المحادثات، مسبوقة بآمال في التوصل إلى اتفاق "سهل" نسبياً، بشأن تجميد الإنتاج عند مستويات يناير/ كانون الثاني الماضي، ولمدة لا تقل عن ستة أشهر. لكن سلسلة من التأخيرات التي طرأت على برنامج الاجتماع، في وقت متأخر من بعد ظهر ذاك اليوم، أظهرت بوضوح أن المحادثات كانت عرضة لخطر الانهيار في أي وقت. هذا التأخير جعل وزير النفط القطري يخرج ليعلن بأن الوفود المجتمعة بحاجة إلى مزيد من الوقت للاتفاق حول تجميد الإنتاج، ولم يخف الإشارة إلى أن ارتفاع الأسعار الأخيرة قد ساهم في تحسين الموقف العام للمنتجين.
وبعد أسبوع من محادثات الدوحة، لا تبدو الأمور واضحة تماماً بشأن قدرة كبار المنتجين على الاجتماع مجدداً من أجل مناقشة اتفاق آخر لتجميد الإنتاج، أو إن كان هناك شروط محددة سيتم وضعها من قبل أي طرف مشارك في المحادثات، ما يُنذر بمزيد من التأخير في الجهود الرامية إلى وقف الانهيار الحاد لأسعار النفط المستمر لما يقارب عامين.


صرح الأمير محمد بن سلمان، والذي يشغل منصب وزير الدفاع السعودي والثاني في ترتيب ولاية العرش، أكثر من مرة بأن بلاده لن توافق على تجميد الإنتاج دون التزام متبادل من قبل إيران، تحديداً. في الواقع، جاءت هذه التصريحات لتناقض تصريحات مسؤولين سعوديين آخرين، ما تسبب بإضافة مزيد من الغموض حول الموقف الرسمي الذي ستتخذه السعودية خلال المفاوضات في قطر. ولم يخف وزير النفط الفنزويلي، إيولوخيو ديلبين امتعاضه من فشل محادثات الدوحة، والذي عزاه إلى غموض الموقف السعودي.
مقابل ذلك، أعلنت إيران مراراً أنها ليست في صدد المشاركة في أي اتفاق يدعو إلى تجميد الإنتاج إلى أن تصبح قادرة على ضخ أربعة ملايين برميل يومياً، ومن ثم، استعادة حصتها من السوق التي فقدتها في ظل العقوبات الدولية. يدّعي الإيرانيون بأنه قد "طُلِبَ" منهم عدم حضور اجتماع قطر إذا لم يكونوا على استعداد للتوقيع على اتفاق بشأن تجميد الإنتاج، في ظل التزامهم العلني بخطط زيادة الإنتاج بواقع مليون برميل يومي إضافي بنهاية العام الحالي.
أمام هذا الواقع الجديد، وفي ظل ضبابية التوقعات حول قدرة كبار المنتجين على التوافق في ما بينهم في المدى القريب، فإن أسعار النفط مرشحة للمزيد من الضغوط، ما قد يتسبب بإلحاق ضرر إضافي بموازنات العديد من الدول المنتجة، بما في ذلك السعودية، والتي اضطرت إلى خفض الإنفاق الحكومي فضلاً عن تقليص دعم الطاقة.
وما يجعل الصورة أكثر قتامة أن كبار المنتجين أصبحوا مطالبين بتقديم حلول عملية لمواجهة تراجع الطلب العالمي، أيضاً. فعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط، حذرت منظمة "أوبك" في تقريرها الأخير من أن الطلب العالمي على منتجاتها لا يزال "هشاً"، إذ يعاني بعض عملائها الرئيسيين من تباطؤ نموها الاقتصادي، في حين تسبب رفع الدعم عن الوقود في الدول المنتجة للنفط واعتدال الطقس في نصف الكرة الشمالي إلى تثبيت الطلب على النفط بأنواعه.
في الواقع، ستكون هناك حاجة ماسة إلى قيام كبار المنتجين بخفض إنتاجهم، وليس تجميده فقط، من أجل استعادة الأسعار زخمها الحقيقي، وهو احتمال يبدو الآن مستبعداً للغاية. لذلك، أي ارتفاع جوهري في أسعار النفط، مستقبلاً، لا بد أن يكون مدفوعاً بتخفيضات فورية في الإمدادات وتحسن واضح على جانب الطلب العالمي، ما يوحي بأن ذلك لن يحدث إلا خلال العام المقبل عندما تصبح الأسواق أقرب إلى تحقيق التوازن المنشود.
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون