عن هجرة الفلسطينيين إلى تشيلي

عن هجرة الفلسطينيين إلى تشيلي

03 مايو 2015
يعيش فلسطينيو الشيلي على ذاكرة المكان الفلسطيني(Getty)
+ الخط -
الأولون الذين وصلوا هاربين تقريبا إلى تشيلي كانوا من مسيحيي بلْدتيْن متجاورتين، لا غير، هما: بيت جالا وبيت ساحور. وإلى اليوم، بعد أن استوطنوا وفرخوا ونسوا وقتلوا فيهم كل شيء، بما في ذلك اللغة التي ساعدتهم على الوجود، فإنك لن تجد إلا من يقول لك منهم: أنا من بيت جالا، وأنا الآخر من بيت ساحور... وقلة منهم تضيف أنَّ بيت لحم كان في الجوار، ولكن أهله لم يعرفوا طريقا إلى الهجرة... أو لم تعرف الدوافع السياسية أو الاجتماعية أو النفسية إلى قلوبهم طريقا، لتهجيرهم عنوة خارج الوطن المقدس.

والمشكلة التي وقع فيها الفلسطينيون الذين هاجروا إلى تشيلي بِتَدبُّر أو بدونه، أنهم جاؤوا بجوازات سفر تركية، كما هربوا من عنف المحرقة العثمانية، فوجدوا شيئا من العنصرية وكثيرا من الجهل في استقبالهم على الأبواب....
ويقولون لك إننا لم نكن لنستقر كل هذا الدوام لو لم نمتهن التجارة الصغيرة... التي سارت بهم في البوادي والمدن، وآخت بين فقرهم والحاجة، ومنهم من وجد في البيع والشراء زوجة سكن إليها، فبدأ التمازج يأخذ طريقه إلى القلوب عن طريق البطون بطبيعة الحال... حتى صار منهم تجار كبار، ثم أصحاب مصانع للنسيج، فرأسماليون جندوا التشيليين لخدمتهم وتنمية رأسمالهم، عندما انقلبت الآية أو قلبوها على مضطهديهم... إلى أن كان منهم السياسيون والأدباء والمفكرون، ولهم الآن بعد قرن من الاغتراب نواب في البرلمان وسفراء في البلدان ووزراء في الحكومة...وفريق كُرَوي!.

لم يندمج الفلسطينيون في المجتمع فقط، ولكنهم ذابوا في النسيج الاجتماعي، وربما كانت الحكمة التي تمنطقوا بها، منذ البداية الأصلية للهجرة، هي الصبر على الظلم التشيلي كما صبروا على الظلم التركي، والذهاب إلى قلوب النساء من باب معرفة حاجتهن إلى المؤانسة والحنان، والتخلي الطوعي عن الانتماء إلى المستحيل، أعني إلى فلسطين.

التاريخ الحديث الماكر يقول: إن الفلسطينيين هجّروا في الحقيقة، بصرف النظر عن البواعث والدواعي، من البيوت الأصلية (جالا، ساحور، لحم) التي كانت مساكن آمنة لهم، ولما استقروا في الغربة، بدون بيوت، سكنوا في الماضي العابق بالنوستالجيا والذكريات الأسيفة والولاء الموهوم لتراب عفره المحتل تعفيرا. أما ما الذي بقي للذين ما زالوا على قيد الحياة، وهم تشيليون أقحاح؟ فقد يكون، بالضبط، هو ذلك التعلق الأسطوري بالغيب المسيحي والصمت البليغ الذي يلف هويتهم المتلاشية.
ما المشكلة إذن؟
الفلسطيني المهاجر في تيهه، كان يسمى في بداية مَقْدمه إلى تشيلي، بِالتركي!!!.
( سفير المغرب في تشيلي)

دلالات

المساهمون