الشباب الفلسطيني في مواجهة التطبيع

الشباب الفلسطيني في مواجهة التطبيع

23 يونيو 2016
(تصوير: عباس مومني)
+ الخط -

على صفيح لقاءات التطبيع، يغلي المجتمع الفلسطيني؛ فبعد أن كانت تتم بخفاء وخجل، لا يكشف عنها إلا بعد سنوات من تنظيمها، أصبحت مشاركة شخصيات فلسطينية وعربية في لقاءات تطبيع مع "الإسرائيليين"، تنفذ علانية.

لقاءات التطبيع -التي تدعو الفلسطينيين والعرب للتعايش جنباً لجنب مع "إسرائيل" بعيداً عن كونها كياناً محتلاً، والتعامل معها من منظور إنساني – تدحرجت بالخفاء عبر السنين حتى أصبحت اليوم علنية، ولكنها بقيت مقتصرة على فئات محددة، يعتبرها الشارع الفلسطيني لا تمثله، ينبذها ويثور عليها كلما فاحت رائحة مقابلاتها التطبيعية.

الشباب الفلسطيني، في معظمه، لا يعتبر الشخصيات المطبعة مع الاحتلال – أيا كانت – تمثله، فيبين الشاب طارق مطر، أنه لو كان الفلسطينيون يعتبرون تلك الشخصيات تمثلهم، لشهد الشارع احتجاجات واسعة، وخاصة أنها بعيدة كل البعد عنه، لا تقوم بدور حقيقي فعال، ولا أثر حقيقياً لها بتحرك النضال الفلسطيني، حسب رأي مطر، مضيفاً: "السكوت لا يعني الرضى ولكن ربما ضعف الفلسطينيين حالياً عن تغيير الواقع".

ويرى مطر أن ما يحتاجه الشارع الفلسطيني الآن هو بناء نهج سياسي جديد للقيادة الفلسطينية، والذي يتطلب طاقات شعبية ونضالية تتوحد وتبني خطاً واضحاً في النضال عن مبادئها الأساسية، مناهضاً للتطبيع، وألا تكون موسمية تتزامن مع توتر الوضع الميداني وتصعيد حالة الاشتباكات اليومية فقط.

ويعرف طارق التطبيع بأنه التعامل مع الاستعمار والإمبريالية بكل أشكالها، وكل ما هو منبثق عن الحكومات الغربية الاستعمارية تاريخياً كبريطانيا وفرنسا، إضافة لكل دولة تتعامل وتطبع مع كيان الاحتلال.

يحاول المطبعون فرض عمليات التطبيع على أنها جزء من الحراك السياسي الفلسطيني، ويبين عضو سكرتاريا اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة "إسرائيل"، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، صلاح الخواجا، أن أي مشاركة في لقاءات ذات طابع صهيوني تدعم الاحتلال هي مشاركة خاطئة ويجب العدول عنها، مشيراً إلى أن المشاركة في اللقاءات التطبيعية تضر بالنضال الفلسطيني على كل الأصعدة، كما تفقد المطبع ثقة الشعب الفلسطيني فيه.

تقلّص أدوار الأحزاب الفلسطينية والأطر الوطنية، في ظل تقدم المؤسسات الغربية الدخيلة، بات يهدد وعي الشباب الفلسطيني الذي أثبت بقيادة الهبة الشعبية الجديدة منذ تشرين أول الماضي، وعيه بقضيته وفشل عمليات ترويضه على تقبل أفكار التعايش والتطبيع مع الإسرائيليين.

وكان مشاركة عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، في مؤتمر هرسيليا الصهيوني، قد أثار استنكارات واسعة وغاضبة على المستويات الشعبية والفصائلية، ويبين الخواجا أن عدم ارتقاء الاحتجاجات الشعبية للمستوى المطلوب يعود لما يعانيه الشارع الفلسطيني من حالة انقسام، وغياب استراتيجية موحدة؛ ما يضعف الحراك الشعبي، ويصب في مصلحة الاحتلال.

فيما سجلت الفتيات (هيا العُمري، سمّار طه، ديما خشّان) ممثلات عن جامعة بيرزيت آذار/ مارس الماضي، تصرفاً أثار إعجاب الشارع الفلسطيني بعد انسحابهن من مسابقة "جون بيكتيت" للقانون الدولي الإنساني، لوجود فريق إسرائيلي في المسابقة. ويبين الخواجا أن هذه الممارسات هي طبيعية يقوم بها أفراد الشعب الفلسطيني معبرين عن تمسكهم بمبادئه وحقوقه التي لا يمكن التخلي عنها.

تعريف التطبيع مع الاحتلال، بات يفسر ضمن تعريفات فضفاضة غير واضحة، فيشير الخواجا إلى أن التطبيع هو كل اللقاءات التي تعزز إسرائيل دولة ديمقراطية لها هامش التحاور واللقاءات السياسية والاقتصادية دون إدانة للاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

ورغم تراجع الأطر سياسية والأجسام النقابية بدورها بالتعبئة الوطنية تستوعب جيل الشباب، وخاصة في الداخل المحتل، إلا أن محاولات عفوية عديدة نجحت بإفشال لقاءات تطبيعية لشخصيات عربية، والتي كان آخرها للمحاضر المصري عمر سالم في جامعة حيفا الإسرائيلية، والتي قامت من جهتها بمعاقبة الشبان (جول إلياس، وموران أبو عطا، ومعتصم زيدان) وفصلهم من الجامعة لفصل دراسي واحد.

فيما أعلنت مجموعة المحامون العرب في فلسطين المحتلة عام 1948، عن رفضها المشاركة في إفطار جماعي خلال شهر رمضان تنظمه "نقابة المحامين" الإسرائيليين بمشاركة وزيرة القضاء الإسرائيلي، والتي تعرف بتصريحاتها العنصرية بحق الفلسطينيين.

أما في مدينة القدس المحتلة، حيث تنظم معظم الفعاليات التطبيعية بين شخصيات فلسطينية وأخرى إسرائيلية؛ فقد نجح الحراك الشبابي المقدسي بإفشال عدة لقاءات. في هذا السياق، يوضح الناشط المقدسي حسن فرج، أن السلطة الفلسطينية توفر حماية أمنية للمطبعين في حين لا تستطيع توفيرها لهم في القدس؛ ما دفع الشباب المقدسي للتصدي لهذه اللقاءات وإفشالها، مؤكداً أنه في العام الماضي لم يُقَم أي نشاط تطبيعي في المدينة.

وعن سبب ضعف وجود حراكات شعبية واسعة ضد لقاءات التطبيع، أوضح حسن أن ذلك يعود لحالة القمع التي يكابدها الشباب الفلسطيني في الضفة والقدس، من اعتقالات وإبعاد وملاحقات وتضييقات يومية.

ويشير حسن إلى أن المجموعات الشبابية تنقسم في القدس إلى قسمين، القسم الأول المرتبط بالمجتمع المدني والذي من السهل اختراقه من خلال التمويل والتأثير عليه، فيما القسم الثاني المتمثّل بالمجموعات الشبابية الأصيلة التي خلقت للتعبير عن رفض كل المنظومة السياسية والتي ترفض وجود الشركات الأجنبية الدخيلة وأجندات التمويل القائمة على أنسنة الاحتلال، كما ترفض مأسسة الحراكات الشبابية.

جهود جدية تبذل لصهر الوعي الفلسطيني ليصبح قادرًا على استيعاب التطبيع على أنه أمر طبيعي، وهو ما نجح إلى حد ما، قبل قتل المستوطنين الطفل محمد أبو خضير وما تبع ذلك من هبة شعبية في القدس، والتي كان لها الدور في إعادة صقل الوعي الشبابي وتعبئته وطنيًا وخلق حاضنة شعبية ترفض اللقاءات التطبيعية في المدينة.


(فلسطين)