السيسي وروسيا (1-2).. صناعة ناصر جديد

السيسي وروسيا (1-2).. صناعة ناصر جديد

10 سبتمبر 2015
زيارات السيسي إلى روسيا تستغل لتشبيهه بعبدالناصر
+ الخط -

في الذكرى الرابعة والأربعين لوفاة جمال عبد الناصر، نشر موقع قطاع الأخبار التابع للتلفزيون الرسمي تقريراً عن الرئيس المصري الراحل، لم يخلُ من الربط بينه وبين السيسي.

لم تكن هذه الإشارة غريبة على الإعلام المصري، بل يمكن القول إن الهدف الرئيسي للحملة الإعلامية المساندة للسيسي منذ ما قبل الانقلاب وحتى اليوم هو صناعة صورة لعبد الناصر جديد في مخيّلة الجماهير، ممثلة في شخص السيسي. وساعد على ذلك انتماء عدد كبير من الإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف للتيار الناصري، ووجود حالة من الحنين لدى قطاع كبير منهم للحقبة الناصرية.

السيسي من جانبه لم يألُ جهداً في محاولة تثبيت هذه الصورة ودعمها، بدءاً من حرصه على زيارة قبر عبد الناصر في ذكرى وفاته، مروراً بالعلاقة القوية التي تربطه بالكاتب محمد حسنين هيكل، بالإضافة إلى حربه الاستئصالية ضد جماعة الإخوان المسلمين، واهتمامه بإطلاق عدد من المشروعات أطلق عليها "مشروعات قومية" أسوة بعهد عبد الناصر الذي شهد تأميم قناة السويس وبناء السد العالي، وهو ما دعاه لإطلاق مشروع يربط اسمه بقناة السويس، إضافة إلى مشروعات مماثلة مثل المليون وحدة سكنية.

ظهرت هذه الحالة في عناوين الصحف المصرية الصادرة في اليوم التالي لإطلاق إشارة البدء في مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس، والتي أطلق عليها الإعلام "قناة السويس الجديدة" بالمخالفة للحقيقة. وجاءت العناوين مقتبسة من أغنية "حكاية شعب" لعبد الحليم حافظ والتي غناها لجمال عبد الناصر بعد إنشاء السد العالي. أما باقي أغنيات الحقبة الناصرية فتذيعها المحطات الإذاعية يومياً، خاصة أغنية "دقت ساعة العمل الثوري".

الحرص على إقامة علاقات جيدة مع روسيا التي كانت ترتبط بعلاقات استراتيجية مع مصر خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، هي أبرز ملامح صناعة صورة السيسي كخليفة لعبد الناصر، رغم الخلافات القوية والعميقة بين الشخصيتين، أبرزها في الرؤية الاقتصادية لكل منهما. ففي حين اعتمد عبد الناصر على الاشتراكية، يخطط السيسي لرفع الدعم نهائياً عن السلع، ويتبنى رؤية اقتصادية نيو ليبرالية شبيهة برؤية جمال مبارك ورجاله في أواخر عهد مبارك. بالإضافة للدعم المستمر الذي يتلقاه الأخير من أنظمة مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية، التي كانت تناصب العداء لعبد الناصر. كما أنه ليس سراً أن العلاقات المصرية الإسرائيلية أصبحت في أفضل أحوالها في عهد السيسي، بينما يحاكم الرئيس محمد مرسي بتهمة التخابر مع حركة المقاومة "حماس".

اقرأ أيضاً: ثمن الشرعية.. ثلاث صفقات غربية للسيسي

السلاح الروسي


منذ بداية الانقلاب، زار السيسي روسيا 4 مرات، كانت الأولى أثناء توليه وزارة الدفاع وقبل ترشحه للرئاسة، فيما كانت الثانية بعد توليه الرئاسة بـ3 أشهر، والثالثة في مايو/ أيار من العام الحالي، فيما انتهت الزيارة الثالثة قبل أيام.

في المقابل، زار مصر وفد عسكري روسي عدة مرات خلال عامي 2013 و2014، وزار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القاهرة بعد عام، وتحديداً في فبراير/ شباط 2015.

خلال زيارات الوفد العسكري الروسي إلى القاهرة، وحتى قبلها بأشهر، مروراً بزيارة السيسي الأولى إلى روسيا، استفاض الإعلام المصري في الحديث عن صفقات الأسلحة الكبيرة التي تم الاتفاق عليها بين الجانبين، وتم استدعاء قصة صفقة الأسلحة التشيكية التي أبرمها عبد الناصر عام 1954، وقيل الكثير عن أهمية الصفقة التي ستعيد التوازن بين مصر وإسرائيل وتقلب المعادلات السياسية والاستراتيجية، كما تحدث آخرون عن الصفقة باعتبارها صفعة للولايات المتحدة، وتحدثوا عن انزعاج أميركي بالغ من هذه الصفقة، ورعب إسرائيل منها.

وقد اختلفت تفاصيل "الصفقة" وفقاً لاختلاف الصحف والمواقع الإخبارية، واحتوت في أحيان كثيرة على تفاصيل متضاربة ومتناقضة، وأسلحة قديمة دخلت الخدمة منذ ثمانينيات القرن العشرين، وأخرى جديدة للغاية، حتى إنها لم تدخل بعد مرحلة الإنتاج.

وقدّرت وسائل الإعلام قيمة الصفقة بحوالي 3 مليارات دولار، واعتبرتها بعضها أكبر صفقة أسلحة منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول، وأكد البعض الآخر أنها الأكبر في تاريخ العلاقات بين البلدين. كما أن تأثيرها لن يتوقف على الجانب العسكري فقط من خلال تنويع مصادر السلاح، بل والسياسي من خلال إنهاء تبعيتها للولايات المتحدة، وإنما ستكون بداية لاستعادة روسيا لنفوذها، بشكل قد يجبر واشنطن على تبني سياسات مغايرة.

التعاون الاستراتيجي بين البلدين امتد أيضاً ـ وفقاً لما هو منشور في الصحف والقنوات المصرية في تلك الفترة ـ إلى مشاريع توسيع تبادل الوفود، وإجراء المناورات المشتركة، واستقبال العسكريين المصريين للدراسة في المعاهد والأكاديميات العسكرية الروسية، وإجراء مناورات تدريب مشتركة بين الدولتين، وتبادل المعلومات ودعم الحرب على الإرهاب، وتبادل الخبرات والتدريب المشترك وتنويع مصادر التسليح.

أما عن ما سمي بالانزعاج الأميركي من هذه الخطوات، فبدا كبيراً وفقاً للتغطية الإعلامية المصرية، خاصة مع دعم بوتين لترشح السيسي للرئاسة. وأشارت مواقع إلى حالة من التوتر والقلق أصابت المسؤولين السياسيين والعسكريين في إسرائيل من هذه الصفقة، وأنهم بصدد إجراء تقييم للموقف لبحث التغيّر المحتمل في موازين القوى لصالح مصر مستقبلاً.

وبعد عودة السيسي من أول زيارة له إلى روسيا، أكدت الصحف أن الصفقة تمت بالفعل، وأن الطرفين المصري والروسي اتفقا على جميع التفاصيل المتعلقة بها، ومن المنتظر تسليم الأسلحة قبل منتصف عام 2014، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية.

كان هذا في فبراير 2014، قبل أن ينفي السفير الروسي بالقاهرة أي أنباء حول صفقات أسلحة بين البلدين، مؤكداً أن كل ما تداولته وسائل الإعلام عن صفقات السلاح غير دقيق، وهو مجرد اجتهادات إعلامية، كما أن كل ما جرى تناوله حتى في الإعلام الروسي كان مصدره وسائل الإعلام المصرية، وهو يعبّر بصورة أقرب عن احتياجات الجانب المصري ليس أكثر.

رغم هذا النفي، عاد الإعلام مرة أخرى للحديث عن صفقات الأسلحة الروسية قبل زيارة السيسي الثانية إلى روسيا في أغسطس/ آب 2014. وتكرر الحديث نفسه عن تنويع مصادر السلاح واستقلال القرار وإنهاء التبعية للغرب وخلق توازن بين مصر وإسرائيل. وهذه المرة تحددت قيمة الصفقة بما قيمته 3.5 مليارات دولار.

اقرأ أيضاً: سر انقلاب السيسي على برهامي

روسيا بين مرسي والسيسي


وصل السيسي إلى مدينة "سوتشي" الروسية في أغسطس 2014، وهي المدينة نفسها التي استقبل فيها بوتين الرئيس مرسي أثناء زيارته إلى روسيا في أبريل/ نيسان 2013، لكن الإعلام أبرز في الزيارة الأولى اختيار المدينة على أنه تقليل من شأن مرسي، بينما اعتبرها مدينة هامة للغاية عند اختيارها لاستقبال السيسي.

بدا السيسي وكأنه مدرك للمقارنة التي ستحدث في حال استقباله في المدينة نفسها التي استُقبل فيها مرسي، وتحدثت تقارير صحافية عن رغبته في تغيير المدينة، لكن جدول مواعيد بوتين حال دون ذلك، لتتكفّل الصحف والفضائيات المصرية بالأمر وتغيّر صفة المدينة من الصغيرة إلى الهامة. بل وأكد أحد الصحافيين أن استقبال السيسي في المدينة هو إجراء يتم للمرة الأولى، رغم أن مرسي وصل إلى المدينة نفسها. استقبل السيسي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لكن الإعلام المصري رأى في هذا الاستقبال أنه "تاريخي" و"أسطوري"، بل وأكد البعض أن روسيا كسرت كل قواعد البروتوكول لاستقبال السيسي.

عبر الرصد والتوثيق، نجد أن نوعية الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام عن الزيارة تشمل أخباراً من نوعية: السيسي يشكر بوتين على حفاوة الاستقبال رغم إجازته السنوية، السيسي يشكر بوتين على دعوته لزيارة روسيا، السيسي وبوتين يتجولان على شاطئ البحر الأسود، السيسي يجلس على مقهى مع بوتين خلال جولة بسوتشي. بوتين يصطحب السيسي في جولة ترفيهية ويتناولان الشاي سويّاً، عرض للجليد على شرف الرئيس ومتابعة تدريب رماية. وهي أخبار تداولتها وسائل الإعلام المصرية في جدية بالغة، وكأنها تتحدث عن أحداث هامة. مع خلفيات تقارن بين هذه الزيارة وتلك التي قام بها جمال عبد الناصر للاتحاد السوفييتي أكثر من مرة طوال فترة حكمه.

ونشرت صحف ومواقع إخبارية تقارير عن الفروق بين زيارتي مرسي والسيسي إلى روسيا. وعند قراءة هذه التقارير، يتضح أن الفروق التي تراها وسائل الإعلام تلك تتلخّص في طول البيان الذي نشره الكرملين عن الزيارتين، وقيام الجانب الروسي بنشر الأعلام المصرية في زيارة السيسي، ومدة اللقاء مع بوتين، ومن كان في استقبال كل منهما في المطار، واعترافهم بتغيّر الخطاب الإعلامي خلال الزيارتين، من الهجوم الشديد في عهد مرسي إلى الترحيب الشديد في عهد السيسي.

هذا الترحيب تجلّى في نشر جريدة "الوطن" تقريراً نقلاً عن لسان "رواد مواقع التواصل الاجتماعي"، يؤكد أن السيسي "شرّف" مصر في زيارة روسيا، بينما "فضحها" مرسي. ورغم أن جمهور هذه المواقع تتجاوز أعدادهم ملايين الأشخاص يمثلون كافة التيارات، لكن الجريدة اختارت عيّنة من الآراء التي توافق هواها وعمّمتها باعتبارها تمثل آراء كافة رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

ولم تخرج الصحف عن سياق تشبيه السيسي بعبد الناصر، حتى أن كاتباً صحافياً شهيراً قال إن مباحثات السيسي مع بوتين "تغيظ" أوباما.