مصابو غزة: رحلة معاناة للعلاج بمستشفيات القاهرة

مصابو غزة: رحلة معاناة للعلاج بمستشفيات القاهرة

14 اغسطس 2014
رحلة طويلة وشاقة يقضيها الغزيون للحصول على علاج لائق
+ الخط -
يعد معبر رفح البري متنفس سكان قطاع غزة لعبور الدواء والغذاء ومواد البناء بشكل رسمي أو بشكل غير رسمي عبر الأنفاق، وإن كانت تحمل صبغة رسمية في الجانب الفلسطيني. عانى القطاع من الضيق خلال العدوان الاسرائيلي على غزة، ضيق لم يسلم منه الشاب أو الشيخ، بل والمريض أيضاً في رحلة معاناة، تبدأ من القصف حتى الحصول على الدعم الطبي من الجهة الأخرى لرفح المصرية، عقب النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية في مستشفيات القطاع المحاصر، فضلاً عن تضاعف أعداد الجرحى والشهداء عن القدرة التشغيلية لمستشفيات غزة.

بعد مرور أيام من بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في يوليو/تموز الماضي، أصبح الوضع مأسوياً في مستشفيات غزة، حيث الازدحام بالمرضى ونفاد بعض الأساسيات. ونتيجة للوضع المأسوي فتحت الحكومة المصرية معبر رفح البري لاستقبال المصابين ليتم علاجهم في المستشفيات المصرية، وكذلك لإدخال المساعدات الطبية والغذائية لسكان القطاع.

يقول أيمن، الذي أصيب ولده سعدي (18 عاماً) وتم تحويله لتلقي العلاج في مصر، "الوضع في مستشفى الشفاء في غزة أصبح سيئاً للغاية، فقد بدأت الكثير من المتطلبات الطبية الأساسية في النفاد ويطلب من المريض إحضارها من خارج المستشفى".

أما كرم حميد، الذي تنقل بين مستشفى الشفاء والمستشفى الأوروبي في غزة قبل انتقاله إلى مستشفى العريش العام في مصر، فيحكي والده عن الوضع في مستشفى الشفاء أنه "لا يوجد شاش ولا لاصقات طبية ولا أماكن للمزيد من المرضى، لدرجة أن العمليات تجرى على الأرض.

المستشفى يعتمد على المولدات بسبب انقطاع الكهرباء". كسور وشظايا في الرأس والعنق والصدر كانت سبباً في معاناة عبيدة، ذي الخمس سنوات، لزم على أثرها إجراء أشعة مقطعية له، إلا أن الامر تعذر تماماً، وظل في غزة من دون علاج بسبب تعطل جهاز الأشعة المقطعية في المستشفى الأوروبي في رفح ومستشفى ناصر في خان يونس، وبعدها تم نقله لتلقي العلاج في مصر.

مأسوية الوضع ونقص المعدات الطبية وسوء حالة الكثير من المصابين، لم تشفع لأهالي غزة لتسهيل إجراءات دخولهم إلى مصر للعلاج. فصبحي سليمان، الذي أصيب في قصف طال منزله في الثامن عشر من يوليو الماضي بكسر وتهتك شديد في ساقه، تقدم بطلب للانتقال لمصر، استغرق الأمر أسبوعاً حتى جاءت الموافقة وتم نقله.

أما باسل سعيد، المصاب بقطع في شريان في الحوض وشظايا في اليد اليمنى والساق اليمنى، فقد استغرق الأمر معه 4 أيام، وهي نفس المدة التي استغرقها عبيدة أبو هاشم ليتم نقله إلى مصر أيضاً. الموافقة على العبور لمصر ليست نهاية المعاناة، فالطريق لمعبر رفح ليس مفروشاً بالورود، بل هو أخطر ما يمكن، فإن لم تقتلك اصابتك في القصف فقد تقتل في قصف يستهدف سيارة الإسعاف التي تنقلك للمعبر على بعد أمتار منه.

وهو ما حدث في العاشر من يوليو الماضي عقب إعلان فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى الفلسطينيين للعلاج في المستشفيات المصرية، إذ ما إن تم فتح المعبر، حتى قام الطيران الاسرائيلي بقصف سيارة إسعاف في طريقها للمعبر على الجانب الفلسطيني وقُتل من فيها، ما أدى لإغلاق المعبر مرة اخرى في ذلك اليوم.

يحكي محمود العقاد عن رحلته من مستشفى ناصر في خان يونس لمعبر رفح بصحبة أخيه حسن المصاب بكسور وتهتك في الشرايين والأوردة وكسر عميق في الساق: "الطريق من مستشفى ناصر لمعبر رفح غير آمن، حيث التجول ممنوع وأي هدف متحرك يتم قصفه، حتى الإسعاف. فلا يسير أحد في الطريق، فتضطر عربات الإسعاف لاتخاذ طرق التفافيه لتفادي القصف، لا يوجد مكان آمن في غزة".

بعد ظهر يوم الأول من أغسطس الجاري، تم إغلاق معبر رفح قبل الموعد المحدد بسبب شدة القصف الإسرائيلي للمعبر في الجانب الفلسطيني وفي محيط المنطقة، حيث سقطت عدة قذائف بالقرب من الحدود وفي محيط المنطقة، ما شكل خطورة على حياة العابرين والعاملين، ولم يتمكن الجرحى والمصابون الفلسطينيون من الوصول الى الجانب المصري.

وذلك على الرغم من وجود سيارات الإسعاف في الجانب المصري في انتظارهم لنقلهم الى المستشفيات المصرية لتلقي العلاج. الوصول للمعبر تعقبه اجراءات أخرى قد تطول أو تمر سريعاً، فبعض الحالات استغرق انهاء اجراءات عبورهم ساعة واحدة، وآخرون استغرق معهم الأمر ثلاث أو أربع ساعات. كان على باسل سعيد أن ينتظر في سيارة الاسعاف لمدة ثلاث ساعات ليتم إنهاء بعض الاجراءات الأمنية ليتمكن من دخول مصر. أما كرم حميد فقد قضى 4 ساعات في إنهاء نفس الاجراءات.

بعد العبور للجانب المصري، تقوم لجنة شكلتها وزارة الصحة المصرية بتقييم الحالات، كما يقول المدير العام لمستشفى العريش العام، سامي أنور. ويضيف "الطاقم الطبي عند المعبر مسؤول عن التنسيق بين الجانبين الفلسطيني والمصري ويقوم بتصنيف الحالات وتحويلها مباشرة لتوفير الوقت، وبالتالي يكون توزيع الحالات بين مستشفى العريش العام ومستشفيات القاهرة، وفقاً لمعايير هذه اللجنة في التصنيف".

وتستقبل مستشفى العريش العام يومياً عدداً من حالات الجرحى الفلسطينيين، تراوح بين حالة أو اثنتين وبين عشرين حالة، بعضها يتلقى علاجه في المستشفى، والبعض الآخر يتم تحويله بعد فترة لأحد المستشفيات في القاهرة حسب حالته لاستكمال علاجه.

ويقول أنور: "مستشفى العريش العام يرفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال المصابين، حيث تم تجهيز وحدات العناية المركزة وأرسلت وزارة الصحة أطباء في جراحة المخ والأعصاب والصدر والعظام والتخدير. أما عن الأدوية والمستلزمات الطبية فهي متواجدة وتم عمل مخزون كافٍ منها، لكن لا يوجد فريق طوارئ متخصص، كما نعاني من تعطل جهاز الأشعة المقطعية والذي يضطرنا لتحويل الحالات إما لمستشفى رفح أو لمستشفى العريش العسكري، ورغم صدور قرار في مطلع يوليو الماضي بإحضار جهاز جديد للمستشفى، ولكن للأسف الجهاز القديم لا يزال معطلاً، ولم يأت الجديد حتى الآن".

منذ إعلان قرار فتح معبر رفح، قام عدد من نشطاء شمال سيناء بعمل حملات للتبرع بالدم والتواجد لمساعدة الجرحى بمستشفى العريش العام نظراً لعدم السماح بعبور المرافقين في بداية الأمر. لكن على الرغم من إعلان مستشفى العريش العام رفع حالة الاستعداد للدرجة القصوى وسير العمل فيه على قدم وساق لاستيعاب الحالات القادمة من قطاع غزة، جنباً إلى جنب، مع الحالات المصرية خاصة مع الوضع الأمني في سيناء، والذي يجعل المستشفى يعمل بشكل دائماً في حالة استعداد قصوى، إلا أنه كغيره من المستشفيات الحكومية المصرية لا يزال يعاني قدراً من نقص في المعدات والأسرّة والتخصصات.

عبيدة، ذو الخمس سنوات، فقد أهله الأمل في اجراء أشعة مقطعية له في غزة لتعطل الجهاز في المستشفى الأوروبي. وكذلك في مستشفى ناصر، ما عطل علاجه. وعندما تم نقله لمستشفى العريش العام واجهوا نفس المشكلة، وتم نقله لمستشفى العريش العسكري لإجراء الأشعة المقطعية ومن ثم عاد إلى المستشفى العام مرة أخرى.

ويوضح سامي أنور "بالفعل هناك نقص في الأسرّة في المستشفى، إذ كان من المنتظر استلام مبنى جديد كان من الممكن أن يستوعب قدراً أكبر من الحالات في وضع كهذا لكن لم يتم استلام المبنى حتى الآن. حاولنا بقدر الإمكان توفير أماكن في قسم العناية المركزة، لكن لا يزال هناك عجز في القسم الداخلي. المستشفى يعد محطة لتوجيه الحالات حسب التخصصات إلى مستشفيات أخرى في القاهرة وذلك لعدم قدرته على استيعاب كل الحالات".