سجون الإسكندرية.. ابتزاز المعتقلين وأُسرهم لـ"دفع المعلوم"

سجون الإسكندرية.. ابتزاز المعتقلين وأُسرهم لـ"دفع المعلوم"

08 ابريل 2015
التضييق على المعتقلين السياسيين يتم لابتزازهم مالياً(فرانس برس)
+ الخط -
شعور بالحزن والألم والمهانة، أصبح لا يفارق الحاجة عفاف والدة أحد المعتقلين من المحتجزين في سجن برج العرب، كلما توجهت لزيارة ابنها، على الرغم من انتظارها موعد الزيارة بفارغ الصبر، وتجهيزها المأكولات التي يحبها الابن المعتقل، إلا أن الحاجة عفاف في كل مرة تتعرض لإهانات من رجال الأمن وتفتيش غير آدمي للطعام والشراب، ورفض لإدخال العديد منه، بحجج مختلفة أو استيلاء بعض أفراد الأمن عليه.

في السابق كانت الحاجة عفاف تحاول إدخال الطعام لابنها في محبسه بمديرية أمن الإسكندرية قبل ترحيله إلى سجن برج العرب، عبر دفع 100 جنيه مصري (14 دولاراً) لأحد أفراد الأمن المعروفين لدى أهالي المعتقلين، إلا أنها عاجزة عن إيجاد من يوصل لابنها ما يحبه من طعام في برج العرب، "حتى لو بالفلوس" كما تقول.

تقول الحاجة عفاف لـ"العربي الجديد": "تم إلقاء ابني في الحجز لمدة تزيد عن أسبوعين داخل مديرية الأمن بمنطقة سموحه ومنعوا عنه الزيارة ولم نستطع توصيل الغذاء إليه إلا إذا دفعنا لأحد أفراد الأمن مبلغ 100 جنيه، كل مرة وفي الكثير من الأحيان يأخذ المبلغ ولا يوصل الطعام إليه".

وأشارت إلى تعرضها إلى معاملة قاسية بصورة دائمة أثناء زيارتها لابنها في سجن برج العرب بغرب الإسكندرية بعد أن تعمد المسؤولون هناك إلى إهانتها ومنع دخول أي شيء للمحتجزين والعبث بمحتويات الطعام ورفض توصيل الكثير منه فضلاً عن تقصير مدة الزيارة لدقائق معدودة رغم الانتظار لساعات، بالإضافة إلى شكوى ابنها وجميع المعتقلين معه من قيام قوات الأمن بتجريدهم من ملابسهم والاعتداء عليهم بالعصي والأيدي، ومصادرة ملابسهم.

توثيق المعاناة

بحسب تقارير حقوقية متطابقة، تعاني السجون وأماكن الاحتجاز في محافظة الإسكندرية شمال مصر من انتهاكات خطيرة وأوضاع مأساوية ولا إنسانية لحقوق السجناء السياسيين، ولم تقف تلك الانتهاكات عند تردي أحوال المساجين المعيشية وغياب الرعاية الصحية وتكدس الزنازين وعدم توفر أدنى متطلبات حقوق المحتجزين داخلها، وإنما امتدت إلى التضييق عليهم وابتزازهم وأهاليهم أثناء الزيارات.

تؤكد مصادر من داخل سجن برج العرب في محافظة الإسكندرية، أن آمال أهالي المعتقلين، لم تعد خروج ابنهم من محبسه والحصول على حريته بقدر ما تحولت إلى شراء راحته بالمال بعد أن تحول نظام "دفع المعلوم" -كما يُسمّى في سجون مصر- إلى أسلوب للمعيشة وطريقة مناسبة للتعامل بين المحتجزين والمسؤولين عن أماكن الاحتجاز.

وتتابع المصادر أن عبارة "شخلل عشان تعيش" باتت شعاراً شهيراً وشائع التردد بصورة دائمة على ألسنة المتواجدين داخل السجون وأماكن الاحتجاز التي تمتلئ بآلاف المعتقلين من مختلف الأعمار من الرجال والنساء منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013 وحتى الآن.

بحسب عدد من الأهالي وأعضاء الدفاع عن المتهمين، فإنهم يتعرضون للابتزاز المالي والمساومة والتي وصلت إلى استثمار احتياجات المعتقلين ولهفة ذويهم في الاطمئنان عليهم، لجني أي مكاسب مادية، وهو ما أدى إلى قيام عدد من رجال الشرطة والمخبرين بالتفنن في إذلال المعتقلين من أجل إجبارهم على "دفع المعلوم"، حتى أنه لم يعد بمقدور عائلة المعتقل محمد إبراهيم الاستفسار عن مكان تواجده وهل هو داخل القسم أو في أي مكان للاحتجاز إلا بعد دفع المعلوم.

مخالفة القانون

تنص قوانين ولوائح السجون في مصر على أن الزيارة حق أصيل للمعتقل دون تفرقة بين معتقل سياسي وآخر جنائي، فوفقاً للمادة (38) من القانون رقم 396 والمادة (60) من اللائحة الداخلية للسجون العمومية والليمانات والمادة (34) من اللائحة الداخلية للسجون المركزية رقم 1954 لسنة 1971، فإن الزيارة حق أصيل لكل معتقل ولذويه أن يزوروه مرة واحدة كل أسبوع، كما حدد القانون مدة الزيارة والتي تختلف من سجن لآخر؛ ففي السجون العمومية مدة الزيارة العادية ربع ساعة أما الزيارة الخاصة التي تتم وفقاً لأحكام المادة 40 من القانون فمدتها نصف ساعة، ويجوز لمدير السجن أو المأمور إطالة هذه المادة إذا دعت لذلك ضرورة، كما لا يوجد تقيد بأعداد الزائرين.


"لكن ما سبق من نص قانوني لا يطبق"، بحسب أحد المفرج عنهم، إذ يمنع القائمون على السجون الأهل من إتمام الزيارة أو دخول الاحتياجات الرئيسية من أطعمة وأدوية للمرضي منهم إلا بعد الاستجابة لمطالبهم بدفع مبالغ مالية تختلف بحسب مزاج الشخص المسؤول عن العبور على داخل السجن أو يعودون دون إتمام الزيارة، ولا سيما إذا كان أحدهم من كبار السن أو السيدات، وفي أحيان كثيرة يتعرضون إلى مزيد من الإهانة والإذلال لرفضهم الاستجابة.

ويتابع المصدر المفرج عنه على ذمة إحدى القضايا المنظورة أمام المحكمة بتهمة التظاهر، أن أوضاع المحتجزين في السجون وأقسام الشرطة ومقرات الاحتجاز في الإسكندرية، أصبحت الشاغل الأكبر للرأي العام بالمدينة، وبخاصة مع استمرار جرائم ما يعرف باسم "سلخانة الدور الرابع" في مديرية الأمن، والمعروفة بممارسة كل أنواع التعذيب ضد المعتقلين لإجبارهم على الاعتراف بارتكاب جرائم لم يعرفوا عنها شيئاً.

وأوضح لـ"العربي الجديد"، بعد أن رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن "أهله قاموا باللجوء إلى أحد العناصر الأمنية للتعرف على مكان احتجازه بمديرية أمن الإسكندرية بعد إلقاء القبض عليه مقابل مبلغ مالي كبير بعد أن رفض المسؤولون إخبارهم مكان وجوده لأكثر من 10 أيام".

وأضاف: "الأمر تكرر بعد انتقالي إلى قسم شرطة المنتزه أول وأصبح لزاماً على أفراد أسرتي توفير مبلغ مالي لعدد من المخبرين لضمان دخول الأطعمة والاحتياجات الأساسية لي، خاصة أن مكان الحجز يتكدس بداخلة المحتجزون والمتهمون بصورة مضاعفة للأعداد التي يتحملها، لدرجة لجوء البعض للنوم داخل دورات المياه من شدة الزحام كما لا يقدم لنا أي وجبات أو توفير الأغطية والمفروشات".

إبراهيم عبد العال يعمل موظفاً ولديه قريب محتجز فى قسم شرطة كرموز بوسط الإسكندرية، تمكن بصعوبة بالغة من إبرام اتفاق مع أمين الشرطة الذي يقوم بحراسة الحجز في النوبة الليلية. وبموجب الاتفاق يقوم فرد الأمن بالسماح لـ5 من المحتجزين مع قريبه في الزنزانة، بالنوم يومياً في أحد الممرات المتاخمة للزنزانة مدة 4 ساعات في الليل أثناء عدم مرور أي من القيادات الشرطية، مقابل دفع 100 جنيه لكل منهم بينما يتقاسم الآخرون النوم قياماً وقعوداً داخل أرضية الزنزانة. ويتابع لـ"العربي الجديد": "عناصر من الشرطة يتساهلون مع الجنائيين في تمرير عدد من الممنوعات أو وقف التضييقات التي من الممكن أن يتعرض لها غيرهم من السياسيين".

صمت المنظمات الحقوقية المصرية

فكري عبد الرحيم، محامٍ، وعضو هيئة الدفاع عن عدد من المعتقلين، أكد أن الزيارات القانونية التي يحق للمحتجزين استقبالها من أهاليهم وذويهم، لا يمكن إجبار الشرطي على تنفيذها دون دفع المعلوم، الذي يختلف كل مرة حسب المسؤول فضلاً عن تحملهم بعض الإهانات والمعاملة المهينة في حالة عدم الحصول على ما يرضيه.

وأضاف عبد الرحيم "رغم إنهاء أسرة المحتجز كافة الإجراءات اللازمة، إلا أنها قد تتعثر في الخطوة الأخيرة بسبب رفض فرد الحراسة، إتمام الأمر، حتى أن الكثير من الأهالي بات يضع المعلوم ضمن البنود والاحتياجات اللازمة مثل الأكل والشراب التي يجب توفيرها للمعتقل".


وتابع "لم يقتصر أمر "المعلوم" على المحتجزين من البالغين للسن القانونية، إذ يعاني الأطفال المحبوسون في حجز المؤسسة العقابية في منطقة كوم الدكة، من الأمر ذاته، ويبقى "المقابل المادي هو إلي يخلص" كما يقول أهالي الأطفال المحتجزين على ذمة اتهامهم في مسيرات أو تظاهرات مناهضة لحكم العسكر".

بدوره، انتقد هيثم أبو خليل، الناشط الحقوقي ومدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان حالة الصمت المطبق من جانب المنظمات الحقوقية وإهمالها المتعمد لقضية المعتقلين داخل السجون المصرية منذ عزل الرئيس محمد مرسي.

وقال أبو خليل لـ"العربي الجديد": "العاملين في أقسام الشرطة يستغلون تكدس أماكن الاحتجاز بالمعتقلين منذ الانقلاب العسكري وعجزها عن مواجهة الأعداد المتزايدة فضلاً عن أنها غير مؤهلة لذلك ولا تتوفر بها أدنى متطلبات الحياة ويمنعون الجميع من أدنى حقوقهم، لتحقيق مكاسب مادية، ابتزاز ومساومة الأهالي لتوصيل احتياجاتهم الضرورية".

وأوضح أن أشد أنواع الانتهاكات التي يلقاها المحتجزون، تبقى في عجزهم عن النوم أو الأكل أو ارتداء الملابس أو حتى الكلام أو التبول سوى بدفع "المعلوم" لعساكرالشرطة الذين يبتكرون وسائل لابتزاز ذويهم والحصول على الأموال كإتاوات مقابل كل حركة أو تنفس لأولادهم.

واختتم أبو خليل بالقول: "غالبية المحتجزين يتعرضون لعمليات تعذيب ممنهجة، ولأوضاع احتجازغير آدمية وإهمال طبي وسوء رعاية منذ الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن دون أن تقوم السلطات بإجراء تحقيقات نزيهة وشفافة تؤدي إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الجزأية، أو حتى تقوم منظمات حقوق الإنسان المصرية بمتابعة هذه الانتهاكات مثلما كانت تفعل في السابق".