مراجعات حسن الترابي الفكرية.. متى يقرأها إخوان مصر؟

مراجعات حسن الترابي الفكرية.. متى يقرأها إخوان مصر؟

18 يناير 2016
مراجعات حسن الترابي بدأت منذ السبعينيات (فرانس برس)
+ الخط -

تعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لحظة فارقة في عمر الإخوان المسلمين في مصر، إذ تحولت الجماعة في لحظة من السرية والحظر، إلى الشرعية والعلنية، مما أدى بها إلى دخول معترك العمل السياسي بكل قوة دون أن يكون لهذا العمل غطاء فكري، غير قصاصات من ورق لمشروع إسلامي وشعارات ترفعها الجماعة الربانية أيام المحنة، وحتى بعد الانقلاب على الثورة لم تقم الجماعة بعمل مراجعة وتقييم لأخطائها خلال سنوات الثورة بل اتجه نشطاء الجماعة والمقربون منها للحديث عن أخطاء سياسية وقعت فيها الجماعة، ولم يتحدثوا عن أن هذه الأخطاء السياسية هي نتيجة أزمة فكرية عميقة وعدم اهتمام الجماعة بالجانب الفكري والأيديولوجي منذ عقود، ربما منذ إعدام سيد قطب شنقاً.

توقف الجانب الفكري والأيديولوجي الإخواني عند مساهمة بعض المقربين من الجماعة، في أوقات متباعدة، كالغزالي والقرضاوي والمستشار علي جريشة، وجاء أغلب الإنتاج الفكري هذا على شكل ردود على كتّاب علمانيين، لكن هذا المنتج لا يعتبر مفيدا في إدارة الدولة، لأن متخذ القرار يحتاج إلى سرعة وتقدير وليس له وقت لإرسال كل قرارته إلى مجمع البحوث الإسلامية، للنظر في مدى مطابقتها لأحكام الشريعة.

بناء على ما سبق يمكن القول إن الجماعة لو تمكنت من انتزاع السلطة من جديد، سوف تفشل مرة ثانية بعد فترة لأنها لا تملك أية تصورات لإدارة دولة حديثة، فأزمة الجماعة في فكرها وليست في إجابة سؤال المواجهة، هل هي مواجهة سلمية أم مسلحة مع السلطة، وليست أزمة الجماعة في كونها ثورية أو إصلاحية، فربما كان وجود الجماعة كحركة إصلاحية هو أفضل لها وللمجتمع المصري، ولكن الأزمة هي أن الجماعة عاجزة عن إجابة السؤال الصعب من نحن؟ ومن نكون؟ ولماذا يريد الإسلاميون أن يحصلوا على السلطة؟ ما هو الفارق الحقيقي بين حكم الإخوان وحكم العلمانيين، مثلاً، أو حكم الجيش كمثال آخر؟.

اقرأ أيضا: السودان.."النيجرز" يستبيحون الخرطوم

فكر الدكتور حسن الترابي

في نهاية السبعينيات وقع انشقاق هام في جماعة الإخوان المسلمين السودانية، إذ أعلن الدكتور حسن الترابي والعدد الأكبر من أعضاء الجماعة هناك، الانشقاق على تنظيم الإخوان أولاً، وعلى منهج الإخوان المسلمين الذي يدعو للإصلاح التدريجي ثانيا، ولم يهتم بهذا الانشقاق سوى بعض المراقبين والمتابعين لشأن الحركات الإسلامية، وكان الترابي في ذلك الوقت مفتونا بالتجربة الإيرانية الثورية، مثل فتنة بعض الحركات الإسلامية بالتجربة التركية الأردوغانية، التي آمنت بأن الوصول إلى السلطة هو غايتها وبكل الوسائل.

حتى تصل جماعة الترابي إلى هدف السلطة، قامت بخطوات مهمة بدأت بالمصالحة مع نظام جعفر نميري، ثم إعلان حل الجماعة والحركة والانضمام إلى حزب نميري (الاتحاد الإشتراكي) وأعلن الترابي قبوله بالمصالحة الوطنية وحصل على منصب وزير العدل، ثم النائب العام، وبالمقابل وافق جعفر نميري على طلبات الترابي، وكان من أبرزها عودة كل الموظفين المفصولين من المنتمين إلى الحركة إلى وظائفهم الحكومية مع تعويضهم والسماح لأنصار الحركة بالانضمام إلى القوات النظامية من جيش وشرطة وأمن، وكان هؤلاء الداخلون إلى هذه الأجهزة الأمنية هم حصان طروادة، الذي استخدمه الترابي فيما بعد، للتخطيط لانقلاب الإنقاذ فيما بعد.

كان أول ما ابتدعه الترابي في فكر الإخوان الجديد، عقب الانشقاق، هو رفضه التام لفكرة التربية التنظيمية ونظام الأسر والحلقات، إذ قال إن فكرة التربية التنظيمية التي تمارس داخل الإخوان أشبه بتربية الدواجن، إذ يتم حشو رأس الشباب بأفكار عامة وشعارات رنانة عن الإسلام والعمل له والدولة الإسلامية، دون تثقيفه بما ينفعه لتحقيق هذه الغايات بدراسة العلوم السياسية والفلسفة والآداب والفنون.

يرى الترابي أيضاً أن التربية داخل الإخوان تعتمد على التلقين، ولا يوجد أي مجال للحوار والمناقشة، معتمدا في رأيه هذا على ما ورد في رسالة التعاليم، التي توجد فيها وصية للإمام حسن البنا نصها (لا تكثر الجدل في أي شأن من الشؤون، أيا كانت، فإن المراء لا يأتي بخير)، ودائما ما استخدمت هذه الوصية لحسم أية محاولة للنقاش داخل الإخوان، ولكن على الرغم من رفض المراء، فإن قفل باب الجدل في كل الأمور كما تنص الوصية هو ترسيخ للديكتاتورية التنظيمية والسيطرة الأبوية، التي أدخلت الإخوان في مصائب عديدة ليس آخرها ما حدث في مصر والأردن من خطر تشرذم الجماعة وانفجارها ذاتيا.

اقرأ أيضا: السودانيون ضيوف على الخرطوم بعد الطوفان الأثيوبي

أولوية الدولة

تأتي مراجعة الترابي لأولوية الدولة على المجتمع كأهم مراجعة قام بها مفكر إسلامي في العصر الحديث، فدائما يكتب الإخوان المسلمون في مطوياتهم ومنشوراتهم أن أهدافهم تنحصر في تكوين الفرد المسلم (سليم العقيدة ، صحيح العبادة ،...) ثم تكوين الأسرة المسلمة، ثم إنشاء المجتمع المسلم ثم الوصول إلى الدولة المسلمة ثم الوصول إلى الخلافة وما يسمونه بأستاذية العالم، وطبعا هذا فكر طموح جدا وغارق في المثالية بالنسبة لحسن الترابي، الذي يرى أن فكرة العمل على الأرض في الدعوة، كما هي طريقة الإخوان والسلفيين، دون العمل على التغيير من فوق بالعمل السياسي أو خلافه، هو ضرب من العبث. ويعتقد جازما أن التغيير الذي تصنعه الدولة في حياة الأفراد ربما يكون أقوى من أي تأثير دعوي وعظي، ويبدو أنه متأثر كثيرا بدراسته القانونية والدستورية لماهية الدولة، التي تعتبر نفسها مسؤولة عن كل شيء كما يرى ثوماس هوبز في فكرة الدولة التنين، التي تسيطر على كل شيء في حياة الإنسان، بما في ذلك (الكنيسة والدين والمعتقد) ولذلك يرى الترابي تكوين الفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة ثم الدولة الإسلامية ثم المجتمع المسلم.

تعد الدولة عند الترابي أهم حتى من المجتمع، وينقل عنه أحد أشهر تلاميذه، الأستاذ المحبوب عبدالسلام، أن نهج الإخوان المسلمين المعتمد على العمل الدعوي والانتشار على حساب العمل السياسي سيحولهم من تيار سياسي إلى طائفة دينية، وهذا ما ثبت حدوثه في مصر بعد فترة حكم مرسي، إذ استطاع من يدير الدولة العميقة في مصر إقناع الشعب بأن الإخوان طائفة متمردة وبغيضة وإرهابية، واستطاع عزلها بعد أكثر من 80 عاماً في العمل الدعوي، وكأن الجماعة كانت تحرث في البحر، إذ إن ولاء كثير من المصريين للدولة كبير جدا، منذ زمن الفراعنة، وربما أكثر من ولائهم لأية انتماءات دينية، وهو ما تدل عليه إحصائية لمركز الجزيرة للدراسات صدرت في يوليو 2013، قال فيها 62% من الشباب المصري إنهم مصريون أولاً، بينما قال 35% إنهم مسلمون أولاً، وقال 2% إنهم عرب أولاً، ما يكشف عن أن ولاء المصريين تجاه دولتهم عميق، وهو سر احتفاظ مصر بحدودها السياسية الحالية منذ آلاف السنين، في حين تمزق العراق (العريق) وبلاد الشام، وحتى اليمن تقسم، أو سيقسم، إلى قسمين، إلا أن مصر واحدة موحدة منذ زمن مينا.

اقرأ أيضاً: مربع تصويب الإخوان المسلمين

أهم مراجعات الترابي التي يحتاجها الإخوان


تعد قضية المرأة، والموقف منها، أحد أهم مراجعات الترابي لفكر الإخوان. للأسف حتى الآن فإن جماعة الإخوان المسلمين في مصر متأخرة جدا في الإقرار بحقوق النساء، وما زال الفقه المسيطر على الجماعة هو فقه ذكوري يحرم النساء حتى من حقوقهن الشرعية، مثل التمثيل الجيد في البرلمان. فمن المؤسف أن لا يكون في برلمان الجماعة سوى عضوتين للإخوان مقابل 200 عضو من الرجال، وحتى حزب الحرية والعدالة عندما كان موجوداً كان دور النساء في الحزب دوراً تجميليّاً، فلم تمنح النساء أية مناصب مهمة في الحزب، وهو ما يؤشر إلى أن الجماعة ما زالت تتوجس من مشاركة النساء في العمل السياسي، وفي الوقت ذاته، فإن الترابي كتب مراجعة مهمة في قضية المرأة في كتاب (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)، يؤكد فيها أن "الذكر والأنثى سواء في عدد من الأمور، فهما سواء في الإيمان والتدبر والفقه لآيات الله في الطبيعة والشريعة، وسواء في الزوجية، وسواء في الوالدية، وسواء في الأهلية في شأن المال كسبا وملكا بالوراثة أو الإنتاج، وسواء في كسب العلم تعلماً وتفقهاً واجتهاداً وتشاوراً".

لعل أشهر ما قام به الترابي في حياته هو محاولته الحقيقية لإنجاز دستور لدولة إسلامية معاصرة، في 1998، وقام بذلك كفقيه دستوري عصري، وهو ما سبب انقلاب البشير عليه فيما بعد في 1999، وأبرز النصوص الداعمة للمرأة، التي نص عليها دستور الترابي، الذي يسمى في السودان بدستور (التوالي السياسي)، حق المرأة في الانتخاب والترشيح لجميع المناصب في المجالس التشريعية والمحلية، بما في ذلك منصب الرئاسة. وكذلك أكد الدستور على المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وأقر بأحقية المرأة في الوصول لأرفع المناصب القضائية، سواء كان قضاءً شرعيا أو قضاء جنائيا أو قضاءً مدنياً.

-------
اقرأ أيضاً:
السيفان المتماثلان.. خلاف الإخوان وليس اختلافهم